هل ستكون أوكرانيا سبباً في نهاية حركة السلام الغربية؟

هل ستكون أوكرانيا سبباً  في نهاية حركة السلام الغربية؟
TT

هل ستكون أوكرانيا سبباً في نهاية حركة السلام الغربية؟

هل ستكون أوكرانيا سبباً  في نهاية حركة السلام الغربية؟

أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن كثير من الأزمات على المستوى العالمي. وعلاوة على الأزمات التي تتعلق بالجوانب الإنسانية والطاقة والغذاء، هناك تداعيات للخوف من الخطر على مستوى الدول والشعوب بالنسبة للمجتمعات الغربية. وقال الدكتور عمرو صلاح، المحاضر في كلية كارتر للسلام وحل النزاعات بجامعة جورج ماسون، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، إن الخوف من الهجمات الروسية المحتملة انتشر من شرق العالم إلى غربه وزاد بعد تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية. وفي الوقت الحالي، من الممكن أن تؤدي مشاعر عدم الأمان إلى إنهاء عقود من إنجازات حركة السلام الغربية، من خلال التأثير على خيارات الجهات السياسية الرسمية الفاعلة والسياق الثقافي في المجتمعات الغربية. وتعتمد المخاوف من إمكانية انتهاء حركة السلام الغربية على 3 اتجاهات وتوقعات؛ انتهاء نزع السلاح النووي لفترة ما بعد الحرب الباردة، والإنفاق المتزايد على الأسلحة، والتحول الجذري في الرأي العام الذي يتضح في الدعم للتسليح والحفاظ على الأسلحة النووية في الغرب. فبعد عقود من انخفاض الإنفاق على الترسانات والأسلحة النووية من المتوقع أن يكون هناك تزايد في هذا الإنفاق نتيجة للتهديدات الروسية والمخاوف الشعبية من عدم الأمان.
وأضاف صلاح أنه طوال عقود كان الحد من الترسانات النووية والإنفاق على الجيوش عوامل مساهمة رئيسية لحركة السلام الغربية. على الرغم من أن هناك جدلاً في الأدبيات الأكاديمية بالنسبة لدور الحركة في إنهاء الحرب الباردة، هناك شبه إجماع على أن هناك إحساساً عميقاً بتأثيرات الحركة على المستوى الاجتماعي والثقافي الأوسع نطاقاً. وشمل ذلك تشكيل أعراف وقيم القرن الحادي والعشرين بالنسبة للسلام، وإنهاء الاحتكار الرسمي بالنسبة للقرارات الخاصة بالحرب والسلام، وتوعية جزء كبير من المواطنين الغربيين ضد الحرب والأسلحة النووية.
هذا بإلإضافة إلى غرس قيم الحركة في الأحزاب الرئيسية والمؤسسات متعددة الأطراف، ما يمثل ضغطاً على القوى العالمية للحد من ترساناتها النووية، وتشكيل قيم الأجيال الجديدة والقادة التقدميين. وكل تلك العوامل مجتمعة شكلت السياق الذي تم في إطاره توقيع وتنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (روسيا فيما بعد).
وقد اتخذ الغرب والاتحاد السوفياتي (روسيا لاحقاً) خطوات جادة نحو خفض التصعيد. وتوضح البيانات أن هناك انخفاضاً كبيراً في الإنفاق العسكري في الغرب وانخفاضاً آخر في مخزونات الترسانات النووية. ووفقاً لمعهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم (سيبري) انخفض الإنفاق العسكري كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي من 3.4 في المائة عام 1982 إلى 2.2 في المائة عام 2019. وانخفض الإنفاق العسكري في دول مثل الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة خلال نفس الفترة من 8.6 في المائة، و3.25 في المائة، و3.4 في المائة، و4.5 في المائة إلى 3.43 في المائة، و1.84 في المائة، و1.26 في المائة، و2 في المائة على التوالي. كما توضح البيانات أن مخزونات الرؤوس الحربية النووية انخفضت بشكل كبير من 375770 في عام 1986 إلى 70512 في عام 2022.
ويقول صلاح إن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) مثلت تحدياً بعد سنوات من الانحسار. واعتماداً على الأعراف السلمية لفترة ما بعد الحرب الباردة، تحدت حركة السلام الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تزعمها جورج دبليو بوش وتوني بلير. وعلى الرغم من أن الحركة لم تستطع وقف غزو العراق وأفغانستان، أثبتت تعبئة الملايين ضد الحروب أن الحركة لها أهميتها ولها أتباعها.
