لماذا تموت النساء في لبنان على أيدي أزواجهن من دون أي محاسبة؟

هناء خضر (تويتر)
هناء خضر (تويتر)
TT

لماذا تموت النساء في لبنان على أيدي أزواجهن من دون أي محاسبة؟

هناء خضر (تويتر)
هناء خضر (تويتر)

«لم يتبق سوى القليل من آثار اللبنانية هناء خضر في شقة الطابق الأرضي المظلمة حيث كانت تعيش في سن التاسعة. أدوات مكياج أعطتها لأختها غير الشقيقة، وموقد صغير لصنع القهوة قدمته لزوجة والدها في عيد الأم. صور لها وهي تبتسم في الكاميرا مباشرة على هواتف العائلة فقط. خلاف ذلك، لم يتبق سوى ذكريات أحبائها لها»، حسبما يروي تقرير نشرته صحيفة «الغارديان».
ووفا للتقرير، تتذكر زوجة أبيها أنه في المرة الأخيرة التي جاءت فيها للزيارة، قامت الفتاة البالغة من العمر 21 عاماً بصنع الكريب وأعدت قهوة الصباح. اشتكت من الإرهاق لكنها كانت حاملا منذ عدة أشهر بطفلها الثالث في حر الصيف اللبناني الشديد، لذا لم يكن ذلك مفاجئا. إذا كانت قلقة بشأن أي شيء، لم تقل.
يقول والدها محمد خضر، عامل نظافة في طرابلس ثاني أكبر مدن لبنان: «كانت فتاة تحب الحياة»، ويضيف أنه في يوم زيارتها الأخيرة في أوائل أغسطس (آب) الماضي، «جاء زوجها ليأخذها إلى المنزل حيث كانوا يعيشون في جزء آخر من طرابلس مع ابنيه ثم تلقيت مكالمة هاتفية بعد الظهر تفيد بأن ابنتي في المستشفى».
هرع الأب إلى هناك ليجد هناء «تصرخ من الألم» وتتهم زوجها، كما يقول، بإغراقها بالغاز السائل من عبوة يحتفظون بها في المطبخ. «سألتها عما حدث فقالت لي، أبي، لقد أحرقني. أشعل بي النار»، يحكي.

أصيبت هناء بحروق بنسبة 100 في المائة

ومات الجنين بعد ثلاثة أيام، فيما لقيت أمه مصرعها بعد ثمانية أيام. يقول الدكتور غبريال صبيح، مؤسس مستشفى السلام في طرابلس: «لقد أصيبت بحروق بنسبة 100 في المائة»، بما في ذلك في الجهاز التنفسي.
ويضيف: «منذ البداية كنا نرى أن حالتها كان ميؤوسا منها لكننا اعتنينا بها كما لو كانت لديها فرصة للعيش، بينما كنا نعلم أن شفاءها يحتاج لمعجزة».
وبحسب التقرير، لا تزال عائلة هناء في حيرة من أمرها، بعد ستة أشهر من وقوع الكارثة. زوجها، وهو سائق سيارة أجرة، في السجن في انتظار محاكمته بتهمة القتل، وهو ينفي تلك التهمة.
رغم وجود عقوبة الإعدام من الناحية النظرية، فإن لبنان لم يعدم أي شخص منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لكن خضر، الذي «يتفق عادة مع ذلك»، لا يتفق في هذه القضية، ويقول: «لم تكن هذه جريمة عادية. لقد كانت جريمة مروعة. أدفع وزني ذهبا لآخذه إلى قبرها وأحرقه أمامه وأقول لها: لقد فعلت به ما فعله بك».
ما يزعم أنه حدث لهناء خضر كان فظيعا وفي طريقته غير معتاد، لكن قتل النساء على يد أزواجهن ليس نادرا في هذا البلد، سواء بين اللبنانيين أو 1.5 مليون سوري، وفقاً للتقرير.
وبحسب قوى الأمن الداخلي اللبناني، قتلت تسع نساء في جرائم عنف أسري بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، و18 في عام 2021. ويعتقد أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، مع تزايد العنف المنزلي.
ويقول محمد منصور، نائب مدير منظمة أبعاد، وهي منظمة غير حكومية معنية بالمساواة بين الجنسين: «نعلم أنه لا يتم الإبلاغ عن جميع الحالات».
رغم أن الدستور يعتبر أن «كل اللبنانيين متساوون أمام القانون»، إلا أن عدم المساواة بين الجنسين تنسج في نسيج الأمة من خلال مزيج من القيم الأبوية والتشريعات غير المتكافئة وإرث «الذكورية العسكرية من الصراع الماضي» على حد وصف النشطاء والمحامين والأكاديميين.
ويتفاقم هذا بسبب الأزمة الاقتصادية القاسية في البلاد، مع تفاقم الفقر، والفساد المستشري، والخلل المؤسسي والشلل السياسي، كلها عوامل تعزز ضعف الفئات الأقل قوة في المجتمع.
كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، فإن هذا المزيج السام يديم عداء منخفض المستوى تجاه المرأة يسبب التمييز والعنف، وفي أقصى حالاته قتل الإناث.
وعندما يحدث ذلك، تعيش عائلة الضحية مع التداعيات. ويقول محمد كنجو، الذي قتلت ابنته زينة على يد زوجها إبراهيم غزال، في يناير (كانون الثاني) 2021: «لو كان لدي أي فكرة أن هذا سيحدث لها، لما تركتها معه. إنك تفقد جزءا من جسدك، جزءا لا يمكن استبداله».

