قدّمت الصين وثيقة، أمس الجمعة، بعنوان «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية» مؤلَّفة من 12 نقطة بهدف وضع حد للنزاع في أوكرانيا تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى للاجتياح الروسي، طالبت فيها بعدم اللجوء إلى السلاح النووي بأي حال، واحترام سيادة الدول؛ بما في ذلك أوكرانيا، وعدم استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، وحثّت، في الوقت نفسه، على مراعاة المخاوف الأمنية لموسكو. وقالت فيها إنه «يجب على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس وتجنب تأجيج النيران وتفاقم التوترات ومنع الأزمة من التدهور أو حتى الخروج عن السيطرة». لكن الوثيقة قُوبلت بالشك وخيبة الأمل من جانب بعض الأطراف والخبراء، حيث إنها لم تكشف عن أي مبادرة جديدة. وأشار البعض إلى أن الصين ليست حيادية، وأنها لم تصدر إدانة لروسيا حتى اليوم.
وأعلنت موسكو، الجمعة، أنها «تقدِّر» جهود الصين لوضع حد للنزاع في أوكرانيا، مع تشديدها على ضرورة الاعتراف بضم موسكو 4 مناطق أوكرانية تطالب بها. وقالت «الخارجية» الروسية، في بيان: «نشاطر بكين اعتباراتها»، لكنها أكدت أنه على كييف «الاعتراف بالحقائق الجديدة المتصلة بالأراضي»، في حين تشمل الاقتراحات الصينية احترام «وحدة أراضي» أوكرانيا.
واعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، أن «من الضروري العمل» مع الصين سعياً إلى إيجاد حل للنزاع مع روسيا. وقال زيلينسكي، في مؤتمر صحافي، إنه في الوثيقة التي قدّمتها الصين «يبدو، بالنسبة لي، أن هناك احتراماً لوحدة أراضينا ولأمور تتصل بالأمن. علينا أن نعمل مع الصين على هذه النقطة»، مضيفاً «أعتقد أن الصين كشفت عما تفكر فيه. الصين بدأت بالحديث عن أوكرانيا، وهذا ليس أمراً سيئاً». وقال أحد كبار معاوني الرئيس الأوكراني إن أي خطة لإنهاء حرب روسيا في أوكرانيا لا بد أن تشمل انسحاب القوات الروسية إلى حدود أوكرانيا عام 1991.
أما واشنطن فردّت على الوثيقة قائلة: «كان من المفروض توقف الوثيقة عند نقطة سيادة الدول»، كما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض.
ورأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجمعة، أن الوثيقة الصينية «مثيرة للاهتمام»، غير أنها ليست خطة شاملة تؤدي إلى السلام. وقال بوريل، قبل انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي في نيويورك في ذكرى الحرب، «إنها ليست خطة سلام، إنها ورقة اقتراح... ضمّنتها الصين جميع المواقف التي جرى التعبير عنها منذ البدء». وأضاف: «لا أريد أن أرفضها... هناك عناصر مثيرة للاهتمام بشأن استخدام الأسلحة النووية وتبادل الأسرى»، لكنه أشار إلى أنها «لكي تكون خطة، يجب أن تكون عملية... خطّة السلام ليست لائحة اعتبارات، بل هي أمر يمكن تطبيقه»، وتتضمّن «كيفية تطبيقه». وأضاف: «من وجهة نظري، لكي أكون ذا مصداقية، يجب أن يذهب الصينيون أيضاً إلى كييف»، وليس فقط إلى موسكو.
ورحّب متحدث باسم الحكومة الألمانية في برلين، أمس الجمعة، بالخطة الصينية؛ وذلك باعتبارها مبادرة جديدة من الصين رغم أنها تفتقر إلى «عناصر مهمة». وقال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية فولفجانج بوشنر في برلين، إن الصين تتحمل بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي مسؤولية خاصة. وأضاف: «لذلك من الجيد أن بكين قدّمت أفكارها الخاصة»، مشيراً، في المقابل، إلى أن الخطة تفتقر إلى «عناصر مهمة» مثل انسحاب القوات الروسية. وقال بوشنر: «من المهم أن تناقش الصين الآن هذه الأفكار مباشرة مع أوكرانيا... هذه هي الطريقة الوحيدة لإيجاد حل متوازن يأخذ المصالح المشروعة لأوكرانيا في الاعتبار».
وكان كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، قد أبدوا، أمس الجمعة، ردود فعل تتسم بالريبة تجاه ورقة الموقف الصينية التي طال انتظارها بشأن الحرب. وأبدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وأمين عام حلف شمال الأطلسي «ناتو» ينس ستولتنبرغ، رداً اتسم بالحذر على الورقة الصينية. وقالت فون دير لاين، في العاصمة الإستونية تالين، إنه يجب النظر إلى الاثنتي عشرة نقطة على خلفية أن الصين منحازة بالفعل. وأضافت أن الصين وروسيا طمأنتا إحداهما الأخرى على علاقتهما الوثيقة قبيل بدء الحرب. وعلّق ستولتنبرغ قائلاً إن الصين ليست ذات مصداقية كبيرة فيما يتعلق بمثل جهود الوساطة تلك؛ حيث إنها لم تُدِن رسمياً روسيا.
ويرى الخبراء الوثيقة بشكل أكبر على أنها محاولة من جانب الصين لإصلاح صورتها المشوَّهة في العالم بسبب دعمها روسيا.
وقال الخبير في الشؤون الصينية مانوج كوالراماني، بمركز الدراسات الدولية الاستراتيجية الأمريكي، إنه لا يوجد جديد في الوثيقة، حيث إن النقاط الاثنتي عشرة جزء من المواقف الصينية المعروفة. وأضاف، كما نقلت عنه «الوكالة الألمانية»، إن الصين ترى الصراع «نتيجة لما تصفه بعقلية الحرب الباردة وهندسة أمنية أوروبية بالية». ويبدو أيضاً أن هناك القليل من الاهتمام في بكين بالضلوع في أي نوع من عمليات السلام. وأوضح: «تشير الوثيقة إلى أن بكين تفضِّل أن تتعلق محادثات السلام بهندسة أمنية أوروبية جديدة أكثر من الحرب نفسها».
المبادرة الصينية بين الترحيب والتشكيك وعدم النظر لها كخطة سلام
المبادرة الصينية بين الترحيب والتشكيك وعدم النظر لها كخطة سلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة