الأزمات تحاصر مجدداً ترشيح فيلم مصري لـ«الأوسكار»

انسحاب مخرج «2 طلعت حرب» اعتراضاً على قرارات لجنة الاختيار

الفنان الراحل سمير صبري في لقطة من فيلم «2 طلعت حرب»... ومحمود قابيل في لقطة أخرى من العمل
الفنان الراحل سمير صبري في لقطة من فيلم «2 طلعت حرب»... ومحمود قابيل في لقطة أخرى من العمل
TT

الأزمات تحاصر مجدداً ترشيح فيلم مصري لـ«الأوسكار»

الفنان الراحل سمير صبري في لقطة من فيلم «2 طلعت حرب»... ومحمود قابيل في لقطة أخرى من العمل
الفنان الراحل سمير صبري في لقطة من فيلم «2 طلعت حرب»... ومحمود قابيل في لقطة أخرى من العمل

قبل ساعات من اجتماع اللجنة المشكلة لاختيار الفيلم المصري المرشح لتمثيل مصر في منافسات المشاركة في مهرجان أكاديمية «الأوسكار»، فجّر المخرج مجدي أحمد علي مفاجأة بسحب فيلمه «2 طلعت حرب» الذي اختير ضمن القائمة القصيرة، اعتراضاً على ضم فيلم آخر للقائمة، ما اعتبره «تحايلاً على العرض الجماهيري» حسبما قال.
ونشر على صفحته بـ«فيسبوك» نصّ الخطاب الذي أرسله لنقيب المهن السينمائية مسعد فودة، جاء فيه: «لما كنت قد أبديت اعتراضي سابقاً على مبدأ التحايل على الشرط الجماهيري، وبالصدفة لصالح منتج بعينه، بإقرار تجاوز هذا الشرط إذا قدم المنتج خطاباً يفيد أنه سوف يعرض فيلمه قبل الموعد النهائي، الذي حددته ضوابط الأوسكار (وربما في دار سينما مهجورة بالأقاليم)، في تحايل فج على فكرة العرض الجماهيري نفسها، وقد علمت اليوم أن فيلماً خامساً قد أضيف للقائمة القصيرة مستخدماً ذات التحايل، وبالصدفة من ذات المنتج، فقد قررت سحب فيلمي من التصويت من قبل اللجنة الموقرة ومخاطبة لجنة الأوسكار لإحاطتها بهذه التجاوزات».
وكانت لجنة اختيار الفيلم المصري المرشح للأوسكار التي تضم سينمائيين ونقاداً، بإشراف «نقابة المهن السينمائية»، عقدت أول اجتماع لها يوم الأحد الماضي، وصوّتت على اختيار قائمة قصيرة (من بين 20 فيلماً عُرضت خلال عام 2022)، وضمّت القائمة 4 أفلام، هي بالترتيب «كيرة والجن»، «2 طلعت حرب»، «الجريمة» «قمر 14»، ثم أضيف لها بموافقة أعضاء اللجنة فيلم «19 ب».
وأوضح المخرج مجدي أحمد علي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «القائمة القصيرة كانت تضم 4 أفلام للاختيار من بينها، وفجأة أضافوا لها فيلماً خامساً (لم يعرض جماهيرياً بعد)، لكن منتجه قدّم خطاباً لنقيب السينمائيين يفيد بعرضه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وبناء عليه تقرر ضمه للقائمة وإقامة عرض للأعضاء لمشاهدته والتصويت عليه، ولذا سحبت فيلمي، لأن ذلك يعد التفافاً على فكرة العرض الجماهيري نفسها، الذي يجب أن يكون عرضاً حقيقياً، وليس مجرد حفل أو اثنين يشاهده بضعة أفراد، وهذا الأمر سبق أن تكرر مع المنتج نفسه مراراً من خلال فيلم (يوم الدين) عام 2018، والعام الماضي في فيلم (سعاد)».