ورغم الاتهامات بأن هناك تسللاً فيها للماركسيين والمتشددين الإسلاميين، أثبتت هذه الحروب أن موقف الحركة كان صحيحاً. فحرب بوش ضد الإرهاب لم تؤد إلى القضاء على الإرهاب. وعلى العكس، فقد دفعت الجيش الأمريكي نحو منحدر زلق، وخلقت فوضى في العراق أسفرت في نهاية المطاف عن ظهور «تنظيم داعش» بعد 20 عاماً، وهو تنظيم أكثر وحشية من «تنظيم القاعدة»، وجعل إيران أكثر قوة من ذي قبل.
وفي الوقت الراهن، لم يؤدِ غزو روسيا لأوكرانيا إلى تركيز جديد على الدفاع والأمن فحسب، لكنه أيضاً أضعف مواقف من يدعون إلى الحد من الإنفاق العسكري والترسانات النووية. ففي المملكة المتحدة، زاد الدعم لتبديل الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية «تريندت» واللجوء إلى نظام دفاع صاروخي نووي قوي إلى 42 في المائة في أغسطس (آب) 2022 بالمقارنة بـ32 في المائة قبل أشهر قليلة من الغزو الروسي. وفي تلك الفترة، انخفض عدد من يرون أنه يتعين على المملكة المتحدة التخلي عن الأسلحة النووية من 24 في المائة إلى 16 في المائة فقط.
وفي ألمانيا، وهي دولة معروفة تقليدياً أنها ضد التسلح وإرسال الأسلحة إلى مناطق النزاعات، تغير موقف الرأي العام المحلي بعد الغزو الروسي. وقد تم اتخاذ قرار إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا في سياق بدا فيه أن كثيراً من الناخبين الألمان يؤيدون إنشاء المستشار أولاف شولتس لصندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو للمشتريات العسكرية، وتخصيص أكثر من 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الألماني للدفاع. وفي الولايات المتحدة، حيث يشعر 80 في المائة من الأمريكيين تقريباً بالقلق إزاء اندلاع حرب أوسع نطاقاً أو إمكانية استخدام روسيا للأسلحة النووية، تمت الموافقة على الميزانية العسكرية للعام المالي 2023 دون أي اعتراضات.
وفي مثل هذا السياق الحساس، تبدو حركة السلام الغربية التي قامت بالتعبئة ضد العدوان الروسي مترددة في رفع صوتها ضد الحكومات الغربية وإحياء مهمة بدأتها منذ عشرات السنين. فتلك المهمة تتطلب عملا ً ملموساً لضمان ألا يكون الرد الغربي على العدوان الروسي على حساب المواطنين المعرضين للخطر في المجتمعات الغربية، حيث ما زال كثيرون يعانون من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، ومن زيادة أسعار الطاقة مؤخراً. ويتعين على الحركة أن تقوم بتعبئة مواردها لممارسة أقصى درجات التحقق ومراقبة الميزانيات العسكرية الغربية وأن تهدف إلى إبطاء الاندفاع نحو إعادة التسلح النووي الذي سوف يؤثر على الإنفاق العام والرعاية الاجتماعية.
ويقول صلاح إن كل ذلك يتطلب صياغة واضحة وصريحة لموقف الحركة، والتأكيد على أنه رغم أن زيادة الإنفاق العسكري قد تردع روسيا والصين في المدى القصير، فإن هذا سيؤدي في المدى الطويل إلى تفاقم المتاعب الاجتماعية الاقتصادية وعدم الأمان الاجتماعي في الغرب. وهذا بدوره يمكن أن يفيد الحركات الشعبوية، ويقلص من مرونة المجتمعات الغربية داخلياً ويؤدي في
نهاية المطاف إلى تعزيز الأنظمة الروسية والصينية على المستوى العالمي بدلاً من إضعافها. ومع ذلك، لا يمكن القول إن مهمة حركة السلام بدون تحديات. وأكبر هذه التحديات هو الرأي العام الهائج حالياً والأصوات الشعبوية التي سوف تتهم الحركة بتقديم تنازلات، لكونها غير متشددة بالنسبة لقضايا الأمن القومي، وتسترضي المعتدين. وتلك التحديات تثير تساؤلاً، وهو؛ هل لدى الحركة القدرة على التغلب على انحسارها عندما يحتاج الأمر إلى التدفق؟


