بوروندي تنتخب اليوم.. وسط أزمة سياسية متفاقمة

رئيس البرلمان يفر من البلاد.. والمعارضة تقاطع التصويت

عضو في اللجنة الوطنية للانتخابات البوروندية يحسب صناديق الاقتراع في مخزن مواد الانتخابات في حي نياكاباغا بالقرب من العاصمة بوجمبورا (رويترز)
عضو في اللجنة الوطنية للانتخابات البوروندية يحسب صناديق الاقتراع في مخزن مواد الانتخابات في حي نياكاباغا بالقرب من العاصمة بوجمبورا (رويترز)
TT

بوروندي تنتخب اليوم.. وسط أزمة سياسية متفاقمة

عضو في اللجنة الوطنية للانتخابات البوروندية يحسب صناديق الاقتراع في مخزن مواد الانتخابات في حي نياكاباغا بالقرب من العاصمة بوجمبورا (رويترز)
عضو في اللجنة الوطنية للانتخابات البوروندية يحسب صناديق الاقتراع في مخزن مواد الانتخابات في حي نياكاباغا بالقرب من العاصمة بوجمبورا (رويترز)

تشهد بوروندي اليوم إجراء الانتخابات البرلمانية وسط أزمة سياسية تتخللها أعمال عنف دامية وتوتر حاد. وفي تطور مفاجئ فر رئيس البرلمان لبوروندي بي نتافيوهانيوما من البلاد أمس، وأعلن من بلجيكا للمحطة الفرنسية «فرنسا 24» أنه «يخشى على حياته بعد أن عارض ترشح الرئيس بيير نكورونزيزا لولاية ثالثة في المنصب».
ويشهد البلاد اضطرابات منذ أبريل (نيسان) الماضي، عندما أعلن نكورونزيزا، أنه سيسعى إلى ولاية ثالثة، مما أطلق مظاهرات غاضبة، واضطرابات على مدى أسابيع. وكانت الحكومة قد أجلت الانتخابات بعد اندلاع المظاهرات في أبريل الماضي.
واعتبر معارضون أن القرار الذي اتخذه الرئيس في أبريل بالترشح للمنصب مرة أخرى غير دستوري، وأثار القرار احتجاجات اتسمت في أحيان كثيرة بالعنف وتسبب في أسوأ أزمة تعيشها البلاد منذ انتهاء حرب أهلية في 2005. ويقول نكورونزيزا إن «المحكمة الدستورية أصدرت قرارا يتيح له الترشح مرة أخرى».
وصرح نتافيوهانيوما لقناة «فرنسا 24» التلفزيونية: «اضطررت لمغادرة البلاد بسبب الاضطرابات الناجمة عن إصرار الرئيس على الترشح لولاية ثالثة وهو أمر غير قانوني وغير دستوري»، مضيفا: «لقد نصحت الرئيس بشكل شخصي بالتخلي عن خططه للترشح لولاية ثالثة لكنه رد بتهديدي.. وبإهانتي».
وغادر عشرات الآلاف من المواطنين إلى رواندا ودول أخرى مجاورة للفرار من القلاقل في بوروندي. ويقول مناهضو نكورونزيزا إن «الخطوة تنتهك الدستور في بوروندي فضلا عن اتفاقية السلام التي أنهت حربا أهلية عرقية عام 2005»، وأكدت المعارضة أنها «ستقاطع التصويت اليوم والانتخابات الرئاسية في 15 يوليو (تموز) القبل».
وقتل العشرات في الاضطرابات في حين تقدر مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون للاجئين أن نحو 127 ألف شخص هربوا إلى الدول المجاورة وسط مخاوف الكثير من اندلاع أعمال عنف تترافق مع التصويت.
وقال شاب عرف عن نفسه باسم ألكسيس لوكالة «رويترز» لأسباب أمنية، إن «الشرطة أطلقت النار على شقيقه، وهو طالب جامعي وأردته قتيلا في منطقة جابيه في بوجمبورا بينما كان عائدا إلى منزله بعد زيارة عائلته». وأضاف ألكسيس أن «رجل الشرطة الذي أطلق النار عليه كان قريبا منه. وبعدها قام الشرطي نفسه بطعن باتريك بمدية».
