بعد خروج المنتخب الألماني من دور المجموعات بكأس العالم 2022، على الرغم من الفوز على كوستاريكا بأربعة أهداف مقابل هدفين، خيم الصمت على غرفة خلع الملابس، وسط القليل من الدموع والقليل من الكلمات. ووصف لاعب المنتخب الألماني جوناس هوفمان ما حدث في غرفة خلع الملابس بعد نهاية المباراة بـ«الصمت المميت».
وقال سيرغ غنابري غاضبا: «الأمر مؤلم للغاية، ليس لدي أي كلمات أقولها»، في حين جر إيلكاي غوندوغان متعلقاته وهو يغمغم ببعض الكلمات التي تعكس الإحباط وخيبة الأمل. ووقف كاي هافرتز وهو يمسك جائزة أفضل لاعب في المباراة محبطا ومتأثرا وكأنه رجل يمسك بأوراق طلاقه!
وكان باقي اللاعبين الآخرين بكل بساطة في حالة حداد، ويتساءلون عما كان بإمكانهم فعل أكثر من ذلك. وقال جوشوا كيميتش: «لقد انضممت لصفوف المنتخب الألماني في عام 2016. قبل ذلك كانت ألمانيا تصل دائما إلى الدور نصف النهائي لكأس العالم. ثم انضممت وخرجنا مرتين من دور المجموعات، كما خرجنا المرة السابقة من دور الـ16. أنا شخصيا جزء من هذا الفشل».
مولر يواسي زميله هافيرتز بعد الخروج المونديالي (أ.ف.ب)
من المؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ستكون الأصعب على منتخب ألمانيا، في ظل حالة الحزن الشديد التي تسيطر على الجميع، لكن السؤال المهم الآن هو: ما الذي ستفعله ألمانيا خلال الفترة القادمة؟
من المفارقة أن الكثير من الأشياء قد سارت بشكل صحيح وجيد بالنسبة لمنتخب ألمانيا، فكانت إحصاءات الأهداف المتوقعة وفارق الأهداف المتوقع للفريق هي الأعلى، ليس فقط في مجموعته، ولكن في البطولة بأكملها. وباستثناء 20 دقيقة ضد اليابان، وربما 15 دقيقة ضد كوستاريكا، كان الفريق يقدم كرة قدم جيدة للغاية، في ظل تألق لافت للنجم الشاب جمال موسيالا الذي يبلغ من العمر 19 عاما. ورغم كل ذلك، كانت العبارة الأكثر ترديدا بعد نهاية المباراة هي «ضعف المستوى».
لكن المشكلة الأكبر التي واجهت ألمانيا في هذه البطولة هي الفشل في تحويل الهجمات إلى فرص، ثم الفشل في تحويل الفرص إلى أهداف، والفشل في التحكم في وتيرة وزمام المباراة عندما تسير الأمور ضده، والفشل في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من اللاعبين المميزين الموجودين تحت تصرف المدير الفني هانسي فليك. وقال كيميتش عن ذلك: «لا يتعلق الأمر بسوء الحظ فقط، لكنه يتعلق بعدم الكفاءة أيضا، فنحن نستقبل الأهداف بسهولة شديدة. فلا يتعين على المنافس أن يبذل جهدا كبيرا من أجل تسجيل أهداف سهلة في مرمانا».
وفي الوقت الحالي، هناك مدرستان فكريتان في ألمانيا بعد الخروج من كأس العالم. ترى المدرسة الأولى أن هذا الفشل هو مجرد عرض لمرض طويل الأمد في كرة القدم الألمانية، وعدم القدرة على إنتاج لاعبين بالجودة والتنوع الذي تتطلبه المنافسة على الساحة العالمية.
وأشار فليك إلى هذا الأمر عندما قال إن إسبانيا وإنجلترا تتقدمان على ألمانيا بسنوات فيما يتعلق بتطوير اللاعبين الشباب.
واتفق أوليفر بيرهوف، مدير الاتحاد الألماني لكرة القدم والذي قد يكون أول ضحية لهذه الكارثة، مع هذا الرأي، قائلا: «المشكلات التي واجهناها في كأس العالم لم نواجهها في النسخة الحالية من المونديال فقط، بل واجهناها أيضا على مدى السنوات الثلاث الماضية».
ورغم أن التشكيلة الأساسية للمنتخب الألماني جيدة ويمكن مقارنتها بأي منتخب قوي في العالم، لكن يجب طرح بعض الأسئلة في هذا الصدد: باستثناء أنطونيو روديغر، هل هناك مدافع من الطراز العالمي في الخط الخلفي لمنتخب ألمانيا؟ وهل نيكلاس فولكروغ، البالغ من العمر 29 عاما، هو الجواب حقا على هذا السؤال؟ وكيف ينتهي الأمر بمنتخب ألمانيا، رغم وجود قائمة تضم 26 لاعبا، بأن يعود كيميتش لكي يلعب في مركز الظهير الأيمن، تاركا الفريق يلعب باثنين فقط من اللاعبين في خط الوسط؟ وطرح توماس هيتسلسبرغر السؤال التالي في التلفزيون الألماني: «هل لدينا حقا العديد من اللاعبين الجيدين كما نعتقد؟ في الحقيقة، لست متأكدا من ذلك!».
أما المدرسة الفكرية الأخرى فترى أن بعض الأشياء المحددة للغاية قد حدثت بشكل خاطئ في مونديال قطر، وأن الأمر لن يتطلب سنوات طويلة لإصلاح ذلك. ولا يزال البعض يرى أن محاولة فليك لتطبيق أسلوب اللعب الذي يعتمد على الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة، بنفس الطريقة التي كان يلعب بها مع بايرن ميونيخ، سوف تفشل، خاصة وأن المدير الفني للمنتخب لا يكون لديه الوقت الكافي لإعداد لاعبيه للعب بهذه الطريقة. وقد ألمح غوندوغان إلى ذلك عندما قال إن ألمانيا «غير قادرة على اللعب كفريق واحد».
لذلك، هناك بالفعل طريقان يمكن لألمانيا أن تسير في أي منهما. سوف تستضيف ألمانيا بطولة كأس الأمم الأوروبية على أراضيها في غضون 18 شهرا من الآن، وستكون مرة أخرى أحد أقوى المرشحين للفوز باللقب، ومن المؤكد أن معظم اللاعبين الحاليين - بما في ذلك فليك نفسه - حريصون على الاستمرار. فهل سينتهي كل شيء وتكون هناك بداية جديدة بمدير فني جديد يلعب بطريقة أكثر واقعية؟ أم ستُجدد الثقة في المدير الفني واللاعبين وفي العملية التي أدت إلى الفشل في ثلاث بطولات متتالية؟ في الحقيقة، لا توجد إجابات سهلة. ومهما كان الأمر، فإن كرة القدم الألمانية على وشك الدخول في مغامرة كبرى خلال الفترة المقبلة.