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أوروبا أوراق نقدية من فئة 20 و50 يورو (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أعلن الاتحاد الأوروبي تأمين 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لدعم أوكرانيا، وهي أول دفعة من الأموال المكتسبة من الأرباح على الأصول الروسية المجمدة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يدعو إلى «معاقبة» الساعين لـ«تقسيم» روسيا

شجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحققين الروس على التصدي لأي خطر يتسبب بانقسام المجتمع في روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم وزير الخارجية الصيني وانغ يي (إلى اليمين) يصافح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع وزاري على هامش الاجتماع الـ57 لوزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والاجتماعات ذات الصلة في فينتيان 25 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

بدء محادثات بين روسيا والصين على هامش اجتماع «آسيان»

التقى وزيرا خارجية روسيا والصين، الخميس، في فينتيان عاصمة لاوس، على هامش اجتماع إقليمي وغداة لقاء الوزير الصيني نظيره الأوكراني في الصين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
رياضة عالمية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

زيلينسكي: مشاركة أوكرانيا في الأولمبياد إنجاز في زمن الحرب

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأربعاء)، إن مجرد مشاركة بلاده في دورة الألعاب الأولمبية تمثل إنجازاً في زمن الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة تُظهر جانباً من وسط موسكو في روسيا 23 نوفمبر 2020 (رويترز)

«هاكرز» أوكرانيون يوقفون الخدمات المصرفية وشبكات الهواتف في روسيا مؤقتاً

تردَّد أن خبراء في الحواسب الآلية بالاستخبارات العسكرية الأوكرانية عرقلوا أنظمة البنوك والهواتف المحمولة والشركات المقدِّمة لخدمة الإنترنت بروسيا لفترة وجيزة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الأمم المتحدة: الأسوأ آتٍ بسبب أشد موجة جفاف في أفريقيا منذ قرن

الأمم المتحدة: الأسوأ آتٍ بسبب أشد موجة جفاف في أفريقيا منذ قرن
TT

الأمم المتحدة: الأسوأ آتٍ بسبب أشد موجة جفاف في أفريقيا منذ قرن

الأمم المتحدة: الأسوأ آتٍ بسبب أشد موجة جفاف في أفريقيا منذ قرن

حذّرت الأمم المتحدة من أن الجفاف القياسي الذي أتلف المحاصيل في الجنوب الأفريقي وتسبب بتجويع ملايين الأشخاص ودفع 5 دول لإعلان كارثة وطنية، دخل الآن أسوأ مراحله.

وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه يتوقع زيادة عدد الأشخاص الذين يكافحون لتأمين الطعام.

وصرحت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي بالوكالة في أفريقيا الجنوبية لولا كاسترو لوكالة الصحافة الفرنسية في جوهانسبرغ، الجمعة، أن «الفترة الأسوأ مقبلة الآن. لم يتمكن المزارعون من حصاد أي شيء والمشكلة هي أن الحصاد المقبل في أبريل (نيسان) 2025».

بعد مالاوي وناميبيا وزامبيا وزيمبابوي أصبحت ليسوتو قبل أسبوعين آخر دولة تعلن حال الكارثة الوطنية في أعقاب الجفاف المرتبط بظاهرة النينيو.

وأضافت كاسترو أن دولاً أخرى مثل أنغولا وموزمبيق قد تحذو قريباً حذوها أو تبلغ عن وجود فجوة بين الغذاء المتوفر وما يحتاجون إليه.

وأشارت إلى أن بعض التقديرات تفيد بأن الجفاف هو الأسوأ في المنطقة منذ قرن.

وقالت كاسترو، الجمعة، من مكتب برنامج الأغذية العالمي في جوهانسبرغ، إن ما لا يقل عن 27 مليون شخص تضرروا في منطقة يعتمد الكثيرون فيها على الزراعة.

وأضافت أن الجفاف أتلف 70 في المائة من المحاصيل في زامبيا و80 في المائة في زيمبابوي، ما أدى إلى تراجع كبير في الطلب وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقالت كاسترو: «الذرة جافة تماماً ورقيقة ونموها ضعيف ويسأل المزارعون عما عليهم فعله ليتمكنوا من إطعام أسرهم».

حتى لو تراجعت ظاهرة النينيو، فإن آثارها لا تزال قائمة.

أطفال من قبيلة الماساي يركضون أمام حمار وحشي قال السكان المحليون إنه نفق بسبب الجفاف (أ.ب)

وأضافت: «لا يمكننا التحدث عن مجاعة لكنّ الأشخاص عاجزون عن شراء وجبات كافية أو استهلاك عدد كافٍ من السعرات الحرارية يومياً. بدأ الأطفال يخسرون الوزن والسكان يعانون».

يشجع برنامج الأغذية العالمي المزارعين على زراعة محاصيل أكثر مقاومة للجفاف مثل الذرة الرفيعة والدخن والكسافا لمواجهة فترات الجفاف مستقبلاً.

وقالت كاسترو إن برنامج الأغذية العالمي، الذي وجه نداء للحصول على 409 ملايين دولار لتوفير الغذاء وغير ذلك من مساعدات لنحو ستة ملايين شخص في المنطقة، لم يتلقَّ حتى الآن سوى 200 مليون دولار.