كان تصرف كريستيانو رونالدو بترك الملعب قبل نهاية مباراة فريقه أمام توتنهام يمثل نهايتين مهمتين: نهاية لحب المشجعين غير المشروط للنجم الذي لم يستطع تحمل البقاء على مقاعد البدلاء، والاحتفال مع زملائه بهذا الفوز المهم على «السبيرز»، وربما نهاية لمسيرة هذا اللاعب البالغ من العمر 37 عاماً مع مانشستر يونايتد، وفقاً لرؤية المدير الفني الهولندي إريك تن هاغ الذي أطاح اللاعب البرتغالي من قائمة الفريق لمواجهة تشيلسي يوم السبت الماضي. وهناك صلة وثيقة بين النهايتين.
لقد رأى الجمهور أفضل أداء لمانشستر يونايتد في السنوات الأخيرة، ورأى اللاعب البرتغالي الذي يحصل على نحو 500 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً يشعر بالغضب الشديد؛ لأن المدير الفني فضَّل عليه سكوت ماكتوميناي وكريستيان إريكسن وأنتوني إلانغا، عند إجرائه للتغيرات. لقد شعر الجمهور وكأن رونالدو بهذا التصرف يريد أن يقول إنه أكبر من النادي!
وإضافة على ذلك، فإن قيام رونالدو –مرتين في أقل من 3 أشهر– بالرحيل عن الملعب قبل نهاية المباراة، يؤكد تضاؤل قوة وتأثير اللاعب. ففي يوليو (تموز) الماضي، وبين شوطي المباراة الودية لمانشستر يونايتد أمام رايو فايكانو، كان تن هاغ لديه الجرأة لإخراج النجم البرتغالي الذي لم يكن في كامل لياقته، بعدما غاب عن فترة الإعداد للموسم الجديد (بسبب مشكلة عائلية). وكان رد فعل رونالدو هو الرحيل عن ملعب «أولد ترافورد» قبل صافرة النهاية، في أول تحدٍّ لسلطات المدير الفني الجديد. وكانت هذه أيضاً بمثابة إشارة واضحة في بداية الصيف، على أن اللاعب يرغب في الرحيل.
رونالدو يؤدي تدريبات الإحماء قبل مباراة توتنهام (إ.ب.أ)
تن هاغ أكد أن رونالدو رفض اللعب بديلاً ضد توتنهام، وأنه الآن يتدرب بشكل منفرد بعيداً عن تشكيلة الفريق الأول. ورداً على سؤال حول رفض اللاعب البالغ عمره 37 عاماً اللعب ضد توتنهام، قال تن هاغ: «نعم (رفض اللعب)». وأضاف المدرب الهولندي: «أنا المدرب، وأنا المسؤول عن الثقافة هنا، ويتعين عليَّ وضع المعايير والقواعد، وأن أدير الدفة. لدينا قيم ومعايير في الفريق، وأنا المسؤول عن ذلك». وتابع: «سيكون هناك (وقت) للتفكير بالنسبة له، وأيضاً بالنسبة لكل شخص آخر. كرة القدم هي رياضة جماعية، وعليك الوفاء بمعايير معينة، ويتعين عليَّ العمل على تنفيذ ذلك». لكن تن هاغ أصر على أن هذه ليست نهاية رونالدو في يونايتد. وقال: «بعد مباراة فايكانو أخبرته أن (مغادرته مبكراً) لم تكن مقبولة... هذه هي المرة الثانية، ويجب أن تكون هناك عواقب. سنفتقده غداً. إنها خسارة للفريق؛ لكن هذا مهم من أجل السلوك والفكر الخاص بالمجموعة، والآن علينا أن نضع تركيزنا على المواجهات القادمة لأن هذا مهم». وأضاف المدرب: «الكلام واضح أيضاً. هو لا يزال لاعباً مهماً في الفريق».
وقبل أيام قليلة كرَّم مانشستر يونايتد رونالدو بسبب إنجازه الاستثنائي بتسجيله الهدف رقم 700 خلال مسيرته مع الأندية، مع عرض تقديمي على أرض الملعب من المدير الفني الأسطوري لـ«الشياطين الحمر» السير أليكس فيرغسون؛ لكن رونالدو أعقب ذلك بالتعبير عن استيائه (وإن كانت هذه مجرد تقارير حتى الآن) بسبب استبداله خلال المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي أمام نيوكاسل. وبعد 3 أيام، أعاد المدير الفني الهولندي ماركوس راشفورد إلى التشكيلة الأساسية للفريق على حساب رونالدو. وكان تن هاغ، البالغ من العمر 52 عاماً والذي يمتاز بالقدرة على التواصل بشكل رائع مع الآخرين والذكاء الخططي والتكتيكي والشخصية القوية، جاداً للغاية في شرح الأسباب التي دفعته للقيام بذلك؛ حيث أشار بكل بساطة إلى أن رونالدو غير قادر على القيام بـ«الضغط الجيد» على المنافس.
