«فاغنر» تعزز حضور روسيا في أفريقيا... وفرنسا ترد بهجوم مضاد

متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
TT

«فاغنر» تعزز حضور روسيا في أفريقيا... وفرنسا ترد بهجوم مضاد

متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)

ازداد النفوذ الروسي في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة على حساب النفوذ الفرنسي، مستفيداً من نشاط بارز لمجموعة «فاغنر» الروسية والجيوش الإلكترونية الروسية، والأموال التي تدفعها روسيا في القارة السمراء لكسب التأييد، وفيما لم تتخذ فرنسا، ولمدة طويلة، خطوات أمام تقدم موسكو في أفريقيا، قررت السلطات الفرنسية التصدي والتحضير لهجوم مضاد، وفق تقرير لمجلة «أفريقيا الشابة» Jeune Afrique.
* يقظة أثارتها «فاغنر»
يشير التقرير إلى أن القادة السياسيين والعسكريين الفرنسيين باتوا الآن مستعدين للرد بشكل منهجي على أي هجوم روسي جديد من نوع إشاعة الأخبار الكاذبة عن أعمال الجيش الفرنسي في أفريقيا «كاتهام فرنسا زوراً بالقيام بمجازر بحق السكان المحليين عبر فبركة فيديو في هذا الخصوص استطاعت الأجهزة الفرنسية أن تكشف أنه مزور».
ويقول ضابط كبير في الجيش الفرنسي إن القوات الفرنسية عززت يقظتها؛ «إذ إن قدرة (فاغنر) على إثارة المشاعر المعادية للفرنسيين في أفريقيا، وتعبئة الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد فرنسا، هائلة».
ووفق التقرير، بدأ مرتزقة «فاغنر» عملهم في جمهورية أفريقيا الوسطى في نهاية عام 2017، دون أن تقلق باريس في بداية الأمر، ثم وصلت «فاغنر» إلى مالي في نهاية عام 2021، مما دفع بجنود عملية «برخان (العملية الفرنسية في منطقة الساحل للتصدي للجماعات الإرهابية)» إلى حزم أمتعتهم.
وقد تبدد الهدوء في باريس الذي ظهر في وجه التوسع الروسي، فبات الدبلوماسيون والجنود الفرنسيون يتعاملون مع التهديد بجدية بالغة لدرجة أنهم لم يعودوا يخفون قلقهم من امتداد عمل «فاغنر» إلى بلدان أخرى ناطقة بالفرنسية، مثل بوركينا فاسو والكاميرون أو حتى السنغال؛ بحسب التقرير.
* روسيا تعمل على كسب الرأي العام
وكانت الاستراتيجية الروسية، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى مالي، هي نفسها، بمبدأ رئيسي واحد: كسب معركة الرأي العام من خلال إثارة المشاعر المعادية للفرنسيين، واللعب على وتر مناهضة الاستعمار.
ويرى التقرير أن النشاط الروسي «ليس السبب الوحيد لتراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا؛ إذ تركت مرحلة الاستعمار الفرنسي، وما تخللتها من عمليات عسكرية مثيرة للجدل، إضافة إلى نشاط العملاء السريين (الفرنسيين)، آثارها بخلق شعور راسخ جيداً برفض فرنسا في القارة، حيث أصبح الخطاب الرسمي لباريس مسموعاً بشكل أقل».
وأفاد التقرير بأن في لعبة الشطرنج هذه، أظهر الاستراتيجيون الروس مدى جودة آلة الدعاية الخاصة بهم، فتلعب قناة تلفزيون «روسيا اليوم (RT) » وموقع «سبوتنيك»، اللذان تمولهما الدولة الروسية، دوراً مهماً في الدعاية لروسيا من خلال تغطيتهما الإعلامية شديدة التوجيه، «فيتم تقديم جزء من أعمال هاتين الوسيلتين الاعلاميتين مجاناً لوسائل الإعلام الأفريقية، التي بدورها تعيد إنتاج موضوعاتهما أو أفلامهما الوثائقية كما هي، وهكذا تعمل (روسيا اليوم) على افتتاح غرفة تحرير أفريقية في نيروبي، وبدأت في التوظيف، بينما أطلق (سبوتنيك) نسخته الأفريقية، مع الطموح المعلن لتغطية أخبار القارة السمراء».
ويرى التقرير أن الفضل الأكبر لتنامي نفوذ روسيا في أفريقيا هو الدور الذي تلعبه مجموعة «فاغنر»؛ إذ «يشكل هذا العدد الضخم من المجموعات التي يرأسها يفغيني بريغوجين، الأوليغارشي المقرب من فلاديمير بوتين، ذراعاً مسلحة للكرملين في الخارج، على الرغم من أن بوتين ينفي رسمياً أي صلة له بهذه المجموعة».
