الرباط ومدريد تدشنان عهداً جديداً من العلاقات بتوقيع أكثر من 20 اتفاقية

أخنوش: إسبانيا امتلكت الشجاعة التاريخية في ملف الصحراء

رئيس الحكومة المغربية ونظيره الإسباني خلال افتتاح اجتماع القمة الـ12 رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في الرباط أمس (أ.ب)
رئيس الحكومة المغربية ونظيره الإسباني خلال افتتاح اجتماع القمة الـ12 رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في الرباط أمس (أ.ب)
TT

الرباط ومدريد تدشنان عهداً جديداً من العلاقات بتوقيع أكثر من 20 اتفاقية

رئيس الحكومة المغربية ونظيره الإسباني خلال افتتاح اجتماع القمة الـ12 رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في الرباط أمس (أ.ب)
رئيس الحكومة المغربية ونظيره الإسباني خلال افتتاح اجتماع القمة الـ12 رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في الرباط أمس (أ.ب)

دشنت الرباط ومدريد عهدا جديدا من العلاقات، بتوقيع أكثر من 20 اتفاقية، تشمل تسهيل الاستثمارات الإسبانية في المغرب، وعقد شراكات في ميادين التعليم والثقافة وتحلية المياه والنقل بالسكك الحديدية، والاتفاق على ضمان مرور الأشخاص والبضائع عبر الجمارك والمنافذ البرية والبحرية، كما بحث الجانبان سبل التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، والفلاحة والتعليم، والسياحة والثقافة، وغيرها من المجالات الحيوية.
وقال عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، إن المغرب وإسبانيا دخلا مرحلة جديدة؛ لأن مدريد «امتلكت الشجاعة التاريخية في ملف الصحراء المغربية»، في إشارة إلى اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي كحل لملف الصحراء المغربية، وتفهمها لأهمية الصحراء بالنسبة للمغرب.
وعبر أخنوش خلال افتتاح اجتماع القمة الـ12 رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا، الذي ترأسه رفقة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، عن ارتياح المغرب لموقف المملكة الإسبانية من القضية الوطنية الأولى، المساند للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية، المقدمة من طرف المغرب سنة 2007، واعتبار ذلك «الأساس الأكثر جدية، والأكثر واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع المفتعل». وانطلقت أمس في مدينة الرباط المغربية أشغال الدورة الثانية عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغرب - إسبانيا، برئاسة مشتركة بين رئيسي حكومة البلدين، ومشاركة وفد إسباني، وعدد من أعضاء الحكومة المغربية، وجرى التوقيع على أكثر من عشرين اتفاقية بين البلدين.
ويأتي هذا الاجتماع بعد ثماني سنوات على انعقاد آخر دورة لهذه الآلية المؤسساتية، التي انعقدت في 2015.
وقال أخنوش إن الاجتماع «يستجيب للإرادة القوية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، وملك إسبانيا فيليبي السادس، من أجل ترسيخ الشراكة الاستراتيجية الثنائية، وترجمة توجهاتها الكبرى إلى خريطة طريق واضحة المعالم، خدمة لمصالح الشعبين الصديقين». موضحا أن اللقاء «يشكل أيضا مرحلة مفصلية في تنزيل التصور الجديد للعلاقات بين البلدين».
وأضاف أخنوش موضحا أن هذه الدورة «تستقي أهميتها من الزخم، الذي تم تحقيقه على مستوى العلاقات بين البلدين»، وخصوصا في أعقاب دعوة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب يوم 20 أغسطس (آب) 2020 إلى «تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية، والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات»، مشيرا إلى أنه سيتم التوقيع على جيل جديد من الاتفاقيات، ومن مذكرات التفاهم، وخلق نموذج للتعاون بين ضفتي المتوسط، في بعديه الأورو - متوسطي والأورو - أفريقي.
ويشمل اللقاء، حسب أخنوش، محطة مهمة للغاية لاستعراض، وتقييم حصيلة التعاون في مختلف المجالات، السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية منها، وأيضا مناسبة لإرساء التصور الجديد للشراكة بين البلدين في القادم من السنوات. معتبرا أن التحديات الأمنية «باتت تفرض نفسها على دول المنطقة، مما يستوجب أكثر من أي وقت مضى تكثيف الجهود لمواجهة المخاطر، التي تحدق بأمن المنطقة، والمرتبطة بالهجرة غير الشرعية، والاتجار في البشر والمخدرات والإرهاب، والمجموعات الانفصالية والميليشيات المسلحة، وذلك اعتمادا على مقاربة شمولية تجمع بين البعدين الأمني والاجتماعي»
في سياق ذلك، نوه أخنوش بالمنتدى الاقتصادي، المنعقد في دورته الجديدة على هامش هذا الاجتماع، مشيرا إلى أنه يشكل مناسبة لتعزيز علاقات التعاون الثنائية، وتوسيعها لتشمل مجالات أخرى، كونها توفر فرصا مهمة للشراكة في قطاعات ذات أولوية للبلدين، من قبيل الطاقات المتجددة، والفلاحة والصيد البحري، والسياحة وقطاعات أخرى. مبرزا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين «تشهد تطورا نوعيا، يتطلب انخراط الفاعلين الاقتصاديين في الدينامية، التي تعرفها العلاقات الثنائية، قصد إبرام شراكات قوية وملموسة».
وأوضح أخنوش أن إسبانيا تبوأت مركز الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للمغرب، مسجلا أن البلدين «تمكنا من إرساء إطار قانوني غني ومتنوع، يواكب التطور الحاصل في كثير من المجالات، كما تمكنا من تعزيز سبل التعاون لإرساء مشاريع نموذجية تهم مجال الطاقة، من خلال تقوية الربط الكهربائي، واستثمار أنبوب الغاز المغاربي في الاتجاه المعاكس، من إسبانيا نحو المغرب، وكذلك اعتماد طاقات بديلة من قبيل الهيدروجين الأخضر». كما أبرز في هذا السياق أن القرب الجغرافي بين البلدين أسهم في حضور مهم للشركات الإسبانية بالمملكة، ووجود جالية مغربية مهمة تقيم بالديار الإسبانية، وجالية إسبانية تقيم بالمغرب، مما خلق دينامية استثنائية بين المملكتين.
من جهته، قال بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، إن الاجتماع الرفيع يفتح مرحلة جديدة في العلاقات بين إسبانيا والمغرب، ودعا إلى استكشاف فرص جديدة في هذه العلاقات، مشيرا إلى أهمية الإعلان المشترك الصادر في السابع من أبريل (نيسان) 2022، الذي رسم خريطة الطريق للتعاون بين البلدين.
وأعلن سانشيز التزام بلاده والمغرب بالاحترام المتبادل، وتجنب كل ما يسيء إلى الطرف الآخر، ودعا لتحقيق تقدم في جميع المجالات، من خلال المزيد من الحوار السياسي والأمني، والمزيد من الاستثمارات، وحرية التنقل. وقال في اختتام منتدى اقتصادي احتضنته الرباط مساء أول من أمس: «كلما كانت العلاقات بين المغرب وإسبانيا أفضل، كان ذلك أفضل لإسبانيا وللمغرب ولأوروبا، وللأعمال التجارية ولمواطني البلدين».
وتم توقيع أكثر من 20 اتفاقية لتسهيل الاستثمارات الإسبانية في المغرب، وعقد شراكات في ميادين التعليم والثقافة وتحلية المياه والنقل بالسكك الحديدية، واتفاق لضمان مرور الأشخاص والبضائع عبر الجمارك والمنافذ البرية والبحرية. كما تم التطرق خلال هذا الاجتماع إلى التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، والبنية التحتية، وتدبير المياه، والتنمية المستدامة والتغيرات المناخية، وكذا في مجال الفلاحة والتعليم، والتكوين المهني والهجرة النظامية والأمن الصحي والنقل والسياحة والثقافة.


