تشديد أمني حول السفارات الأجنبية بالقاهرة.. ووزير خارجية إيطاليا يزورها اليوم لمتابعة «تفجير القنصلية»

الخارجية المصرية لـ {الشرق الأوسط}: روما لم تطلب المشاركة في التحقيقات ونطلعهم على كل المعلومات

الأجهزة الأمنية المصرية قامت بتوفير التأمين اللازم للبعثات الأجنبية على الأراضي المصرية عقب تفجير القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة أول من أمس (أ.ب)
الأجهزة الأمنية المصرية قامت بتوفير التأمين اللازم للبعثات الأجنبية على الأراضي المصرية عقب تفجير القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة أول من أمس (أ.ب)
TT

تشديد أمني حول السفارات الأجنبية بالقاهرة.. ووزير خارجية إيطاليا يزورها اليوم لمتابعة «تفجير القنصلية»

الأجهزة الأمنية المصرية قامت بتوفير التأمين اللازم للبعثات الأجنبية على الأراضي المصرية عقب تفجير القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة أول من أمس (أ.ب)
الأجهزة الأمنية المصرية قامت بتوفير التأمين اللازم للبعثات الأجنبية على الأراضي المصرية عقب تفجير القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة أول من أمس (أ.ب)

شددت السلطات المصرية إجراءاتها الأمنية أمام السفارات والقنصليات الأجنبية في العاصمة القاهرة، وذلك في أعقاب التفجير الذي وقع أمام القنصلية الإيطالية قبل يومين. وقال السفير بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوزارة بالتنسيق مع كل الأجهزة الأمنية قامت بتوفير التأمين اللازم للبعثات الأجنبية على الأراضي المصرية». ووجه رئيس الوزراء إبراهيم محلب بإزالة كل السيارات المهملة بالشوارع لمنع استخدامها في الأعمال الإرهابية.
وتبنى تنظيم داعش في مصر التفجير الذي حطم واجهة مبنى القنصلية الإيطالية وسط القاهرة صباح أول من أمس، بواسطة سيارة مفخخة، وأسفر عن مقتل شخص وإصابة 10 آخرين.
وبينما يعتزم وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلونى زيارة القاهرة اليوم (الاثنين) لمتابعة الموقف عقب التفجير. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن «روما لم تطلب حتى الآن مشاركتها في التحقيقات بشأن الهجوم»، لكنه أشار إلى أن «بلاده تطلع المسؤولين في إيطاليا على كل المعلومات في هذا الشأن أولا بأول».
وتشهد مصر أعمال عنف وتفجيرات متزايدة منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو (تموز) 2013، لكنها تعد المرة الأولى التي تستهدف مقار لسفارات أجنبية، حيث عادة ما يوجه الهجوم ضد عناصر من الجيش والشرطة المصرية.
من جهته، وجه رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب، خلال اجتماع وزاري عقده أمس، بضرورة التزام الحسم والحزم في تطبيق القرار الخاص بمنع الانتظار بتاتًا للسيارات في منطقة وسط البلد، كما وجه بضرورة وضع خطة للتخلص الفوري من السيارات المهملة في كل الشوارع حتى لا تستخدم في أي أعمال إرهابية.
وعقد وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبد الغفار اجتماعًا مع مساعديه والقيادات الأمنية المعنية أمس لمتابعة الموقف عقب حادث تفجير القنصلية الإيطالية، وخطة الأجهزة الأمنية في كشف ظروفه وملابساته.
وقال مصدر أمني، إن الوزير وجه باستنفار كل الجهود وتشديد الإجراءات الأمنية ومراجعة خطط التأمين ومدى فاعليتها بما يتماشى مع طبيعة كل مرحلة وما يصاحبها من مستجدات، مطالبا في الوقت نفسه المواطنين بالتعاون مع أجهزة الأمن لضبط وإجهاض العمليات الإرهابية والمتورطين فيها.
كما استعرض الوزير الاستعدادات الأمنية التي اتخذتها قطاعات الوزارة المختلفة لتأمين عيد الفطر ومرافق الدولة والمنشآت الهامة والحيوية، وخطط تأمين وسائل النقل خلال إجازة العيد، مؤكدًا أنه «لا هوادة في مواجهة كل من يحاول النيل من مقدرات الوطن وتهديد أمنه».
وشدد على ضرورة تكثيف الانتشار الأمني بالميادين والشوارع الرئيسية والمقاصد السياحية والمتنزهات وأماكن تجمع المواطنين لتأمينهم، وكذا تأمين المسطح المائي لنهر النيل، ومواجهة كافة صور الخروج عن القانون بكل حزم وربط كل الخدمات الأمنية الميدانية مع غرف العمليات.
ويقوم وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلونى اليوم (الاثنين) بزيارة إلى مصر تستغرق يوما واحدا. وقال السفير عبد العاطي، إن جينتيلونى سيجري مباحثات مطولة حول العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية، كما سيعبر عن تضامنه مع موظفي السفارة والقنصلية الإيطالية في القاهرة، مشيرا إلى وجود تعاون وتنسيق دائم وكامل مع إيطاليا.
وتعد إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية الداعمة للنظام المصري، برئاسة عبد الفتاح السيسي. وقال جينتيلونى في تصريحات لصحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية، نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط (الرسمية) أمس، إن «الهجوم على القنصلية في القاهرة يرتكز على محاولة لتخويف إيطاليا، والعمل إلى جانب الحكومة المصرية في مكافحة الإرهاب، لكننا لا نسمح لأنفسنا بالخضوع لترهيب إرهابي».
وأشار إلى «تأكيد سبل التعاون الثنائي مع مصر لمكافحة الإرهاب، وخاصة أن الديناميات الأمنية الداخلية المصرية تتسم بخصوصيتها وترتبط بسياق مكافحة الإرهاب، ومصر اليوم بلد مهم من حيث تحدي الإرهاب، لذلك قد يكون أيضا التحذير بعدا دوليا».
ولفت جينتيلونى إلى «تورط تنظيم داعش في عملية الاعتداء على القنصلية الإيطالية، الذي حدث بنفس طريقة ارتكاب ضد اغتيال النائب العام المصري الأسبوع الماضي»، مشددا على أنه سيتم تعزيز التدابير الأمنية للمقار الدبلوماسية الإيطالية.
إلى ذلك، قال المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، إن 252 من «العناصر الإرهابية»، قتلوا في محافظة شمال سيناء منذ أول يوليو وحتى يوم 11 من الشهر الحالي.
وأضاف العميد محمد سمير، في بيان نشر على صفحته الرسمية على «فيسبوك» أمس، أن قوات الأمن ألقت القبض على 13 من المطلوبين أمنيا و63 مشتبها بهم، كما دمرت 18 مقرا ومنطقة تجمع خاصة بـ«العناصر الإرهابية»، و29 عربة و43 دراجة، مضيفا أنه تم ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر.
وقال إنه تم تدمير «32 عبوة ناسفة كانت معدة ومجهزة لاستهداف القوات»، و4 مخازن منها مخزن للمواد المتفجرة بمنطقة حق الحصان.
وتشن القوات المسلحة حملة على متشددين مسلحين استهدفوا قوات الأمن في شمال سيناء منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013. وشهدت سيناء أوائل الشهر الحالي اشتباكات عنيفة اندلعت بين قوات الجيش وعناصر جماعة مسلحة في مدينتي الشيخ زويد ورفح، ما أسفر عن مقتل 17 جنديا من الجيش وإصابة 13 آخرين ومقتل ما لا يقل عن 100 متشدد.



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.