كانت مصممة أزياء استوديوهات هوليوود الشهيرة إديث هيث سابقة لأوانها. لم تُصمم أزياء مفعمة بالأنوثة والغموض سجلت لمرحلة مهمة في عصر هوليوود الذهبي فحسب، بل كانت أيضاً سابقة لأوانها لأنها توقعت أن يتحول حفل الأوسكار إلى أكبر منصة عرض أزياء في العام. في عام 1970 صرَحت: «سيأتي وقت سيُصبح فيه حفل توزيع جوائز الأوسكار أعظم عرض أزياء في العالم... ستتبع أزياء صممها كبار المصممين من كل العالم وتعرضها أجمل نساء العالم... نجمات هوليوود». أمر استغرق وقتاً وبضعة عقود ليصبح واقع حفل الأوسكار إلى ما عليه الآن، شاء البعض أم كره. فالحفل السنوي لم يعد عن السينما فحسب، بل أيضاً عن الأزياء والمجوهرات، بدليل أن التغطيات التي يحصل عليها جانب الأزياء يُغطي أحياناً على جانب السينما والأفلام. خارج مسرح دولبي في هوليوود، لوس أنجلوس حيث يقام الحفل، وخارج مقر حفل «فانيتي فير» الذي يقام بعد توزيع الجوائز، يصطف الصحافيون على كل المداخل. يتصيدون وصول النجوم وهم يحملون ميكروفونات متأهبة لأجوبة قد تكون مقتضبة لكنها شافية. تتوقع أن تكون هذه الأسئلة عن الأفلام، لكنك تتفاجأ أن أغلبها يتمحور حول الأزياء. من مصمم الفستان؟ وما هي دار المجوهرات؟ وما إلى ذلك.
الحفل السنوي لم يعد عن السينما فحسب، بل أيضاً عن الأزياء والمجوهرات، بدليل أن التغطيات التي يحصل عليها جانب الأزياء تتجاوز أحياناً جانب السينما والأفلام
النجم البريطاني هيو غرانت أعلن أمس عن استيائه من هذا الوضع ببلاغة. عندما سألته صحافية عن البدلة التي يلبسها آملة أن يقول لها اسم الدار أو المصمم. رد: أنا أرتدي بدلة. جارته ضاحكة وهي تسأله مرة أخرى: من هو مصممها؟ ليأتي الرد: صممها خياط لا أتذكر اسمه. كان واضحاً أنه يرفض أن يُصبح طرفاً في هذه اللعبة بأي شكل من الأشكال. لكن إذا كان هيو غرانت قد عبَر عن غيظه من الوضع بصراحة، فإن باقي النجوم قرروا أن يركبوا الموجة ويستفيدوا منها. أصبح بعضهم سفراء لهذه البيوت، يحصلون على كل التسهيلات للحصول على أجمل الأزياء وآخر ما خطوطها ليتألقوا بها على السجاد الأحمر. وحتى عندما لا يكونوا تحت أنظار أي بيت من بيوت الأزياء العالمية، فهم يُكلفون خبراء أزياء ليكونوا صلة الوصلة بينهم، حفاظاً على صورتهم وعلى مكانتهم أيضاً.
هذا العام كان عيد ميلاد الحفل الـ70 أو بالأحرى العام الذي تم بثه على شاشات التلفزيونات وأصبح بإمكان الجميع متابعته. منذ انطلاقه في عام 1929، كان حريصاً على أن يحافظ على أناقته.
هذه كانت مكتوبة من قبل الاستوديوهات الكبيرة بلغة واضحة: أن يرتدي النجوم بدلات مع ربطات «بابيون» والنجمات بأزياء ساحرة تستحضر الغموض والأنوثة في الوقت ذاته. كانت غالبية الفساتين من إبداع مصممي ومصممات الأفلام يعملون في الاستوديوهات مثل هيلين روز وإديث هيد وغيرهما ممن كانوا العمود الفقري في السينما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه من دون أزياء لا تكتمل الصورة على الإطلاق.
