عماد جبار تصالح مع ذاته... والمنفى ضاعف حنينه للوطن

الشاعر العراقي يواصل غنائيته في ديوانه الجديد

عماد جبار تصالح مع ذاته... والمنفى ضاعف حنينه للوطن
TT
20

عماد جبار تصالح مع ذاته... والمنفى ضاعف حنينه للوطن

عماد جبار تصالح مع ذاته... والمنفى ضاعف حنينه للوطن

دائماً الشعر هو الذي يقدم نفسه بنفسه، كما أن القصائد تفصح عن سحرها وسرها دون إفصاح، تمس الأشياء مسا خفيفاً، فتترك في الروح أثراً بليغاً.
وحين أتابع أبناء جيلي وهم يصدرون أعمالهم الشعرية ودواوينهم تنتابني لذة الشعر الطفولية، لأن الكتابة عنهم تعني أنني أكتب عن لحظة اشتركنا بتأثيثها كثيراً، وانطلقنا في حياة القصيدة مسرعين يداً بيد.
الشاعر عماد جبار أحد أكثر الشعراء العراقيين المخلصين لمشروعهم الشعري، بل يكاد يكون الشاعر الأكثر إخلاصاً للشعر من بين كل أبناء جيله، صداقاته سببها الشعر، سفره بسبب الشعر، صمته وصراخه بسبب الشعر، كل شيء في حياة عماد جبار وما يصادفه يحوله إلى طاقة شعرية تضخ دماء جديدة في قصيدته.
تعرفت على عماد أواسط التسعينات، حيث كنا نتردد على بعض المنتديات والمقاهي الثقافية مثل حوار وحسن العجمي، ومنتدى عبد الرزاق عبد الواحد ورابطة الرصافة، كنا غير متوافقين في تلك المدة، فهو يرانا مجموعة صلدة أنا وعدداً من الشعراء، حيث كنا نكتب القصيدة العمودية، بينما عماد كان مخلصاً للنهر الذي شقه السياب، وأخذ طريقه الوسط في تلك المدة التي انقسمت إلى قسمين، فإما أن تكتب شعراً عمودياً، أو تكتب قصيدة نثر، ويبدو هذا التطرف في تبني الأشكال الشعرية في جزء منه يقترب من الشخصية العراقية حادة المزاج، كنا فريقين، أما عماد فكان فريقاً وحده - مع عدد من الشعراء طبعاً الذين يكتبون التفعيلة - إذ يكتب قصيدة التفعيلة بانسيابية عالية ولافتة للنظر، رغم انغماسها - في تلك المدة في ضوء الرومانسيين، ولكن اشتغالها على الهاشمي واليومي في المعسكرات أو أيام الحصار والجوع فتح لها أفقاً أكثر رحابة من كآبة الرومانسيين وفجائعيتهم.
شق عماد جبار طريقه الشعري المتعب في تلك المدة أيام التسعينات. والواقع الشعري أو المنطق الشعري الذي لا منطق له يقول إن من يستطيع أن تزاحم كتفه أكتاف الشعراء العراقيين ويكون له موطئ قدم في الشعرية العراقية، فهذا يعني أن له حظاً عظيماً، ذلك أن الوسط الشعري العراقي وسطٌ وعرٌ وصعب تحديداً في تلك المدة، ومن الصعب أن تثبت أنك شاعر بوجود كل الرواد والأجيال الشعرية العراقية من الخمسينيين والستينيين وحتى جيلنا جيل التسعينات، ذلك الجيل الذي فتح عيونه على نهاية حرب وبداية حرب وحصار وقمع أمني شديد، وانعدام فرص التعليم الجيد، وانعدام فرص العمل، والحياة في اصفرارها.
في تلك المدة أصدر عماد جبار ديوانه الأول «وكانت هناك أغاني»، وهكذا كتبها عماد «أغاني»، وما زلت أتذكر كيف كتب عنه الناقد الكبير عبد الجبار داود البصري، حيث وقف عند كلمة «أغاني» وصححها له، لكن عماد بقي مصراً على حرف الياء في هذه الكلمة، كما كتب عنه عددٌ من النقاد والأصدقاءِ، وكانت الكتابة في الصحافة عن أي شاعر هي عبارة عن حدث عظيم، لأن الصحافة محدودة، حيث تصدر أربع صحف رسمية وتتوزع في كل العراق، هذا يعني أن أي حرفٍ يُكتب عن شاعرٍ سيقرؤه عددٌ كبيرٌ من العراقيين.
عماد جبار صعد نجمه منذ تلك المدة، حيث كُتبتْ دراساتٌ ومقالاتٌ عن ديوانه الأول، وبدأ يتكرس شاعراً معروفاً له أسلوبه وخصوصيته في الكتابة وفي الحضور الشعري.
شاءت الأيام أن نكون معاً أنا وعماد حيث فزنا بجائزة الصدى (المبدعون للشعر) سنة 2000 وسافرنا معاً إلى عمان ومن ثم إلى دبي، وهي أول رحلة لنا في تلك الأيام البائسة أيام الحصار والجوع، تسكعنا طويلاً وقرأنا الشعر معا وأخذنا الجائزة معاً، وحين انتهت رحلتنا عدتُ لوحدي، وبقي عماد جبار خارج أسوار البلد حالماً بمدن أخرى تضمد وحشته.
