وجوه الشاشة تبحث في السياسة والمشاكل المقلقة

آخرهم إد نورتون ونتالي بورتمن والبقية تأتي

نتالي بورتمن في «حكاية من الحب والظلام»
نتالي بورتمن في «حكاية من الحب والظلام»
TT

وجوه الشاشة تبحث في السياسة والمشاكل المقلقة

نتالي بورتمن في «حكاية من الحب والظلام»
نتالي بورتمن في «حكاية من الحب والظلام»

استقبل الممثل إد نورتون إعلان مهرجان لوكارنو السويسري بقرار منحه جائزة شرف عن مجمل أعماله بسعادة غامرة. كان المهرجان بعث إليه بالقرار قبل الإعلان عنه وقام نورتون بالموافقة في رسالة شكر فيها الإدارة على هذه المبادرة.
لكن نورتون سيضطر بذلك لإيقاف العمل على فيلم بدأ بالتحضير له منذ سنوات كثيرة ولم ير النور بعد. ففي عام 1999 اشترى حقوق رواية بعنوان «بروكلين يتيمة الأم» (Motherless Brooklyn) للكاتب جوناثان لَثم على أساس من رغبته كتابة السيناريو لها وإخراجها. ومنذ ذلك الحين وهو يقترب ويبتعد عن تحقيق هذه الرغبة. الآن فقط، استطاع جمع ميزانية تحويل الرواية (التي تقع أحداثها في الخمسينات) إلى فيلم والعمل جار على استكمال العناصر وتحديد موعد البدء بالتصوير.