ونجح تن هاغ بحنكته التكتيكية في «خنق» توتنهام، وقاد مانشستر يونايتد للفوز بهدفين دون رد، من توقيع فريد وبرونو فرنانديز. لقد حدث كل ذلك من دون رونالدو الذي جاء جلوسه على مقاعد البدلاء ليؤكد تراجع الدور الذي يلعبه مع الفريق في الوقت الحالي، بعد أن شارك بديلاً فقط في المباراتين اللتين حقق فيهما مانشستر يونايتد الفوز: على ليفربول بهدفين مقابل هدف وحيد، وعلى آرسنال بثلاثة أهداف مقابل هدف. وعلاوة على ذلك، لم يشرك تن هاغ رونالدو في المباراة التي خسرها الفريق أمام مانشستر سيتي بستة أهداف مقابل ثلاثة؛ حيث اعتمد على راشفورد وجادون سانشو في التشكيلة الأساسية، ثم أشرك أنتوني مارسيال بديلاً.
من الواضح للجميع أن رونالدو يمر بمرحلة صعبة للغاية في الوقت الحالي؛ لكن ما يتعين عليه القيام به حقاً هو مواصلة القتال، وبذل أقصى جهد ممكن من أجل العودة إلى التألق. ومن المؤكد أن الحلقة التالية من مسلسل رونالدو ستكون مثيرة للاهتمام؛ لكن من الواضح أن تن هاغ يتعامل مع هذا الملف بذكاء شديد. ربما فرض المدير الفني الهولندي غرامة مالية على رونالدو بسبب ما قام به في مباراة توتنهام؛ لكن يبقى هناك سؤال جوهري يتعلق بالكيفية التي ينظر بها لاعبو الفريق إلى هذا النجم البرتغالي متقلب المزاج.
قد يؤدي هذا إلى انتهاء الاحترام -ليس للموهبة، والعمل الجاد، والبطولات والألقاب التي حصل عليها، والإنجازات الشخصية، والأهداف الـ817 التي سجلها- ولكن للشخصية التي تنظر إلى نفسها وليس للعمل الجماعي الذي يرى تن هاغ أنه أمر حيوي للغاية لتحقيق النجاح داخل النادي. ومع ذلك، يدرك تن هاغ أن رونالدو يمكن أن يكون سلاحاً قوياً للغاية -في الغالب بديلاً– لذا كان المدير الفني الهولندي هادئاً في المؤتمر الصحافي الذي أعقب مباراة توتنهام، عندما سئل عن تلك القضية وعن قيمة اللاعب ومستقبله.
من المؤكد أن هناك تحليلات مختلفة لما حدث؛ لأن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن السيناريو المثالي -بالنسبة لتن هاغ ولرونالدو نفسه– هو رحيل اللاعب عن «أولد ترافورد» في أقرب وقت ممكن، وأعني بذلك فترة الانتقالات الشتوية القادمة.
ومع ذلك، هناك عدد قليل للغاية من الأندية التي يمكنها تحمل راتب رونالدو، وهذا هو السبب الرئيسي في أنه لم يرحل في الصيف. ومن المتوقع أن تستمر هذه المشكلة خلال فترة الانتقالات الشتوية القادمة.
إن ما فعله رونالدو بالرحيل من ملعب المباراة قبل نهايتها أمام توتنهام يعزز تقييم تن هاغ بأن اللاعب بات يلعب دوراً هامشياً مع الفريق، سيتم الاعتماد عليه إذا لزم الأمر؛ لكنه لن يضمن بأي حال من الأحوال مكانه في التشكيلة الأساسية بسبب أمجاده السابقة أو سيرته الذاتية الاستثنائية.
وفي اليوم التالي لرحيله عن الملعب قبل نهاية المباراة، أصدر رونالدو بياناً على «إنستغرام» أعلن فيه أنه يتحمل المسؤولية؛ لكنه لم يعتذر عما حدث. وكتب: «إنني أحاول دائماً أن أكون مثالاً يحتذي به الشباب في جميع الفرق التي مثلتها. لكن لسوء الحظ لا يكون هذا ممكناً دائماً، وأحياناً تتغلب عليك حرارة اللحظة».