يتناول منصور (38 عاماً) قصته بوصفها معاناة شخصية، يشاركه فيها سالكو نفس الطريق من مساكنهم حتى الوصول إلى مقار عملهم.
يخرج من شقته الواقعة في حي القيروان (شمالي الرياض)، متوجهاً إلى مقر عمله الواقع في منتصف طريق الملك فهد، بمعاناة لا نهاية لها مع الحرارة الشديدة، التي لا يقتصر تأثيرها على الحالة النفسية فحسب، بل تصل إلى سيارته ذات الصناعة الصينية، حيث يشعر أحياناً بتأثير الحرارة عليها حتى يصل إلى مقر عمله. ويضع منصور إصبعه على ملاحظة أخرى تتعلّق بندرة المناظر البصرية الخضراء في طريقه، رغم أنه يلاحظ التوجه القائم على تعزيزها خلال المرحلة المقبلة.
يقول منصور إنه طوال الطريق الذي يستغرق في الأوضاع الطبيعية 20 دقيقة فقط، وفي وقت الذروة الصباحية يتضاعف إلى 35 - 40 دقيقة بسبب الازدحام المروري المعهود في طريق الملك فهد الرئيسي، الرابط بين جنوب الرياض وشماله مروراً بوسط العاصمة، لا يشعر بأي دافع للعمل سوى رغبته في تأدية الواجب مع الاستمرار في البحث عن فرصة عمل أخرى تضمن ألّا يعاود قطع هذا المسار يومياً، لكنه يبتسم عندما يشعر بانخفاض درجة الحرارة، بمروره عبر تقاطع طريق الملك فهد مع طريق الملك سلمان، حيث ساهم مشروع «الرياض الخضراء»، الذي يعتبر أحد أكبر مشاريع التشجير الحضري في العالم، بإضفاء صبغة جمالية على ميدان تقاطع طريق الملك سلمان مع طريق الملك فهد من خلال الأشجار التي تعطي بُعداً بصريّاً في الوقت نفسه، الذي تشكل فيه مكافحة طبيعية للأجواء المناخية «المتطرفة»، بحسب وصف المركز الوطني للأرصاد، التي أصابت الرياض وبعض المناطق في الوسطى والشرقية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
https://twitter.com/GreenRiyadh_SA/status/1554814348538757120?s=20&t=UklkQl70DB9h64TKFKr9UQ
الرياض الخضراء
ويمثّل برنامج «الرياض الخضراء»، بارقة أمل كبرى لدى سكان العاصمة السعودية، في مواجهة التصحر وشح الأمطار والجفاف الناتج عن الحرارة الشديدة في فصل الصيف، ومعظم أوقات فصل الخريف. حيث يعد من أهم المشاريع البيئية وأكثرها طموحاً على مستوى العالم، وأحد مشاريع الرياض الأربعة الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بمبادرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في مارس (آذار) من عام 2019. بهدف «رفع تصنيف مدينة الرياض بين نظيراتها من مدن العالم».
وبحسب المشروع، فإن برنامج التشجير يغطي معظم عناصر ومكونات المدينة، بما يشمل 3330 حديقة حي، و43 متنزهاً كبيراً، 9 آلاف مسجد، و6 آلاف مدرسة، و64 منشأة جامعة وكلية، و390 منشأة صحية، و1670 منشأة حكومية، كما يغطي برنامج التشجير 16400 كيلومتر طولي من الشوارع والطرق، و2000 موقع لمواقف السيارات، و1001كيلومتر طولي من «الأحزمة الخضراء» ضمن خطوط المرافق العامة - أبراج نقل الكهرباء ومسارات أنابيب البترول - و175 ألف قطعة أرض فضاء، و272 كلم من الأودية وروافدها.
ميادين رئيسية خلت من ملامح التشجير
لكن منصور بتجربته في السير ذهاباً وإياباً بمسارات مختلفة، كشف أنه لاحظ خلو بعض الميادين الكبرى في تقاطعات رئيسية، مثل «ميدان تونس على تقاطع طريق الملك عبد العزيز مع طريق مكة المكرمة» من ملامح التشجير برغم وجودها على استحياء في فترة سابقة، داعياً إلى العمل على تشجيرها أو تركيب النخيل الصناعي على أقل تقدير، ولو كان ذلك خارج إطار مشروع «الرياض الخضراء» لتعزيز المظاهر البصرية في المواقع المزدحمة والمساهمة في تخفيف وطأة الحرارة الشديدة والتقلبات المناخية الجديدة على غرار الرطوبة التي زارت المنطقة الوسطى برمّتها خلال الأسابيع الماضية.
