الصراع السياسي في ليبيا يصل محطة «البعثات الدبلوماسية»

الدبيبة يعين 3 سفراء وسط انقسام

النائب أبو بكر سعيد (يسار) مقدماً أوراق اعتماده سفيراً مفوضاً فوق العادة لليبيا لدى بلغاريا (وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»)
النائب أبو بكر سعيد (يسار) مقدماً أوراق اعتماده سفيراً مفوضاً فوق العادة لليبيا لدى بلغاريا (وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»)
TT

الصراع السياسي في ليبيا يصل محطة «البعثات الدبلوماسية»

النائب أبو بكر سعيد (يسار) مقدماً أوراق اعتماده سفيراً مفوضاً فوق العادة لليبيا لدى بلغاريا (وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»)
النائب أبو بكر سعيد (يسار) مقدماً أوراق اعتماده سفيراً مفوضاً فوق العادة لليبيا لدى بلغاريا (وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة»)

أحدث قرار عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، تعيين 3 نواب برلمانيين سفراء لبلادهم في بلغاريا والجزائر والاتحاد الأفريقي، حالة من الجدل بين السياسيين في البلاد، وأرجعها بعضهم إلى أنها فصل جديد من الصراع السياسي القائم بين حكومتي: الدبيبة، وغريمه فتحي باشاغا.
ورأى وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية المؤقتة، حسن الصغير، أن قبول بعض النواب التعيين في البعثات الخارجية أو السعي إليه «لا ينطوي فقط على التخلي عن المهام التشريعية والرقابية»، وأنها أيضاً «هروب للأمام، وقفزة من مشهد الأزمة السياسية الخانقة التي تواجه البلاد، بدلاً من السعي لحلها للتخفيف من وطأة الضغوط على الشعب الذي أوصلهم لمقاعدهم».
وقال الصغير -في تصريح لـ«الشرق الأوسط»- إن «بعض النواب بات يستشعر أن ولاية الدبيبة قد لا تكون ممتدة، لذا يسارعون بالقفز من القارب قبل غرقه»؛ مشيراً إلى أن الدول الكبرى ذات التأثير في المشهد الليبي، مثل فرنسا والولايات المتحدة، لم تحدد مواقفها من تسمية رؤساء البعثات الجدد الذين اعتمدتهم حكومة الدبيبة.
وعلى عكس ما ذهب الصغير، دافع عضو مجلس النواب الليبي، صلاح أبو شلبي: «بصحة الموقف القانوني للنواب المكلفين حديثاً بمهام دبلوماسية»، لافتاً إلى أن «موافقتهم على التعيين تُعد بمثابة استقالة اعتبارية من المجلس النيابي؛ حيث تقضي القوانين المنظمة بعدم جواز الجمع بين عضويته وأي منصب بالسلطة التنفيذية».
وقال أبو شلبي لـ«الشرق الأوسط»، إن «طموح النائب، أو أي شخصية عامة لتولي منصب ما بالدولة، يعد حقاً مشروعاً له، ومعظم الشخصيات المكلفة تمتلك مؤهلات علمية وخبرة سياسية، وتتمتع بشبكة واسعة من العلاقات داخلياً وخارجياً».
ونوه إلى أن الأمر ليس مستحدثاً على الساحة الليبية، متابعاً: «كثير من الوزراء ورؤساء الوزراء ونوابهم سبق أن تخلوا عن عضويتهم النيابية وتولوا مناصب عامة، مثل فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة (الوفاق الوطني) السابق، وفتحي باشاغا، رئيس الوزراء المكلف من البرلمان حالياً».
واستدرك أبو شبلي: «لكن الأمر ينطوي على مخالفة لمبادئ عامة؛ إذ لا يمكن للبرلمان حالياً انتخاب آخرين بدلاء منهم، وخصوصاً في ظل تعقد المشهد السياسي الراهن»، ومع ذلك رفض أبو شلبي، محاولة البعض تفسير التعيين بكونه «تخلياً من قبل هؤلاء النواب عن مهامهم التشريعية، ودوائرهم التي انتخبتهم».
وذهب إلى أن «وجود هؤلاء الشخصيات في مواقعهم الجديدة قد يمثل مصلحة عليا للبلاد»، معتقداً أن «نسبة كبيرة من المعينين بالسفارات خلال السنوات الأخيرة لا يملكون أبجديات العمل السياسي».
وأرجع أبو شلبي سبب رفض رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، قرارات تعيين هؤلاء، بأنه «أمر يتعلق بالصراع السياسي القائم مع حكومة الدبيبة، أكثر ما يرتبط بشخصية النواب».
وكان رئيس مجلس النواب قد طالب بإصدار تعميم على البعثات الأجنبية بعدم الاعتداد بالقرارات الصادرة عن حكومة «الوحدة الوطنية» بتعيين سفراء جدد، نظراً «لانتهاء ولايتها».
وانتهى النائب أبو شلبي إلى أن معظم الشخصيات الذين يصفهم البعض الآن بأنهم مقربون للدبيبة، كانوا مقربين من عقيلة صالح في وقت سابق، وقال: «تغيير المواقف ليس عيباً، فالعمل السياسي يتطلب المرونة، ويقوم أيضاً على المصالح المتبادلة».
أما رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني»، أسعد زهيو، فاتَّهم حكومة الدبيبة «بمحاولة تفريغ مجلس النواب من الداخل من خلال هذه التعيينات»، وقال: «الدبيبة وصل لمرحلة القطيعة النهائية مع البرلمان، كما أنه لم يعد يحتاج لجهد كثير من النواب الذين ساندوه تحت قبة البرلمان، لذا سارع بتعيينهم في مواقع دبلوماسية، ليضمن تفريغ المجلس من الداخل».
وتوقع زهيو استمرار مثل هذه التعيينات؛ سواء في السلك الدبلوماسي أو في مناصب أخرى بالسلطة التنفيذية، حتى يتم إكمال مسلسل إفراغ البرلمان، ويعجز ربما عن الوصول للنصاب القانوني».
وعيَّن الدبيبة النائبين أحمد أبو بكر سعيد، وصالح همة، سفيرين مفوضين فوق العادة لبلادهما، الأول لدى بلغاريا، والثاني لدى الجزائر، أما زميلهما محمد آدم لينو، فقد عُيِّن سفيراً دائماً لليبيا لدى الاتحاد الأفريقي.
ويرى زهيو أن الأمر يرتبط «بالمزايا المالية للوظائف بالبعثات... النواب السابقون الذين كانوا يمارسون الرقابة على السلطة التنفيذية، وباتوا اليوم جزءاً منها، من المحتمل أن تتضاعف رواتبهم».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.