لماذا صمدت بلدة إرزين أمام الزلزال في هاتاي؟

رئيس البلدية أرجع السبب إلى صرامة تطبيق قوانين البناء... وخبراء تحدثوا عن عوامل أخرى

بلدة إرزين الناجية من الزلزال المدمر في هاتاي (الموقع الرسمي لبلدية إرزين)
بلدة إرزين الناجية من الزلزال المدمر في هاتاي (الموقع الرسمي لبلدية إرزين)
TT

لماذا صمدت بلدة إرزين أمام الزلزال في هاتاي؟

بلدة إرزين الناجية من الزلزال المدمر في هاتاي (الموقع الرسمي لبلدية إرزين)
بلدة إرزين الناجية من الزلزال المدمر في هاتاي (الموقع الرسمي لبلدية إرزين)

أثار التباين بين المناطق؛ تدمير بعضها بشكل كامل أو شبه كامل، وبقاء البعض صامداً، في مواجهة زلزالي 6 فبراير (شباط) الحالي المدمرين في تركيا، العديد من التساؤلات حول الأسباب وراء انهيار بعض المواقع وصمود بعضها في المنطقة الواحدة، وصولاً إلى صمود بعض المباني دون غيرها ووقوفها سليمة بين حطام واسع.
أبرز تلك الحالات التي لفتت انتباهاً واسعاً كانت في ولاية هاتاي، إحدى الولايات العشر المتضررة من الزلزال في جنوب تركيا، حيث صمدت بلدة إرزين وأصبحت ملاذاً للمتضررين من الدمار الهائل في أنطاكيا وإسكندرون، وكذلك صمد حي إيكنجي الذي توجد به مبان شاهقة وسط الدمار الذي لحق بأنطاكيا، التي لم يكد ينجو فيها مبنى واحد من الدمار أو التصدع الشديد، ولم تتضرر مباني الحي باستثناء بعض التصدعات الخفيفة في أسقف بعضها.
لم ينجُ بيت أو مسجد أو مستشفى أو مبنى حكومي بشكل كامل من الزلزال المدمر في أنطاكيا، وفقد الآلاف حياتهم تحت الأنقاض، وتم إنقاذ البعض على مدى 12 يوماً، وتشكل صدع عملاق بعمق 30 متراً وعرض نحو 200 متر قسم حقلاً للزيتون مساحته 53 فداناً كما قسم إحدى القرى إلى قريتين.
وفي إسكندرون اتخذت السلطات إجراءات، بعد ارتفاع منسوب البحر عقب زلزالي 6 فبراير اللذين بلغت قوتهما 7.8 و7.6 ووقع مركزهما في كهرمان ماراش بجنوب البلاد. وتجاوز منسوب المياه المرافق الواقعة على الساحل لتمتد إلى شوارع وأحياء البلدة، ما دفع السلطات إلى إخلاء المجمعات السكنية والبنوك ومراكز الأعمال.
وحدها أصبحت بلدة إرزين حديث العامة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في تركيا، وفجأة ظهر رئيس بلديتها، أوككيش إلماس أوغلو، كأنه بطل كشفت عنه الكارثة، بفضل الإجراءات الصارمة التي أعلن أنه طبقها في البلدة، وفرضه الالتزام بقواعد البناء بلا أي استثناءات، ولذلك لم تحدث حالة وفاة أو إصابة واحدة نتيجة الزلزال في البلدة.
وتسابقت وسائل الإعلام للوصول إلى رئيس البلدية، المحامي الشاب إلماس أوغلو، في محاولة لمعرفة أسباب الصمود، وفي مداخلة مع قناة «فوكس»، قال إنه لم يسمح بأي بناء غير قانوني في المدينة، لدرجة أنه أصدر قرار إزالة لبناء مخالف مملوك لأحد أقاربه ما جعله يواجه مشكلات مع عائلته، مضيفاً أن عدم تهاونه في شروط البناء جعل كثيراً من المواطنين يقاطعونه ويرفضون مصافحته في الشارع أو الحديث معه.
ولفت إلى أن هناك بعض المزايا الخاصة في البلدة، منها المناطق السكنية الجيولوجية. فالبلدة مليئة بالمنازل من طابق واحد، إضافة إلى عدم التساهل تجاه البناء غير القانوني، وعدم تراجعه، ولجوئه إلى النيابة العامة لتنفيذ قرارات هدم المنازل المخالفة.
ويعود تاريخ بلدة أرزين إلى مئات السنين، وكانت أول عملية بناء فيها عند سفح جبال أمانوس المحيط بالمنطقة، وتوسعت مع مرور الوقت، حيث تم تشييد مبان جديدة بعيداً عن الجبال. واليوم يبلغ عدد سكان البلدة نحو 42 ألف نسمة، وهي تبعد 55 كيلومتراً عن إسكندرون، و150 كيلومتراً عن كهرمان ماراش (مركز الزلزالين المدمرين). ولم يشعر سكانها بالزلزال بقوة، وغادروا المنازل على الفور.
كما أن عدد المباني الشاهقة في إرزين قليل، كما أن ارتفاع المباني الشاهقة لا يزيد على 6 أو 8 طوابق. في المقابل، يُعد عدد المنازل المكونة من طابق واحد مرتفعاً للغاية. ومعظم المباني في البلدة لا يزيد ارتفاعها على 4 طوابق.
ويقدر سكان البلدة الحساسية الشديدة التي تعامل بها رؤساء البلدية الحالي والسابقون مع معايير البناء. وتسلم رئيس البلدية الحالي إلماس أوغلو، منصبه قبل 4 سنوات فقط، لكن غالبية المباني في البلدة عمرها أكبر من ذلك بكثير، ومنها ما يعود إلى أكثر من 60 عاماً لكنها متينة. وقاوم رؤساء البلدية السابقون إنشاء مبانٍ بارتفاع يزيد على 4 طوابق. لكن هل يعود صمود إرزين في مواجهة زلزالين من أعتى الزلازل على مدى قرن من الزمان إلى الالتزام الصارم بقوانين البناء فقط، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
يؤكد خبراء زلازل وأساتذة جيولوجيا ومهندسون أن ذلك ليس هو السبب الوحيد، فطبيعة التربة ووجود سلسلة جبال أمانوس حول البلدة حدت أيضاً من تأثير الزلزالين المدمرين. كما أن بُعد المنطقة التي تقع بها البلدة عن خط الصدع، كلها عوامل حاسمة في عدم تضررها وليس فقط قواعد البناء.
وذهب عالم الجيولوجيا خبير الزلازل التركي ناجي غرور، إلى أنه مع الوضع في الاعتبار مسألة تمسك البلدية بقواعد البناء، وهو أمر مهم، إلا أن السمات الجيولوجية تلعب الدور الأكبر. واعتبر غرور لـ«الشرق الأوسط»، أن ما قاله رئيس البلدية صحيح، على اعتبار أن أفضل إعداد لاستقبال الزلزال هو جعل المناطق مقاومة للزلازل، كما أن للهيكل الجيولوجي والموقع التكتوني والسمات الجيولوجية تأثيراً كبيراً أيضاً لأنها توفر حماية طبيعية من الزلزال.
ولفت خبير الزلازل أوكان تويسز، إلى عدم حدوث تحرك في خطوط الصدع قرب بلدة إرزين، مشيراً إلى أنه توجد خطوط صدع على مسافة 30 إلى 40 كيلومتراً منها، لكن توجد بينها كتلة جبلية كبيرة تسمى أمانوس، مضيفاً أنه على الأرجح لم تحدث هزات كبيرة في إرزين التي تُعد أرضاً ضعيفة، حيث تقع البلدة على الطمي الذي نقلته الأنهار من الأمانوس. وأضاف أن أرزين القديمة تقع باتجاه أطراف الجبال، والمنازل هناك متبعثرة وتتكون من طابق واحد، مشيراً إلى أن العديد من البلدات في هاتاي مثل أنطاكيا وكريكهان وإسكندورن وصمان داغ تعرضت لدمار كبير بسبب ظروف الأرض السيئة، لكن المنازل الواقعة على متحدرات أنطاكيا لم تتعرض لمثل هذا الضرر، وهو ما ينطبق أيضاً على إرزين.
ولفت خبير الزلازل عضو هيئة التدريس في جامعة إسكشهير، أوزكان جودت أوزداغ، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مدناً مثل إسكندرون وأنطاكيا تعرضت للدمار وتحول جزء كبير منها إلى أنقاض لأنه تم بناؤها فوق طبقات الرمل والطمي والطين في مجرى نهر قديم، أو على أرض ساحلية ناعمة، وهذه الرواسب اللينة والمليئة بالمياه تجعل المدن والقرى معرضة بشكل أكثر لخطر التدمير بفعل الزلازل، فعندما يضرب أحدها هذه الأرض «تتحرك مثل الموجة». من جهته، أوضح مدير مركز تطبيقات وأبحاث الزلازل بجامعة أفيون كوجاتبه الدكتور تشاغلار أوزكايماك، أن بلدة إرزين بنيت أعلى من سطح البحر على أرض صلبة تتكون من صخور ورمال خشنة.


