أثبت هاري كين مرة جديدة أنه ما زال واحدا من أهم مهاجمي العالم، ليس فقط بسبب الهدف الذي سجله وقاد به فريقه توتنهام لانتصار مثير على مانشستر سيتي، ولا لأنه أصبح الهداف التاريخي لناديه متفوقا بهدف واحد على النجم السابق جيمي غريفز، بل لثباته على المستوى العالي الذي يقدمه منذ 11 عاما مع الفريق ومنتخب بلاده.
المهاجم البالغ عمره 29 عاما، رفع رصيده إلى 267 هدفا في 416 مباراة خاضها مع الفريق بمختلف البطولات، لينفرد بلقب الهداف التاريخي لتوتنهام متفوقا بهدف واحد عن جريفز، الذي أحرز 266 هدفا للفريق في 379 مباراة خلال الفترة من 1961 إلى 1970، فيما سجل كين أهدافه بداية من 2010 وحتى الآن، كما كان هدف كين في مرمى سيتي هو رقم 200 له مع توتنهام في الدوري الإنجليزي الممتاز.
تحدث هاري كين عن التضحية والتفاني من أجل توتنهام، على الرغم من أن هذا النادي قد رفض رحيله إلى مانشستر سيتي بالذات ليلجأ الأخير للتعاقد مع النرويجي الشاب العملاق إيرلينغ هالاند الذي لم يسدد ولو مرة واحدة على مرمى سبيرز في لقاء الأحد.
غوارديولا يرفض الاستسلام وواثق من العودة لسباق اللقب (رويترز)
لقد كان كين هو من صنع الفارق في هذه المباراة الممتعة من خلال إحرازه للهدف الوحيد في اللقاء، وإن كان ذلك قد أصاب مانشستر سيتي بالإحباط الشديد، حيث كان يسعى لاستغلال هزيمة آرسنال أمام إيفرتون من أجل تقليص فارق النقاط على الصدارة.
خلال فترة الانتقالات الشتوية سمعنا عن الأرقام الفلكية التي دفعها نادي تشيلسي من أجل استقطاب مهاجمين ولاعبين واعدين، ووحده الأرجنتيني إنزو فرنانديز كلف خزينة النادي 120 مليون إسترليني، وهو الأمر الذي يجعل المراقبين يسألون... كم إذن تبلغ قيمة كين؟
لقد أثبت مهاجم توتنهام أنه مثال ونموذج للاعب الذي يطور نفسه باستمرار، ولا يكتفي أبدا بما وصل إليه من قبل. ولا ينكر اللاعب التطور البدني المذهل الذي حدث له تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو الذي نقله إلى مستوى آخر تماما، حيث كان كين يضغط على المنافسين ولا يتوقف عن الركض داخل الملعب مثل المجنون.
وتطور مستوى كين ليصبح مهاجماً مبدعاً ويعود كثيرا إلى الخلف من أجل الهروب من الرقابة وصناعة الفرص لزملائه في الفريق في المساحات الخالية، وربما يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أنه لا يتمتع بالسرعة الكبيرة. وحتى من هذا المنطلق، يعد كين نموذجاً رائعاً، فكم عدد اللاعبين الذين يفعلون ذلك ويعيدون اكتشاف أنفسهم بهذه الطريقة، ليس في مرة واحدة بل في مرتين. يمتلك كين ثلاث قوى خارقة في كرة القدم: قدرته على إنهاء الهجمات واستغلال أنصاف الفرص أمام المرمى، وتمريراته المتقنة، وقبل كل شيء يملك ذكاء كرويا حادا، وهي المهارات التي غالبا ما يُتهم اللاعبون الإنجليز بأنهم لا يمتلكونها أو يفشلون في تطويرها.
والآن، قد يتساءل كثيرون عما كان سيحققه مانشستر سيتي لو أصبح هاري كين هو المهاجم الأساسي للفريق بدلا من إيرلينغ هالاند؟ هناك من يرى أن الإنجليزي الدولي كان سيسجل نفس عدد الأهداف التي يسجلها هالاند مع مانشستر سيتي حاليا، حيث إن الأخير يفتقر إلى مهارات اللعب الشامل التي يمتلكها كين. من ناحية أخرى، فإن أبرز نقاط القوة لدى هالاند تتمثل في قوته البدنية الخارقة، رغم أنه لا يزال في الثانية والعشرين من عمره، وهو ما يعني أنه لم يصل بعد إلى قمة مستواه الكروي. ومع ذلك، لم يظهر النرويجي بشكل جيد أمام توتنهام، ولم يشكل خطورة تُذكر خلال اللقاء.
إذا لم يفلح توتنهام في الفوز ببطولة هذا الموسم، فلن يقلل ذلك من شأن كين الذي لم يبخل بنقطة عرق واحدة، ويستحق تماما الاحتفال الذي كرمه به زملاؤه عقب الفوز على سيتي.