مقالات ذات صلة

إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

الاقتصاد إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

أعلنت الحكومة الإسبانية أمس (الجمعة) فتح تحقيق في احتمال دخول شحنات من النفط الروسي إلى أراضيها عبر دول ثالثة ودعت إلى بذل جهود أوروبية مشتركة لـ«تعزيز إمكانية تتبع» واردات المحروقات. وقالت وزيرة الانتقال البيئي الإسبانية تيريزا ريبيرا في رسالة: «في مواجهة أي شكوك، من الضروري التحقق» مما إذا كانت «المنتجات المستوردة تأتي من المكان المشار إليه أو من بلد آخر وما إذا كانت هناك أي مخالفة». وأوضحت الوزيرة الإسبانية أن «هذه المخاوف» هي التي دفعت إسبانيا إلى «التحقيق» في إمكانية وصول نفط روسي إلى أراضيها، مذكرة بأن واردات المحروقات «مرفقة نظريا بوثائق تثبت مصدرها».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم إسبانيا سترسل 6 دبابات «ليوبارد» لأوكرانيا خلال أيام

إسبانيا سترسل 6 دبابات «ليوبارد» لأوكرانيا خلال أيام

قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن بلاده سترسل خلال أيام 6 دبابات من بين 10 دبابات من طراز «ليوبارد 2» لأوكرانيا كانت قد تعهدت بتقديمها، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية. وقال ألباريس لمجموعة «فونكه» الإعلامية الألمانية، في مقابلة نُشرت اليوم (السبت)، «سيتم تزويد أوكرانيا في وقت لاحق بمجموعة ثانية تتكون من أربع دبابات». وتابع «سندعم أوكرانيا طالما تحتاج للدعم...

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق حمى الضنك... ما أعراضها؟ ومتى تبدأ في الظهور؟

حمى الضنك... ما أعراضها؟ ومتى تبدأ في الظهور؟

أصدر مسؤولو الصحة في جزيرة إيبيزا الإسبانية إنذاراً بعد رصد عدة حالات من حمى الضنك. وتحدث المسؤولون في الجزيرة عن العدوى في بيان بعد الإبلاغ عن إصابة ستة سياح ألمان بين مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مما أثار مخاوف من تفشي المرض مع اقتراب الموسم السياحي، وفقاً لصحيفة «إندبندنت». وحمى الضنك هي عدوى تنتشر عن طريق البعوض.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق لم تمس الماء طيلة عام ونصف... إسبانية تعيش منعزلة تحت الأرض لـ500 يوم

لم تمس الماء طيلة عام ونصف... إسبانية تعيش منعزلة تحت الأرض لـ500 يوم

خرجت متسلقة الجبال الإسبانية والمتخصصة في استكشاف الكهوف، بياتريس فلاميني (50 عاما)، إلى النور يوم الجمعة، بعد أن أمضت طواعية 500 يوم تحت الأرض داخل كهف بعمق 70 مترا في مقاطعة غرناطة جنوبي إسبانيا، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقالت الرياضية المحترفة، وهي تضحك بصوت عال أمام كاميرات قناة «آر تي في إي» التلفزيونية الحكومية ووسائل الإعلام الأخرى «سأخبركم كيف كان الوضع هناك... ولكن إذا كنتم لا تمانعون، سأستحم، لأنني لم أمس الماء طيلة عام ونصف العام».

«الشرق الأوسط» (مدريد)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.