محمد وفاطمة كنجو والدا زينة

بالنسبة لأولئك الذين يعملون على خفض معدل العنف في لبنان ضد المرأة، يمكن أن يشعروا وكأنها معركة يائسة، يجاهدون باستمرار للحصول على فرصة لإسماع صوتهم وسط سلسلة من الأزمات في البلاد، حسبما أفاد التقرير، الذي ذكر أيضاً بأنه في السنوات الثلاث الماضية فقط، تعرض اللبنانيون للإغلاقات بسبب كورونا، والانفجار المدمر في ميناء بيروت، والانهيار الاقتصادي، وكل صدمة أدت إلى زيادة الضغط.
وتساءل التقرير كيف يمكن للمجتمع أن يهدم النظام الأبوي في حين أنه لا يستطيع إبقاء أضواء الشوارع مضاءة؟ وتقول زويا روحانا، الناشطة في مجال حقوق المرأة مديرة منظمة «كفى» غير الحكومية: «كل يوم لدينا قضية جديدة في هذا البلد».
أدى الانخفاض الكبير في قيمة الليرة اللبنانية منذ عام 2019 إلى دفع ما يقرب من 80 في المائة من السكان إلى براثن الفقر، وفقاً للأمم المتحدة، مما أدى إلى تفاقم المشاكل القديمة وخلق مشاكل جديدة. مستوى التوتر مرتفع. للرجال والنساء. ووفق منصور «الكل في البلاد متوتر».
وتضيف روحانا: «نرى الآن أن النساء أكثر اهتماما بتأمين الاحتياجات الأساسية لأطفالهن، مثل الطعام والملابس، أكثر من اهتمامهن بالعنف الذي يتعرضن له. هذه أولوية ثانية بالنسبة لهن».
ووفقاً لها، «تخشى العديد من النساء الآن رفع دعوى ضد أزواجهن لأنه ليس لديهن مكان بديل للعيش فيه. الملاجئ ممتلئة تقريبا».
ومما يثير القلق بنفس القدر تأثير الأزمة على التعليم، فقد أضرب المعلمون تماما مثلما أضرب القضاة، وعندما تفتح المدارس أبوابها، فإن بنات العائلات الفقيرة هن دائما «أول من يتم سحبهن»، يقول منصور.
كما يشهد زواج القصر ارتفاعا مجددا، حيث يتوق الآباء بشدة للحصول على مهر يتراوح بين 50 و100 دولار ويريحهم أن يتولى شخص آخر مسؤولية إطعام بناتهن، ويشير منصور إلى أن «زواج يبدأ على هذا الأساس، لا أعتقد أنه زواج صحي سيستمر بطريقة صحية».
ويلفت التقرير إلى مشكلة موازية إلى جانب هذه التحديات، وهي الافتقار إلى القيادة السياسية. لبنان لديه حكومة تصريف أعمال بسلطات محدودة، ولا رئيس، وبرلمان مجزأ.
لا أحد يتوقع القيام بأي عمل بشأن الأشياء التي يمكن أن تغير حياة المرأة إلى الأفضل، بما في ذلك إصلاح قوانين الأحوال الشخصية المثيرة للجدل - 15 قانونا دينيا منفصلا مما يعني أن حقوق المرأة فيما يتعلق بالحضانة والطلاق والزواج تختلف باختلاف طائفتها - وقانون الجنسية، مما يعني أن المرأة اللبنانية لا يمكنها منح جنسيتها لأولادها.
يقول منصور إن الأمر لا يتعلق فقط بالنوع الاجتماعي «كل شيء توقف في البلد».
بالنسبة لعائلات النساء اللاتي رحلن بالفعل، فإن الشيء الوحيد الذي يهم الآن هو العدالة، وهو شيء بعيد عن التأكيد، وفقل للتقرير.

الضحية زينة وزوجها القاتل

والدا زينة اللذان يعيشان في ألم، لديهما أمل واحد فقط: أن يمثل قاتل ابنتهما يوماً ما إلى العدالة. تقول فاطمة: «آمل أن تسلمه السلطات السويدية إلى السلطات اللبنانية وأن يواجه العدالة هنا... آمل أن أراه معلقاً على حبل. أتمنى أن يحترق قلب والدته كما يحترق قلبي». أما محمد فيضيف «لن أؤذي نملة لكني أود أن أقطعه، وآخذه إلى قبرها ليذبح مثل النعجة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.