هل اختفت الحدود الفاصلة بين الإرهاب والجريمة المنظمة في أفريقيا؟

مؤشرات على تنامي التحالف مع تبادل المصالح

مقاتلو حركة «الشباب» في استعراض بمناسبة انضمام مجندين جدد (رويترز)
مقاتلو حركة «الشباب» في استعراض بمناسبة انضمام مجندين جدد (رويترز)
TT

هل اختفت الحدود الفاصلة بين الإرهاب والجريمة المنظمة في أفريقيا؟

مقاتلو حركة «الشباب» في استعراض بمناسبة انضمام مجندين جدد (رويترز)
مقاتلو حركة «الشباب» في استعراض بمناسبة انضمام مجندين جدد (رويترز)

قد يبدو التعاون بين «منظمات إرهابية» تكتسي بـ«مظهر ديني»، وجماعات جريمة منظمة، احتمالاً بعيداً، لكن الواقع يشير إلى أن العلاقات بين الطرفين تاريخية ومتنامية للحد الذي قد يصل إلى تبادل الأدوار وتماهي الحدود التي تفصل بين جرائم الإرهاب وجرائم مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر والتهريب والسطو.
في هذا السياق، خلصت دراسة نشرها «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» الشهر الماضي، إلى أن تمدد الجماعة النيجيرية المتطرفة «بوكو حرام» في شمال الكاميرون، أدى إلى «تهيئة بيئة مواتية لشبكات الإجرام التي أعادت هيكلة تنظيم أنشطتها، وتوسعت فيها مستفيدة من نفوذ الجماعة الإرهابية». وكشفت الدراسة أن هيكل «بوكو حرام»، «تندمج فيه جماعات إجرامية ويمثل ذلك مشكلة خطيرة لبرامج مكافحة التطرف».
كما وجدت الدراسة أن ازدياد نفوذ التنظيم في المنطقة أدى إلى زيادة في الكم والنوع في أنماط الجريمة التي كانت تنتشر في شمال الكاميرون تقليدياً قبل ظهوره، حيث صارت العمليات الإجرامية التقليدية تمارس باحترافية أكبر ومشاركة من أناس من جنسيات مختلفة. وحسب الدراسة، شملت تلك الجرائم التقليدية قطع الطرق بهدف السرقة فيما يعرف بـ«اللصوصية الريفية»، والتجارة غير المشروعة التي تشمل تجارة السلاح والمخدرات وتهريب وتجارة العظام البشرية والمستحضرات الصيدلانية المقلدة. وخلصت إلى أن «تفاقم التوترات بين المجموعات العرقية وتزايد رقعتها الجغرافية وتسليحها نتيجة لنفوذ التنظيم وتعاونها مع عصابات الجريمة». ووفق تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة في يونيو (حزيران) الماضي، فإن الحروب والتوترات السياسية وتمدد الجماعات الإرهابية وفرت بيئة مواتية لإنتاج المخدرات والاتجار بها في منطقة الساحل الأفريقي.
وأشار التقرير إلى أن الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، تنشط بشكل أساسي في الاتجار في القنب وتهريبه، وأن عمليات التهريب تؤدي أحياناً إلى اشتباكات مميتة بين الجماعات المسلحة في المنطقة.
وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن إيرادات «بوكو حرام» التي يتمدد نفوذها في غرب أفريقيا وجنوب الصحراء، تقدَّر بنحو 10 ملايين دولار سنوياً، وتأتي معظم هذه الأموال من الجرائم المنظمة مثل الخطف، وتجارة السلاح والمخدرات.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال الخبير في الشؤون الأفريقية عبد الفتاح الفالحي إن «من بين العوامل التي تؤدي إلى ازدهار التعاون بين منظمات الجريمة والجماعات الإرهابية في قارة أفريقيا، المناطق الحدودية غير المراقبة في معظم الدول الأفريقية وهو ما يتيح لهم التحرك بحُرّية».
ولفت الفالحي إلى أن الجماعات الإرهابية يزداد نفوذها في معظم أجزاء القارة بسبب عجز الدول والحكومات عن التقليل من حدة النزاعات والصراعات المرتبطة بالحدود القبلية والإثنية، وهو الأمر الذي يجعل القيادات الإرهابية بديلاً لمؤسسات الدولة، حيث يمكنها توفيرها الحماية والخدمات للسكان المحليين، وهذا النفوذ يسهل عليهم التعاون مع عصابات الإجرام في سياقات التهريب وغيرها.