ميدان تونس الذي يربط بين طريقي الملك عبدالعزيز، وطريق مكة المكرمة، في العاصمة السعودية الرياض (Google Earth)
استزراع أشجار وشجيرات موسمية
وبينما يعتبر الخبير البيئي البروفسور عبد الله الفهد، أن استزراع الشجيرات والأشجار الموسمية، وخاصة أشجار البيئة المحيطة أو التي ليست دخيلة سيؤثر بالإيجاب على فترات النهار في خفض درجات الحرارة، كشف الفهد لـ«الشرق الأوسط» أنه بقياس درجات الحرارة في المسطحات الخضراء وغير الخضراء اتضح أن الفارق يصل إلى 30 في المائة انخفاض درجة الحرارة في الأماكن الخضراء والأماكن المشجرة عن الأماكن الغير المشجرة وخاصة المسطحات أو الأرصفة، مضيفاً أن درجة الحرارة تصل في الصيف إلى أكثر من 60 درجة مئوية بينما الأماكن المشجّرة تنخفض فيها درجة الحرارة في «عز الصيف إلى 35 وإلى 30 مما يدلّل على أن تشجير الأرصفة والحدائق والمنازل يساهم في خفض درجة الحرارة وخفض نسب التلوث والانبعاثات الحرارية».
أضفت الأشجار قيمة جمالية على ميدان تقاطع طريق الملك سلمان مع طريق الملك فهد في مدينة الرياض
ولفت الفهد بأنه لاحظ تقدماً كبيراً في الرياض العاصمة وبعض المناطق التابعة لها، في إطار تنفيذ خطط برنامج «الرياض الخضراء» على مستوى القطاع الحكومي والجمعيات البيئية، معلّلاً: «لاحظنا انتقاء للأشجار المناسبة للبيئة، ومسابقة الزمن من خلال غرس أشجار كبيرة وواضحة للعيان على إطار واسع تحديداً في الشوارع والحدائق والممرات أو في الأودية والفياض والأماكن الصحراوية مما يجعل الأثر واضح على المناطق التي يتم غرسها فيها، كما يظهر الأثر أيضاً في موضوع الحمى، حيث عاد للحياة كثير من الأشجار خاصة السدر والطلح وبعض الشجيرات كالعرفج والرمث وغيرها من الأشجار التي سيكون لها الأثر الكبير في تحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء».
آثار التشجير تظهر في عدة مواقع
ومن خلال عمل اللجان والجمعيات البيئية يبشّر البروفسور الفهد، بأن آثار التشجير اتضحت من خلال «قلّة الأتربة والأغبرة التي تسببها الرياح أو التصحر والتدهور البيئي، وأيضاً نزول درجات الحرارة في الصيف انعكاساً لازدياد المسطحات الخضراء»، مما يعزّز الإشارة المسبقة بأن بعض التجارب والمسوحات أثبتت أن انخفاض درجات الحرارة في الأماكن المشجرة وصل إلى 30 في المائة، مقارنة بغير المشجّرة، وهذا بحسب الفهد «يؤثر على المنطقة المجاورة حيث إن المناطق التي تأتي منها الرياح وتمر على هذه الأشجار تكون نسبة الأكسجين فيها أعلى ونسبة التلوث أقل بكثير».
تشجير قلب الرياض و7 أحياء
يُذكر أن ميداني تقاطع طريق الملك سلمان مع طريق الملك خالد، وتقاطع طريق الملك سلمان مع طريق الملك فهد، جرى تشجيرها مسبقاً في إطار مشروع الرياض الخضراء، فضلاً عن اكتمال تشجير طريق الملك فهد من تقاطع الدائري الشمالي وصولاً إلى طريق الملك سلمان.
كما انطلقت أعمال تشجير الأحياء السكنية في مدينة الرياض ضمن برنامج الرياض الخضراء، وتوزعت على 7 أحياء هي «العزيزية، والنسيم الشرقي، والعريجاء، والنخيل، والغدير، وقرطبة، والجزيرة».
ميدان تقاطع طريق الملك سلمان، مع طريق الملك خالد في مدينة الرياض، ويظهر اكتمال أعمال التشجير