حوارات استراتيجية بين الولايات المتحدة والصين في واشنطن

تتناول موضوعات خلافية على رأسها القرصنة المعلوماتية والنزاعات الحدودية

حوارات استراتيجية بين الولايات المتحدة والصين في واشنطن
TT

حوارات استراتيجية بين الولايات المتحدة والصين في واشنطن

حوارات استراتيجية بين الولايات المتحدة والصين في واشنطن

تستضيف واشنطن الاسبوع المقبل جلسة جديدة من "الحوار الاستراتيجي والاقتصادي" السنوي مع الصين، في لقاء بين اول قوتين عالميتين يتناول الموضوعات الخلافية مثل القرصنة المعلوماتية او النزاعات الحدودية في بحر الصين.
وسيستقبل وزيرا الخارجية جون كيري والخزانة جاكوب لو، الاثنين على العشاء مستشار الدولة الصيني يانغ جيشي الذي يمسك بملف السياسة الخارجية الصينية ونائب رئيس الوزراء وانغ يانغ، قبل ان يعقد المسؤولون الاربعة يومين من المحادثات في وزارتي الخارجية والخزانة بواشنطن.
وهي النسخة السابعة لهذا اللقاء السنوي الذي تنظمه الولايات المتحدة والصين بالتناوب.
لكن وزارتي الخارجية كانتا غامضتين حول فحوى المحادثات. فقد تحدثت الخارجية الاميركية عن "التحديات والفرص التي يواجهها البلدان بشأن مروحة واسعة من الموضوعات الثنائية، الاقليمية والعالمية، تتعلق بمصالح اقتصادية واستراتيجية قصيرة وطويلة الامد". واكدت الدبلوماسية الصينية من جهتها "ان الجانبين سيتبادلان وجهات النظر في العمق حول العلاقات بين الصين والولايات المتحدة وكذلك حول موضوعات مهمة اخرى ذات اهتمام مشترك".
وأوضح مساعد وزير الخارجية الاميركي المكلف شؤون آسيا الشرقية دانييل راسل امام الصحافيين، ان العملاقين "يسعيان الى تسوية مشكلات وكذلك ادارة مشكلات اخرى تبدو غير قابلة للحل".
وقال الدبلوماسي الاميركي "ان هذه الخلافات لن نخفيها ولن نتجاهلها. سنتباحث بشأنها ونحاول تسويتها مباشرة. وفي الواقع فان الخلافات كثيرة، وفي مقدمها مطامع بكين الجغرافية في بحر الصين الجنوبي، حيث تتنازع السيادة على اراض مع دول في جنوب شرق آسيا مدعومة من الولايات المتحدة. وهذه المنطقة البحرية تعد استراتيجية للتجارة العالمية وتحتوي على الارجح كميات كبيرة من النفط والغاز".
واكد راسل ان لدى حكومته والصين "خلافات كبيرة جدا" بخصوص هذه "النزاعات البحرية" وخاصة إقدام بكين على بناء جزر اصطناعية في مناطق متنازع عليها. لكن عندما سئل عن خطر نشوب نزاع مسلح، أكد مجددا "تصميم الولايات المتحدة الراسخ على تجنب أي مواجهة عسكرية بما في ذلك مع الصين".
وعبرت الصحافة الرسمية الصينية من جهتها عن لهجة مطمئنة. فكتبت تشاينا دايلي "بعد اشهر من المواجهة الدبلوماسية على بحر الصين الجنوبي يبدو ان العلاقات الصينية - الاميركية استعادت المزيد من الهدوء".
اضافة الى ذلك يشغل موضوع القرصنة المعلوماتية حيزا كبيرا على جدول الموضوعات الخلافية التي ستكون مدار بحث.
فبالنسبة للهجوم المعلوماتي على معطيات أربعة ملايين موظف اميركي، وجهت اصابع الاتهام الى قراصنة صينيين. وفي مايو (ايار) 2014 اتهم خمسة عسكريين صينيين في الولايات المتحدة بـ"القرصنة المعلوماتية" و"التجسس الاقتصادي"، ما أدى الى تعليق مجموعة عمل صينية - أميركية حول الموضوع.
واوضح مسؤول في وزارة الخزانة الاميركية "ان الفضاء المعلوماتي يعتبر تراثا مهما مشتركا" للبلدين ووعد باجراء حوار "نشط بشأن هذه المشاكل" مع الطرف الصيني.
ويتوقع ان يتناول الحوار ايضا اليوان الذي تعتبر واشنطن ان سعره منخفض اصطناعيا دون قيمته الحقيقية، ما يزيد العجز في الميزان التجاري لصالح الصين، بحيث بلغ بالنسبة للسلع وحدها في 2014 رقما قياسيا زاد على 342 مليار دولار.
ورأى مسؤول في الخزانة انه "في عالم تملك فيه الصين فائضا كبيرا من الحسابات الجارية (...) هناك هامش كبير لرفع سعر صرف" العملة الصينية.
اما بالنسبة لبنك الاستثمارات الجديد في البنى التحتية الذي أنشئ بمبادرة الصين، فان واشنطن ترى فيه مؤسسة مالية "قوية وبناءة".
لكن الولايات المتحدة ما زالت بعيدة عن اتخاذ قرار في الانضمام اليه يوما.
إلا ان كل هذه الخلافات المتعددة بين هاتين الدولتين المتنافستين -بمعزل عن ملف حقوق الانسان الشائك للغاية- لا يمنع نقاط الالتقاء؛ ففي ما يتعلق بالمناخ لفت راسل الى ان الولايات المتحدة والصين تطمحان في ضوء اتفاق معلن في نوفمبر (تشرين الثاني) الى رسم "الطريق امام المجتمع الدولي في مؤتمر باريس" أواخر العام 2015. كما تسعى واشنطن وبكين مع الدول الكبرى الاخرى لايجاد تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».