وعلى المستوى المحلي، لا يتردد استراتيجيو «فاغنر» في تمويل وسائل الإعلام، مثل إذاعة «لينغو سونغو Lengo Songo » في جمهورية أفريقيا الوسطى، أو دفع أموال للصحافيين مباشرة، 10 آلاف فرنك أفريقي (نحو 15 دولاراً أميركياً) لكل مقال في وسائل الإعلام المطبوعة بوسط أفريقيا، وكذلك رعاية مسابقة ملكة جمال جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2018، أو طباعة الكتب المدرسية.
وكذلك تستخدم مجموعة «فاغنر» «وكلاء محليين» لنشر الخطاب المؤيد لروسيا والمناهض لفرنسا، من شخصيات المجتمع المدني وحركات، يتقاضون رواتب مقابل الترويج للدعاية الروسية، «ويعدّ أداما بن ديارا، نائب المجلس الوطني الانتقالي في مالي (CNT)، أحد أكثر الأمثلة رمزية».
ويعترف مصدر في «الإليزيه» بالوجود الروسي في مالي: «لطالما قللنا من شأن الهجوم الروسي في أفريقيا، عندما تكون في الواقع ساحة المعركة نفسها، وفقاً لمنطق الكرملين، فإن مالي لا تقل أهمية عن أوكرانيا»، مشيراً الى جهود «فاغنر» العسكرية في مالي.
إضافة إلى ذلك، ينسج الروس علاقات مع «مؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفرنسي - البنيني كيمي سيبا، والسويسرية -الكاميرونية ناتالي يامب، وفي حين أن كيمي سيبا يحرص على عدم دعم موسكو كثيراً في العلن، فإن ناتالي يامب، تنشر فيديوهات بشكل منتظم من منزلها في سويسرا تهاجم فيه عملية «برخان»، مطلقة عليها تسمية «حثالة برخان»، في حين تنشط آلاف الحسابات الوهمية الروسية على صفحات هؤلاء «المؤثرين» (الموالين لموسكو) لإعادة نشر محتوياتهم على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
* الخطة الفرنسية المضادة
يعترف ديبلوماسي فرنسي بأن المسؤولين الفرنسيين أضاعوا كثيراً من الوقت قبل التصدي للتقدم الروسي بأفريقيا، قائلاً: «لم نر هذا التهديد (الروسي) قادماً، يستغل الروس الآن أخطاءنا وافتقارنا إلى الاستراتيجية».
ويشرح عسكري في وزارة الجيوش الفرنسية: «ليس لدينا خيار: يجب أن نستجيب (للتحدي الروسي). يمكننا الاستمرار في تجاهل الأمر، لكن هذا لن يوقف الروس. عليك أن تفهم أن هذه الحرب الهجين ليست بالضرورة قذرة».
ويزيد عسكري آخر: «تغير الزمن، في بعض الأحيان يكون لفريق (صور جيد)؛ (بمعنى فريق إعلامي على مواقع التواصل) تأثير أكبر من 3 فرق للمشاة».
وفي إطار تصدي فرنسا للتقدم الروسي بأفريقيا، أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، بإنشاء «فرقة عمل» من عدد قليل من الأشخاص بتكتم، في وزارة الخارجية الفرنسية لمتابعة هذه الملفات، ووضع رد مناسب على الدعاية الروسية، وتم تعيين سيلفان إيتي، السفير الفرنسي السابق لدى أنغولا، مبعوثاً خاصاً للدبلوماسية العامة في أفريقيا، وضمن ورقة مهمته، الترويج لعمل فرنسا في القارة الأفريقية؛ لأن السلطات الفرنسية باتت مقتنعة، وفق التقرير، بأنه لكسب حرب الاتصالات ضد الروس، يجب عليهم أولاً التواصل بشكل أفضل بشأن ما يفعلونه من حيث التنمية».
ويحلل ديبلوماسي فرنسي قائلاً: «ما نقوم به في مجال التنمية تجاوزه عملنا العسكري تماماً»، نتيجة لذلك، عندما تسأل الشباب الأفارقة الناطقين بالفرنسية عن تصورهم لفرنسا، فإنهم يرون فيها (عملية عسكرية) و(نهباً للموارد). علينا أن ننجح في تغيير هذه النظرة».
وبين إغلاق «فيسبوك» لمئات الحسابات الوهمية من روسيا وفرنسا في ديسمبر (كانون الأول) 2020 أن عسكريين فرنسيين انخرطوا كذلك في الصراع مع الروس عن طريق الحسابات الالكترونية الوهمية.
وضمن جهودها للتصدي للروس، عينت فرنسا في يوليو (تموز) 2021 جنرالاً مقتنعاً بضرورة الانخراط في حرب المعلومات، هو الجنرال تييري بوركار، رئيساً لأركان الجيش الفرنسي من قبل إيمانويل ماكرون. وتبنى الجيش الفرنسي بعد 3 أشهر، عقيدة عسكرية للتصدي في مجال المعلوماتية، من أجل هيكلة وسائل الجيش الفرنسي القتالية في الفضاء السيبراني، وعُهد إلى قيادة الدفاع الإلكتروني «كومسايبر (Comcyber)»، ومقرها مدينة رين الفرنسية، الإشراف على هذه العقيدة العسكرية، وتخضع للسلطة المباشرة لرئيس أركان الجيش الفرنسي.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.