إديث هيد مثلاً هي التي صممت أغلى فستان شهده حفل الأوسكار، ألا وهو فستان الراحلة غرايس كيلي. كان باللون الأزرق السماوي وصممته لها من الحرير الذي قُدر ثمنه بـ4000 دولار في ذلك الوقت، أي في 1955.
بدورها صممت هيلين روز فستان غرايس كيلي لحفل الأوسكار عام 1956. كان رائعاً إلى حد أن النجمة طلبت منها تصميم فستان زفافها الذي أقيم في العام نفسه. كان السيناريو المكتوب تقليدياً بمفهوم اليوم. أن تظهر النجمات في الحفل بأجمل شكل لكن من دون إثارة صادمة. كان ذلك في وقت كانت فيه الاستوديوهات تحظى بقوة تُتيح لها التدخل في كل صغيرة وكبيرة، بما في ذلك حياة نجومها الشخصية وعلاقاتهم الحميمة. بالنسبة للأزياء كانت تريد أن تحافظ النجمات على صورة تثير الحلم وبعيدة المنال في الوقت ذاته. لكن في الستينات ومع ظهور حركات نسوية واجتماعية وسياسية بدأت هذه الاستوديوهات تفقد السيطرة بالتدريج. في السبعينات أيضاً انسحبت إيديث هيث من الساحة وسلمت المشعل لمساعدها بوب ماكي. كانت لهذا الأخير نظرة مختلفة تماماً عن الجمال والأناقة. بدأ يُدخل الأقمشة الشفافة على الأزياء والخطوط الضيقة التي تُبرز تضاريس الجسم بشكل واضح. ثم مع تنامي الحركات النسوية والاجتماعية والسياسية بدأت الأزياء تأخذ دوراً مختلفاً، خصوصاً مع رغبة النجمات في التحرر من القيود التي كانت تفرضها عليهن الاستوديوهات قديماً. في عام 1973، مثلاً اختارت جين فوندا تايورا من إيف سان لوران تعبيراً عن رفضها لحرب فيتنام. عندما سُئلت عن سبب اختيارها لتايور عوض فستان كما جرت العادة، ردت: «أردت شيئاً يُعبر عني. هذا ليس وقت استعراض الفساتين، إنه وقت الجد». كانت هذه أول مرة تدخل فيها السياسة مناسبة كبيرة.
لكن بالنسبة لمصممي باريس وميلانو، فإن عيونهم تفتحت على أهمية السجاد الأحمر وحفل الأوسكار بالذات ومدى سحر النجمات منذ الستينات. في عام 1961 نجحت إليزابيث تايلور أن تطلق اسم مصمم شاب اسمه مارك بوهان كان قد تسلم لتوه مقاليد دار «ديور» إلى العالمية. توطدت العلاقة بين النجمات وبيوت أزياء معينة منذ ذلك الحين. لكن صناع الموضة لا يكتفون. هم دائماً يطمحون إلى كسب المزيد. ربطهم ثنائيات مع نجمات مثل غريس كيلي وديور، وأودري هيبورن وجيفنشي فتحت شهيتهم لدخول السينما بقوة بتصميم أزياء الأفلام، من جيورجيو أرماني إلى جياني فيرساتشي وغيرهما. ومع ذلك ظلت العلاقة إلى حد التسعينات من القرن الماضي، تراعي المفاهيم القديمة من الجانبين. يمكن القول إن 1995 كان العام الذي وُلدت فيه العلاقة كما نراها الآن. كان ذلك عندما ظهرت النجمة أوما ثورمان بفستان من «برادا» على السجاد الأحمر. كانت هذه اللحظة هي التي رسَخت مكانة الموضة في مناسبات السينما. ليس لأنها أكدت قوة تأثير النجوم على تسويق منتجاتهم فحسب بل لأنها فتحت شهية النجمات على الموضة كجانب يستثمرن فيه جمالهن وقوتهن للحصول على عقود مجزية. فليس اعتباطاً أن ريهانا تعتبر أغنى مغنية. فهي لم تحقق المليارات من ألبوماتها الغنائية بل من استثماراتها في مجالي الأزياء والماكياج.