هاجر عماد جبار إلى آخر الدنيا في مدينة شبه خالية حتى من العراقيين الذين ملأوا المنافي، وبقي وحيداً يدور في شوارعها، وبدأت تجربته في المدن تأخذ منحى مختلفاً، حيث تخفف من الكثير من الأعباء التي كانت تتعلق بقصيدته، العائلة والأهل والمحلة والمعسكر والأصدقاءِ والوطن، والحبيبة، وأشياء أخرى كانت تنام أو تحبس قصيدته وتمنعه من الطيران، وكأن عماد تحول إلى شاعر آخر، رغم أن لغته بقيت هي هي، حيث لم يطرأ عليها تغييرٌ كبيرٌ، ذلك أنها ممتلئة ماءً ومتشربة دفئاً، فالذي تحول لدى عماد هو زاوية النظر للأشياء وموقفه من العالم والوجود، واقترابه من العوالم الروحانية التي تتصالح مع العالم كله، وبهذا نجد نصوصاً لعماد جبار - لولا لغته التي نشخصها - لما عرفنا أنها له أساساً، وهي مسألة مهمة تقع في صالح الشعر، ذلك أن عماد جبار حين تخفف من الكثير من الأشياء بدأ يكتب الشعر للشعر ذاته، وهي مرحلة مهمة جداً يحتاج الشاعر لسنوات طويلة لكي يخلص لقصيدته، ولا وظيفية من الشعر إلا الشعر نفسه، ذلك أن الشعر حين يكون جسراً لغايات ما فإنه يتنازل عن موقعه الأول، وبهذا نخسر الكثير من بريق الشاعر وكبريائه، عماد جبار استطاع أن ينتج نصوصاً لا غرض من ورائها إلا الشعر، فمثلاً يكتب عن مديح الشجر أو زهر الأواني أو أسئلة الغصن أو الورق الأصفر:
«أنسى غدي
أمشي طويلاً تاركاً لبرودة الأمطار
أن تجري على نظارتي
أمشي طويلاً ممسكاً بيد ابنتي
أمشي طويلاً في الطريق إلى دفاترها
إلى ألعابها
وضجيج طلاب المدارس
ممسكاً بيدٍ كقلب الطير تخفق في يدي
أنسى غدي»
إن تلك الموضوعات ربما لا تطرأ ببال عماد لو بقي في العراق، سيبقى مشدوداً طوال الوقت للحياة العراقية الصاخبة، وستأخذه الموضوعات الكبرى الوطن والناس والجوع والصراعات لتكون حقله الدلالي الذي يدور ويحرث فيه، ولكنه حقل يشبه مئات الحقول لدى الشعراء، أما تلك الزاوية الصافية التي استدل عليها عماد وعكف على كتابة بعضٍ منها فهي دليل عافية شعرية كبيرة صنعت له أفقاً شعرياً ضاجاً بالدلالات والرؤى.
هذا لا يعني أن عماد جبار تخفف تماماً من حزنه وحنينه، على العكس فقد تضاعف حنينه للوطن في نصوص عديدة، ولكن الذي طرأ على شعرية عماد جبار هو دخول موضوعات جديدة فرضتها عليه طبيعة الحياة التي عاشها، وهذا يعني أنه يؤثر ويتأثر بالمكان الذي يعيش فيه، فهو لم يغلق تجربته الشعرية على ما اكتمل بها في وطنه، بل بقي صندوقه الشعري مفتوحاً للكثير من الأسرار والتجارب واللقى، عماد جبار في نصوصه التي كتبها في المنفى متصالح مع ذاته ومع الآخرين في معظمها، وهي نادرة أن يكون الشاعر العراقي متصالحاً في قصيدته مع ذاته ومع الآخرين دون أن يجرح أحداً.
«مخطئاً أم غير مخطئ
سامحوني
ليس لي أعداء في قلبي
فقد أفرغت قلبي كله
من كل بغض صدقوني»
فرغم وضوحها ومباشرتها إلا أنها تشير بوضوح أن تجربة روحية تتشكل في قلب هذا الفتى، لا تشبه أيامه في العراق حين يتحدث عن «قدح من دمي للبعوض»، أيام كان جندياً في المعسكرات، أو أن يصف أصدقاءه الراحلين بالمسامير التي تدق في القلب وحين يغادرون (واحداً واحداً يرحلون) فإنهم يخلعون المسامير واحداً واحداً، بينما يكتب في المنفى عن الأصدقاء:
«أنت ضيفي
كلما احتجت إلى وجه صديق
أنت سقفي
كلما جاء المطر
موحشاً في آخر الدنيا
ومحموماً أفيق
... رغم أن الأرض خضراء
وخضراء
وخضراء
ولكن
تقفر الدنيا بلا وجه صديق»
الفكرة هي الفكرة نفسها، فكرة الخوف من غياب الأصدقاء، ولكن في العراق يؤطر صورتهم بالمسامير، فيما هنا اختلفت طريقة المعالجة، لأن النظر إلى العالم اختلفت زاويته لدى عماد.
بقي عماد مخلصاً لصوته الشعري، ذلك أن صوته الشعري بقي هو هو لم يتغير، وأناه الشعرية حاضرة بقوة في كل النصوص دون أن يختفي خلف قناعٍ ما أو أسطورة يلوذ بها، أو يغذي من خلالها نصوصه الشعرية، وبهذا فإن غنائيته الجارحة والماطرة في الوقت نفسه بقيت مستمرة على طوال مسيرته الشعرية، وهي كما يبدو جزء من هويته الشعرية التي لا يتنازل عنها.
هذه المجموعة (لا بد من نقص ليكتمل الوجود) تأتي متوجة لتجربة المنفى، وكيف استطاعت قصيدة عماد أن تركض حافية القدمين في شوارع الغربة، وأن تصادق الأغصان والأشجار، ذلك هو النقص الذي يبحث عنه الشعراء لكي تكتمل تجاربهم الشعرية.
هذه المجموعة الصادرة من «دار أجنحة» في السودان مؤخراً تفصح عن الكثير من شعرية عماد جبار المغايرة، وتعطي للقارئ مساحة للتعرف على عماد شاعراً ممتلئاً بالحكمة والصمت.



إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس
TT
20

إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس

تشكل منظومات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج أعمال نصيّة تهديداً خطيراً لمهنة الكتابة والإبداع الأدبي. وتلتهم التقنيات التوليدية المبنية بشكل غير قانوني كميات هائلة من النصوص المحميّة نظرياً بحقوق الطبع والنشر دون منح مؤلفيها أي تعويض أو حتى استشارتهم، وذلك لإنتاج مواد قد تتنافس مع الكتب والمقالات الصحافية، وغير ذلك من فضاءات التحليق الأدبي وتحل مكانها، مما قد يؤدي في النهاية إلى تقلص المهنة، حيث سيتمكن عدد أقل من محترفي نحت الكلمات من الحفاظ على مصدر رزقهم من ممارسة حرفتهم.

وهذه ليست مجرد معضلة للمؤلفين فحسب، بقدر ما هي مسألة ينبغي أن يعنى بها الجميع لأنها ماضية بسرعة البرق في إزهاق روح الإبداع الإنساني المتدفقة عبر أوردة الكتابات، وما لم نتمكن نحن البشر من فرض حوكمة عادلة على طرائق استخدام الذكاء الاصطناعي، فسوف نجد أنفسنا في عالم من النصوص القائمة على المزج وتكرار السابق، وسنفقد الأصوات المغايرة التي تحرّض الخطاب العام على التغيير.