الوضع في شرق أفريقيا لا يختلف كثيراً؛ فقد كشفت وزارة الخزانة الأميركية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن أن حركة «الشباب» الإرهابية في الصومال، تحقق نحو 100 مليون دولار سنوياً من خلال طرق متنوعة، منها تسهيلات مالية لعمليات التجارة غير المشروعة. وكشفت منظمة الأمم المتحدة عام 2019، أن الحركة تنفق ما يزيد على 21 مليون دولار سنوياً، على مقاتليها وأسلحتها وجهازها الاستخباراتي».
ويرى موسى شيخو، المحلل المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن «عدة أنواع من الجرائم المنظمة، من بينها الاتجار بالبشر، توسعت ونشطت بسبب تطور العلاقات بين الإرهاب والجريمة المنظمة في ظل تفشي الفقر وغياب الأمن وسيطرة هذه التحالفات على الممرات الملاحية والحدودية».
وأضاف شيخو لـ«الشرق الأوسط» أن «تجارة المخدرات تمددت بسبل ذلك التعاون». وقال: «أصبح من المعتاد الحديث في دول القرن الأفريقي عن ضبط أطنان من المخدرات تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، ما يعني أن هناك جريمة منظمة تدر ملايين الدولارات».
وقال شيخو: «تلك الأنواع من الجرائم وغيرها من الجرائم المنظمة مثل القرصنة البحرية والصيد الجائر، كان المتورطون فيها أفراداً أو جهات غير رسمية، لكن الوضع تغير تماماً بعد ظهور جماعات إرهابية وازدياد نفوذها، حيث وجدت الفرصة أمامها متاحة لتوفير ميزانيات تمول بها عملياتها الإرهابية، فقررت تسهيل هذه الجرائم بقوة السلاح».
بدوره، قال الباحث الصومالي أحمد جيسود: «إن جماعة (الشباب) الإرهابية منذ نشأتها عملت على الاستفادة من غياب الدولة المركزية وهشاشة المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية في تكوين إمبراطورية مالية متعددة المصادر غير الشرعية».
ولفت جيسود في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحركة وصلت لمرحلة تمويل جماعات ومؤسسات إرهابية في مناطق أخرى من القارة». وأشار جيسود إلى تصريحات للرئيس الصومالي في يوليو (تموز) الماضي أكد فيها أن «حركة الشباب تمول الإرهابيين في غرب القارة الأفريقية»، وأضاف أن «لديه أدلة على تمويل حركة (الشباب) للجماعات الإرهابية في موزمبيق ونيجيريا».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أشخاص وكيانات عدة في جنوب أفريقيا، متهمين بالانتماء إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، فيما عده خبراء «جرس إنذار» لبريتوريا، ودليلاً جديداً على اختراق النظام المالي من قبل المنظمات الإرهابية لتمويل أنشطتهم في جنوب القارة الأفريقية.
وقال الخبير المصري في شؤون الجماعات المتطرفة أحمد سلطان إن «العلاقات بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة تاريخية، وتعتمد على تبادل المصالح»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش عملت على إباحة ذلك التعاون وإيجاد مبررات له عبر فتاوى أصدرها قادتهم».
وقال: «من بين تلك الفتاوى فتوى أصدرها عطية الله الليبي (جمال المصراتي)، أحد مسؤولي العمليات الخارجية بتنظيم القاعدة عام 2006، والتي أجازت استخدام أموال المخدرات في عملياتها». وقال سلطان إن هذه «ليست الفتوى الوحيدة التي تُبيح استخدام أموال المخدرات في العمليات الإرهابية، أو حتى إباحة بيعها».
وأضاف سلطان: «بعض الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية، خلال العقدين الماضيين، دللت على خطورة العلاقات البينية بين شبكات الجريمة المنظمة والخلايا الإرهابية... فعلى سبيل المثال، استفادت الجماعات الجهادية من علاقة بعض أفرادها بالشبكات الإجرامية في توفير التمويل والمتفجرات اللازمة للكثير من الهجمات منها، هجمات مدريد مارس (آذار) 2004، إذ قدم تجار المخدرات دعماً لوجيستياً للمجموعة التي نفذت الهجوم».
وأشار سلطان إلى أن «تنظيم داعش عمل على تجنيد رجال العصابات، وبارونات المخدرات المخضرمين في صفوفه، كما حدث مع أبي مجاهد الفرنسي، الذي كان أحد الرموز الإجرامية في ضواحي باريس، قبل أن ينضم إلى داعش».


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».