وأفادت وكالة «رويترز» نقلا عن شاهد عيان «انفجارات عالية دوت خلال الليل من أجزاء أخرى من المدينة ترافقت مع ما يعتقد أنه إطلاق نار»، بينما قال رجل ثان إن صديقه قتل في هجوم بقنبلة يدوية. وأضاف الرجل الذي ذكر أن اسمه إبراهيم لوكالة «رويترز»: «اتصل به شخص ليل أمس أثناء إطلاق النار وخرج ولم يعد. نحن نطلب من الحكومة أن توقف هذا الأمر».
وفشلت المحادثات بين الطرفين المتنازعين في الأسبوع الماضي في التوصل إلى اتفاقية على اقتراح لتأجيل الانتخابات إلى 30 يوليو الحالي.
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في السابق أن «الانتخابات يجب أن تؤجل بسبب البيئة الأمنية والسياسية السائدة»، كما قالت الولايات المتحدة إنها ستحجب مساعدتها الانتخابية.
وتقول المعارضة إن «ولاية جديدة لنكورونزيزا الذي انتخب في 2005 و2010، تشكل انتهاكا للدستور ولاتفاق أروشا الذي أنهى الحرب الأهلية». وقد تواجه في تلك الحرب بين 1993 و2006، الجيش الذي كانت تهيمن عليه آنذاك أقلية التوتسي، نحو 15 في المائة من السكان، ومجموعات متمردة من الهوتو نحو 85 في المائة من السكان.
وبتحديه اتفاق أروشا، يعرض الرئيس للخطر التوازن الإثني الذي كرسه الدستور على مستوى السلطة والمؤسسات وجعل بوروندي تنعم بعشر سنوات من السلام، بعد مجازر استمرت عقودا بين الهوتو والتوتسي.
واتهم مسؤولون في المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية - قوى الدفاع عن الديمقراطية، التوتسي بتأجيج الاحتجاجات. ويهيمن التوتسي على المجتمع المدني الذي يتصدر الاحتجاجات، وهم الذين يخسرون أكثر من سواهم إذا ما سقط اتفاق أروشا الذي يشكل في نظر التوتسي «تأمينا لهم على الحياة» كما يقول أحد المحللين.
ولكن الجبهة المعارضة لنكورونزيزي تتجاوز الخطوط العرقية. فالمعارضة تضم أحزابا من الهوتو والتوتسي، وأبرز قادتها اغاتون رواسا هو الزعيم التاريخي لقوى التحرير الوطنية، أقدم حركة تمرد للهوتو.
ويواجه رئيس الدولة احتجاجات حتى في صفوف المجلس الوطني للديمقراطية - قوى الدفاع عن الديمقراطية، الذي هرب بعض مسؤوليه المحتجين إلى خارج البلاد. أما بالنسبة إلى قائد الانقلاب العسكري الفاشل في 13 و14 مايو (أيار)، الجنرال الهوتو غودفروا نيومبار، فكان واحدا من رفاقه في حركة التمرد التي كان يشكلها المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية - قوى الدفاع عن الديمقراطية خلال الحرب الأهلية.
ولكن المراقبين يتخوفون مع اقتراب الانتخابات من استخدام الخصومات السابقة بين الهوتو والتوتسي التي لا تزال ماثلة في الأذهان.
ومن جهة أخرى ترى المعارضة والمجتمع المدني أن الشروط الضرورية لإجراء انتخابات نزيهة لم تتوافر.
وهما يطالبان بنزع سلاح شبيبة الحزب الحاكم، تقول الأمم المتحدة إنها «ميليشيا»، وبضمانات حول سلامة وإعادة فتح الإذاعات الخاصة الممنوعة من البث منذ الانقلاب الفاشل. وينتقدان أيضا لجنة انتخابية يهيمن عليها الحكم منذ هرب اثنين من أعضائها الخمسة. وتعتبر المجموعة الدولية أيضا أن الأجواء لا تتيح إجراء انتخابات نزيهة وتطالب بتأجيلها، وهذا ما ترفضه بوجمبورا بحجة التقيد بالمهل الدستورية.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.