في بريطانيا، وقعت الأسبوع الماضي مجموعة من أبرز الروائيين بمن فيهم ريتشارد عثمان، وكازو إيشيغورو، وكيت موس، وفال ماكديرميد على رسالة مفتوحة باسم جمعية المؤلفين البريطانيين كتبتها رئيستها التنفيذيّة، آنا جانلي، تدعو حكومة المملكة المتحدة إلى محاسبة شركة «ميتا» الأميركيّة للتكنولوجيا، مالكة «فيسبوك»، على استخدامها للكتب المحمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب منظومة الذكاء الاصطناعي التي تطورها. وطالبت الرسالة ليزا ناندي، وزيرة الدولة للثقافة والإعلام والرياضة في الحكومة البريطانية، باستدعاء كبار المديرين التنفيذيين في «ميتا» للمساءلة في البرلمان، ودعت الحكومة إلى «اتخاذ جميع الإجراءات المتاحة لضمان حماية حقوق ومصالح ومصادر عيش المؤلفين بشكل كاف»، مشيرة إلى أن تقصير السلطات سيكون له دون أدنى شك تأثير كارثي لا رجعة فيه على جميع المؤلفين والكتّاب في المملكة المتحدة.

وقالت الرسالة التي نشرت لاحقاً عبر موقع إلكتروني، ووقّع عليها إلى الآن خمسة آلاف شخص من المعنيين بالثقافة والكتب، إنّه ينبغي مطالبة المديرين التنفيذيين في «ميتا» بتقديم رد مفصّل على الادعاءات حول تعمدهم انتهاك حقوق الطبع والنشر بالجملة، وتقديم تأكيدات لا لبس فيها بأنهم سيحترمون تلك الحقوق للمؤلفين البريطانيين مستقبلاً، وسيدفعون تعويضات لهم مقابل جميع الانتهاكات السابقة. وقد تداعى نحو مائة وخمسين من أبرز الكتّاب والمؤلفين إلى التظاهر أمام المقر الرئيس لفرع شركة «ميتا» البريطاني، وحاولوا الدّخول إلى المبنى لتقديم نسخة مطبوعة من الرسالة إلى المديرين التنفيذيين، لكن رجال أمن المبنى منعوهم. ويبدو أن تعليمات مشددة تلقاها العاملون في الشركة التي تمتلك تطبيقات «فيسبوك»، و«واتساب»، و«إنستغرام» بعدم تجاذب أطراف الحديث مع المتظاهرين، والامتناع عن تسلّم أي وثائق منهم. وقال الروائي إيه جيه ويست متزعم المظاهرة للصحافيين مستنكراً: «إنهم يرفضون أن يتسلموا ورقة واحدة منا، لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر»، وأضاف أن «الشخص الذي أريد حقاً أن أسمع منه الآن ليس مارك زوكربيرغ، بل ليزا ناندي، وزيرة الثقافة المفترضة لدينا، التي وقفت مكتوفة الأيدي، بينما نشاهد أكبر اعتداء على حقوق الطبع والنشر في التاريخ البريطاني كله، وسرقة مليارات الكلمات، ولم تر أنه من المناسب أن تقول كلمة اعتراض واحدة بشأن ذلك».

وسخرت الروائيّة كيت موس التي تركت جولة لها في المملكة للاحتفاء بالذكرى العشرين لصدور روايتها «المتاهة - 2005»، وجاءت خصيصاً للمشاركة بالمظاهرة: «إنهم لا يقبلون تسلم رسالتنا، وهم يدّعون بأن تطبيقاتهم معاقل لحريّة التعبير، لكنهم ليسوا مهتمين بالاستماع إلى مظلمة الكتّاب». وقالت الروائيّة تريسي شوفاليه لصحيفة «الغارديان» البريطانيّة إن كتبها مسروقة في مكتبة افتراضيّة تضم مواد مقرصنة على الإنترنت، وإنها تعتقد بأن كبار المديرين التنفيذيين لشركة «ميتا»، بمن فيهم مؤسسها ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ، على دراية أكيدة باحتواء المكتبة على كتب مسروقة عندما سمحوا باستخدام موادها المقرصنة لتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما عدّت أنهّ «يؤثر على فرصها بالكسب، لأن الذكاء الاصطناعي سيمكنه قريباً إنتاج روايات على نسق ما أكتبه، فلا تعد بالقراء ثمة من حاجة إلى تريسي شوفاليه».