مقالات ذات صلة

زلزال بقوة 7 درجات قبالة كاليفورنيا وإلغاء تحذير من تسونامي

الولايات المتحدة​ رجل يحمي نفسه من المطر أثناء سيره على طول رصيف شاطئ هنتنغتون (أ.ب)

زلزال بقوة 7 درجات قبالة كاليفورنيا وإلغاء تحذير من تسونامي

ألغت الولايات المتحدة التحذير من خطر حدوث تسونامي، الذي أصدرته في وقت سابق الخميس في كاليفورنيا، بعدما ضرب زلزال بقوة 7 درجات.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس )
شؤون إقليمية فرق الإنقاذ التي تبحث عن ناجين وسط الركام بعد الزلزال الذي ضرب مدينة كاشمر في شمال شرقي إيران يونيو الماضي (أرشيفية - إيسنا)

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب غرب إيران

قالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إن زلزالاً بقوة 5.6 درجة ضرب غرب إيران، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا عمارات على النيل في وسط العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

هزة أرضية بقوة 4.8 درجة تضرب شمال مصر

سجلت مصر اليوم هزة أرضية بقوة 4.8 درجة على بعد 502 كيلومتر شمالي دمياط في شمال شرقي البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

هل تتنبأ الحيوانات بالكوارث الطبيعية؟ قمر اصطناعي يراقب سلوكها لتقديم إنذار مبكر

يعكف علماء على مراقبة سلوك الحيوانات باستخدام أجهزة تعقب متطورة تُثبّت على أجسادها، وترتبط بقمر اصطناعي جديد يُطلق العام المقبل

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا شخص ينظر إلى الأنقاض والحطام بعد زلزال في كهرمان مرعش بتركيا 8 فبراير 2023 (رويترز)

تركيا: زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه

أفاد التلفزيون التركي، اليوم الأحد، بوقوع زلزال بقوة 5.3 درجة قرب بحر إيجه.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.