ففي ملعب توتنهام الجديد جاءت لحظة ليتشارك فيها الجميع من الجماهير واللاعبين للاحتفال بقائد الفريق الذي انضم للنادي بعمر 11 عاما، وأصبح الآن هدافه التاريخي. وفي وقت ظهرت فيه على شاشة الملعب رسالة تهنئة من داني نجل غريفز، قال كين: «الأمر لا يصدق. إنه شعور ساحر أن تفعل ذلك أمام جماهيرك وتفوز بمباراة مثل هذه، أردت فعل ذلك في هذا المكان المميز وأمام هذه الجماهير الرائعة. ألعب (في توتنهام) منذ أن كنت أبلغ 11 عاما، وكان هناك مزيج من العمل الجاد والتضحية والإخلاص. أتذكر مباراتي الأولى في الدوري الممتاز، والوصول إلى 200 هدف ليس سهلا، لكن حين أتقدم في العمر وأتذكر الماضي سأكون فخورا بهذا الأمر».
وأضاف «جيمي كان واحدا من أفضل المهاجمين في تاريخ اللعبة، لذا فتخطيه كان حلما أصبح حقيقة».
ولم يكن الإيطالي أنطونيو كونتي مدرب توتنهام حاضرا لرؤية إنجاز كين، حيث يتعافى من جراحة بعد إزالة المرارة، لكن شبكة سكاي سبورتس أظهرت المهاجم الإنجليزي وهو يتحدث إليه هاتفيا بعد المباراة.
وكال الإيطالي الآخر كريستيان ستيليني المدرب المساعد المديح لكين، وقال: «كرة القدم تسري في الحمض النووي لهاري كين. إنه يفهم جميع جوانب اللعبة، وقادر على اللعب في أي مركز. إنه من بين أعظم اللاعبين في هذا الدوري وكرة القدم، كما أنه مثل أعلى للجميع».
ويتطلع كين للمزيد وقال إنه يستهدف الرقم القياسي في الدوري الممتاز المسجل باسم مهاجم نيوكاسل يونايتد وبلاكبيرن روفرز السابق آلان شيرر البالغ 260 هدفا. وأضاف «أشعر بحالة جيدة، قابلت شيرار الأسبوع الماضي، وأنا متأكد من أنه يراقبني لكني لا أعلم إذا كان سعيدا أم لا. ما زال أمامي الكثير من الأهداف لتسجيلها. هو حقق رقما قياسيا لكي يُحطم، وسنرى ما إذا كان بإمكاني التفوق عليه».
على جانب آخر ورغم التشكيلة الغريبة التي لعب بها المدير الفني لمانشستر سيتي، جوسيب غوارديولا، هذه المباراة، فإن المدرب الإسباني رفض الاستسلام بشأن قدرة فريقه على العودة للمنافسة على لقب الدوري.
وبقي مانشستر سيتي، حامل اللقب في الموسمين الماضيين، في المركز الثاني برصيد 45 نقطة، ليظل متأخرا بفارق 5 نقاط عن آرسنال (المتصدر)، الذي يمتلك مباراة مؤجلة.
وقال غوارديولا: «لدي الكثير من الامتنان للاعبين، ولا نشكك في الطريقة التي حاولنا بها القتال حتى النهاية، لقد كانت جيدة». وشدد المدرب الإسباني: «سنغلق الصفحة ونفكر في اللقاء المقبل أمام أستون فيلا... ستكون مواجهة صعبة».
واختتم: «الموسم طويل للغاية بالنسبة لنا وجميع فرق المسابقة، ولكننا سنحاول الاستمرار». وكان غاري نيفيل نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي السابق والمعلق بقناة سكاي سبورتس قد انتقد تشكيلة غوارديولا وقال: «شيء ما ليس على ما يرام في فريق سيتي هذا الموسم... لم يعد قويا». واستشهد نيفيل بأداء سيتي عندما تأخر صفر - 2 أمام توتنهام في لقاء الفريقين ذهابا بملعب (الاتحاد) الشهر الماضي، قبل أن يقلب النتيجة ويفوز 4 - 2. ولمح نيفيل إلى أن غوارديولا «أخطأ» خلال إدارته للمباراة أمام ملعب توتنهام، وأوضح: «أتذكر عندما تقدم توتنهام على سيتي في اللقاء السابق قبل بضعة أسابيع، قلت إن غوارديولا كان يعبث. لقد شعرت بالشيء نفسه في لقاء الإياب عندما رأيت وجود كل من كيفن دي بروين وروبن دياز وإيمريك لابورت على مقاعد البدلاء في بداية المباراة».
وأضاف نيفيل: «لا يمكنك أبدا أن تقلل من قيمة مانشستر سيتي. إنه أمر محرج تقريباً أن تجلس هنا أحياناً وتقول إن غوارديولا قد أخطأ، خصوصا عندما يثبت أنه على صواب عدة مرات كما فعل قبل بضعة أسابيع».
واستدرك «هناك شيء ما ليس جيداً في مانشستر سيتي. إنه شعور غريب بعض الشيء في الوقت الحالي، غوارديولا يعرف هؤلاء اللاعبين أفضل من أي شخص آخر، لكن لا يسعك إلا التفكير في كايل ووكر وروبن دياز وإيمريك لابورت وناثان أكي ورودري وإيلكاي غوندوغان وكيفين دي بروين، وهذا السباعي قادر على صنع الفارق مع تقدم ثلاثة منهم في الشق الهجومي».
وتابع: «المدرب أكثر علما لكن يوجد شعور عندما تشاهد سيتي بأن لاعبي الدفاع يفتقدون للتجانس. إنهم ليسوا أقوياء، وخط الوسط ليس جيدا كما ينبغي في ظل غياب نجم كبير بحجم دي بروين».