كازو إيشيغورو
كازو إيشيغورو

وكانت مجموعة من الكتّاب الأميركيين، من بينهم تانهيسي كوتيس، وأندرو شين غرير، والممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان، قد رفعوا دعوى قضائيّة في وقت سابق من هذا العام، زعموا فيها أن مارك زوكربيرغ وافق شخصياً على الاستفادة من محتويات المكتبة سيئة السمعة، التي يقدر عددها بأكثر من سبعة ملايين كتاب. ونشرت مجلة أميركيّة الشهر الماضي قاعدة بيانات يمكن البحث فيها عن العناوين التي تضمها تلك المكتبة ليكتشف كثير من المؤلفين أن أعمالهم يمكن أن تكون قد تحولت من دون إذن مسبق منهم إلى مادة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى شركة «ميتا». على أن الشركة ما زالت عند موقفها بأنها لم ترتكب أي مخالفات قانونيّة بشأن حقوق الملكيّة الفكريّة، وتؤكد على أن استخدام المعلومات المتاحة على الإنترنت في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يتوافق مع التشريعات الحاليّة التي تتيح الاستخدام العادل للمواد المتوفرة في الفضاء العام.

وقال متحدث رسمي باسمها إن الشركة ستواصل الدّفاع عن نفسها بقوة ضد الاتهامات، وحماية تطوير النماذج الأكثر تقدماً من الذكاء الاصطناعي لما فيه مصالح الجميع. وبحسب معنيين بصناعة الكتب في المملكة المتحدة، فإن لندن مترددة باتخاذ إجراءات أشد بحق شركات التكنولوجيا الأميركيّة في هذه المرحلة بالنظر إلى الأجواء الحذرة السائدة في العلاقة مع الولايات المتحدة بعد فرض الأخيرة تعريفات جمركيّة تتراوح بين 10 و25 في المائة على الصادرات إلى السوق الأميركيّة. واقترح مفاوضون بريطانيون على نظرائهم الأميركيين إيقاف ضريبة بقيمة 2 في المائة منذ 2020 تتقاضاها الخزينة العامّة من مداخيل شركات التكنولوجيا الأميركيّة الكبرى، مثل «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت» من عملياتها بالمملكة. وقرّع مسؤولون أميركيون كباراً في إدارة الرئيس دونالد ترمب الحكومة البريطانية علناً عدّة مرات لمحاولاتها فرض قيود على مواقع التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات أميركيّة، كما أنها اضطرت للتراجع تحت ضغوط من واشنطن عن تطبيق تشريع محلي على شركة «أبل» الأميركيّة يفرض عليها توفير صلاحية الدخول إلى معلومات مستعملي جوالات آيفون لأغراض أمنيّة. ومع سلبيّة الحكومة البريطانية، والتكاليف الباهظة للتقاضي مع شركات ذات ثروات طائلة، فإن معظم الكتاب البريطانيين على قناعة كبيرة بأن «ميتا» وأخواتها سيفلتون على الأرجح من العقاب، ما يدفع الكثير منهم إلى الإعلان على قبولهم مبدأ استخدام موادهم، ولكن مقابل بدل مادي.

ريتشارد عثمان
ريتشارد عثمان

لكن الشركات لا تبدو حتى الآن بوارد المبادرة بهذا الاتجاه أقلّه في مدى منظور. وتبذل بريطانيا وجهات أوروبيّة منذ بعض الوقت جهوداً لفرض حد أدنى من الحوكمة لمنع تغّول الآلة على الإبداع الإنساني، وتسعى إلى بناء توافق دولي عريض حول تشريعات وقواعد ناظمة للنزاعات بشأن حقوق المحتوى الإبداعي، لكنّها تواجه بتعنت من الجانب الرسمي الأميركي الذي يبدو حريصاً على حماية شركات التكنولوجيا الأميركيّة من كل مساءلة.

إنهم (أي المديرين التنفيذيين في ميتا) يرفضون أن يتسلموا ورقة احتجاج واحدة منا لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر



الروائي إيه جيه ويست