وأبدى علي اعتراضه على طريقة تشكيل لجنة الاختيار التي تقوم بها نقابة المهن السينمائية، وقال: «أنا ضد هذا الشكل، ولا بد أن نتبع مسابقة الأوسكار في طريقة التصويت واختيار الأعضاء، وأن يقتصر دور النقابة على مخاطبة الكيانات الفنية مثل معهد السينما والمراكز السينمائية ومؤسسات المجتمع المدني، لترشيح أعضاء اللجنة الذين يجب أن يقوموا بالتصويت ويرسلوا تصويتهم، بعيداً عن هذه الجلسات التي تعقدها النقابة لمناقشات لا مجال لها، ودون أن تستأثر باختيار أعضاء عددهم 35 لم يحضر منهم في أول جلسة سوي 19 فقط، هم الذين سيقومون بالتصويت لاختيار الفيلم المرشح».
وعلّق المخرج علي بدرخان على موقف مجدي أحمد علي عبر «فيسبوك» متسائلاً: «أوسكار إيه يا جماعة؟ أنتم هاريين (تاعبين) نفسكم على الفاضي، مش فاهم يعني اللي هيترشح للأوسكار هيبقى أترشح للجنة، أنا مش فاهم بنقلل من نفسنا كده ليه؟».
فيما رأت الناقدة ماجدة خير الله أحد أعضاء اللجنة أن قرار المخرج مجدي أحمد «ينطوي على تسرع، بدليل أن الأفلام الأخرى التي ضمتها القائمة القصيرة لم تقدم على هذه الخطوة»، موضحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «طالما أن الجميع ارتضى أن لجنة ستختار أحد الأفلام التي تنطبق عليها شروط الأوسكار، فلا بد أن يتركوا لها هذه المهمة، وبالنسبة لفيلم المخرج أحمد عبد الله الذي تقرر إضافته للقائمة، وبرغم عدم تمكني من حضور الاجتماع الأول، فإن ضمه للقائمة لا يعد التفاتاً على شرط العرض الجماهيري، بل هو معمول به في كافة الدول التي ترشح أفلامها للمشاركة في منافسات الأوسكار؛ حيث يقام عرض (محدود) لبعض الأفلام التي قد يكون تاريخ عرضها بعد 31 ديسمبر (كانون الأول)، لذا تقيم عرضاً محدوداً للفيلم في بلادها لمدة أسبوع أو أكثر لتحقق الشروط التي تحددها أكاديمية فنون وعلوم الصورة بالولايات المتحدة، وأري أن المخرج مجدي أحمد علي تسرع في قرار سحب فيلمه، من حقه أن يحارب من أجل عمله، لكن لا يسبب أزمة، كما أن فيلم (2 طلعت حرب) جاء الثاني في ترتيب القائمة القصيرة بعد ( كيرة والجن)، وبالتالي ففرصة ترشحه أقل».
وعبّرت خير الله عن شعورها بعدم دقة قائمة الأفلام التي ضمّت 20 فيلماً للاختيار، من بينها الفيلم المرشح لتمثيل مصر في الأوسكار؛ حيث خلت من بعض أفلام مثل «ريش»، و«أبو صدام»، كما رأت في قرار نقيب المهن السينمائية استبعاد من لم يتمكنوا من حضور الجلسة الأولي «تعسفاً» لأن أصواتهم «كانت ستساهم في ترجيح كفة فيلم على آخر».
يذكر أن قرار لجنة اختيار الفيلم المصري المرشح للأوسكار عادة ما تواجه بأزمات، وكان العام الماضي قد شهد أزمة مماثلة مع فيلم «سعاد» للمخرجة أيتن أمين حيث اختارته اللجنة بناءً على أنه سيقام عرضه الجماهيري في شهر ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، غير أن مشكلة تفجرت بين صنّاعه تسببت في عدم عرضه نهائياً واستبعاده من الاشتراك لعدم تحقيقه شرط العرض الجماهيري.


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».