* حب وتعصب
نورتون لا يقف وحده بين الممثلين الموهوبين المتحوّلين إلى الإخراج.
في دورة مهرجان «كان» الأخيرة برهنت الممثلة نتالي بورتمن (أميركية - إسرائيلية) عن قدرتها في التصدّي لرواية أخرى شكلت لديها هاجسًا دفعها إلى بذل كل ما لديها من اتصالات لتأمين تحويلها إلى فيلم.
الفيلم هو «حكاية حب وظلام» وكاتبها هو أموس أوز الذي حوّلت السينما الإسرائيلية له ثلاث قصص حتى الآن هي «مايكل شيلي» (1975) و«الصندوق الأسود» (1994) و«الخائن الصغير» (2007). بورتمن اختارت روايته «حكاية حب وظلام» لأنها، حسب قولها، تعكس رغبة العيش المشترك وحل الدولتين كأساس.
بورتمن ولدت في القدس، سنة 1981. لكن عائلتها غادرت إسرائيل إلى الولايات المتحدة منذ أن كانت في الثالثة من عمرها. وهناك قدر كبير من الجرأة الفنية وتلك السياسية في قرارها تصوير فيلم عن رواية أوز الصادرة سنة 2002. فنيًا لأن الرواية تشكّل تحديّا دراميًا وفنيًا بالنسبة لممثلة ما زالت في مطلع تجاربها على الشاشة، وسياسيا، لأن الرواية تتناول حياة المؤلف ذاته الذي داعبه الحلم بدولة يهودية وشارك في بعض الحروب العربية - الإسرائيلية من قبل أن يهدأ سياسيا ويبدأ بمراجعة مواقفه. هذا ولو أن الفيلم يظهر أن حل الدولتين كان ماثلاً أمام أوز (والفيلم يروي فصوله بصوت مؤلّفه) وذلك في مشهد يقول فيه عم الكاتب لفتاة عربية صغيرة: «هناك متسع لشعبين على هذه الأرض».
لكن هذا لا يعفي الفيلم من قدر من التعصّب. العبارة ذاتها قد تُفسّر بعكس ما يُراد منها وليس لدى المخرجة الجديدة من الخبرة ما يجعلها تتحرر من نطاق النص الأدبي وتحميل الفيلم مزايا فنية بعيدًا عن أصوله الأدبية.
هذه المشكلة لم تقع مع الممثلة (الأكثر شهرة) أنجلينا جولي عندما قررت، سنة 2011، الإقدام على تجربة إخراجها الرئيسية الأولى (قبل ذلك كان لديها تجربة محدودة غير مثمرة) وذلك عبر فيلم كتبته بنفسها مستخلصة أحداثه مما عايشته وتابعته إعلاميًا وهو «أرض الدم والعسل» الذي تقع أحداثه خلال الحرب البوسنية في التسعينات وكيف قام الجيش الصربي باغتصاب النساء وعن فشل أحد الجنود الصرب في حماية المرأة البوسنية التي أحب وتحوّلت معاملته لها لتماثل معاملة الآخرين لها.
لكن بورتمن، مثل جولي قبلها، أرادت لفيلمها الأول أن يكون ذا شأن سياسي. وبذلك قررتا خوض المعترك الجديد من نقطة سياسية وما فوق. وهنا ما يستوقفنا على نحو ملحوظ إذ إن السياسة كثيرًا ما اندمجت في ركاب التحوّل لممثلين قرروا ذات لحظة مضيئة (غالبًا) في حياتهم المهنية التحول إلى الإخراج وذلك عبر سنوات السينما البعيدة.
أدب وسياسة
لا يفوتنا، مثلاً، فيلم راسل كراو الأول «معمّد الماء» The Water Diviner هذا العام الذي اختار فيه التعامل مع العلاقة الإسلامية - المسيحية في إطار أحداث الحرب العالمية الأولى فأنجز عملاً مثيرًا جدًّا للاهتمام كمعبّر عن رغبة تلاق بين الحضارات والأديان. بعودته إلى مطلع القرن الماضي يسمح لفيلمه بالدلو في الواقع الحاضر من دون جهد. إنه يريد قول شيء إيجابي مهم عما يحضرنا الآن، لكن من خلال العودة إلى أحداث وقعت سابقًا خيالية كانت أم واقعية أو (كما هو الحال هنا) مزجًا بين الاثنين.
إذا لم يجد الممثل موضوعًا مستمدًا من أحداث تاريخية أو سياسية محددة، نراه يقدم على فيلم يعالج موضوعًا اجتماعيًا من وجهة نظر نقدية (وهذا أيضًا سياسة) كما فعل، سنة 1969 دنيس هوبر في «إيزي رايدر» وكما سبق لمارلون براندو أن فعل متحدثين عن المؤسسة والسلطة. فيلم براندو «جاك ذو العين الواحدة» (1961) دار حول لص مصارف يكتشف أن شريكه الذي سرقه بدوره، أصبح شريف بلدة فيقصده لمنازلته. الشريف هو السُلطة والسُلطة فاسدة كما الحال في فيلمين من إخراج كلينت إيستوود هما «غير المسامَح» (1992) و«سُلطة مطلقة» (1997) كلاهما من تمثيله وجين هاكمان الذي يؤدي دور شريف بلدة في الأول ورئيس جمهورية في الثاني وكلاهما يرتكب جريمة قتل.
الوسترن أيضًا كان اختيار الممثل كفن كوستنر عندما قرر التحوّل إلى الإخراج فقدم سنة 1990 قالبًا (وإن لم يكن المخرج الأول في هذا الشأن) الصورة النمطية التي قامت مئات أفلام الغرب الأميركي بتقديمها عن تاريخ الصراع على الأرض بين المواطنين الأصليين والمستوطنين البيض.
تيم روبنز، الذي وقف مع زوجته سوزان ساراندون، ضد حرب العراق آنذاك، انتقل في فيلمه الأول «مسيرة رجل ميّت» (1995) لمعالجة مسألة الإعدام من وجهة نظر مناوئة وفي يقينه أن القانون عليه أن يتغيّر لأنه يعالج الجريمة بمثلها.
شون بن عالج موضوع الحرية المكبوتة في أكثر من فيلم أخرجه أولها «الراكض الهندي» سنة 1991 المأخوذ عن أغنية (للمغني المتمرد) بروس سيرينغستين.
طبعًا ليس كل ممثل أقدم على الإخراج حقق نجاحًا كبيرًا، وبعض من وردت أسماؤهم أعلاه، مثل شون بن وكفن كوستنر ومارلون براندو اكتفى بما سجّله عبر أفلامه القليلة في هذا المجال بمن فيهم، ورغم اسمه الكبير، جاك نيكولسون الذي أتيح له تحقيق ثلاثة أفلام كمخرج أولها «قد، قال: «Drive‪، ‬ He Said سنة 1971.
لكن هناك آخرون كثر نجحوا في شق الطريق ذاته وحافظوا على نجاحهم على نحو مطرد، وهم إذا لم يكترثوا للسياسة في أعمالهم الأولى (كما فعل أورسون ولز في «المواطن كين») اكترثوا لها لاحقًا كما الحال مع وورن بيتي وروبرت ردفورد وكلينت إيستوود ومل غيبسون وجون كازافيتيس وجورج كلوني. أكثرهم تأكيدًا على دور السياسة في أفلامه هما وورن بيتي روبرت ردفورد وكلاهما كان امتلأ أفلامًا ذات مضامين سياسية (محلية وعالمية) قبل إقدامه على الإخراج. جورج كلوني بدأ في هذا الدرب بفيلمه «حظ حسن وتصبحون على خير» (2005) وأنجحهم كلينت إيستوود الذي حقق فيلمه الأول «اعزف لي ميستي» (1971) كدراما عاطفية ثم تداول السياسة في الكثير من أفلامه بعد ذلك وصولاً إلى عمله الأخير «قناص أميركي».



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.