فور انتهاء المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية للسيدات 2022، أرسلت تقريري عن المباراة ووضعت وجهي في يدي وبكيت بشدة، وبدأت أتنهد بصوت عال ومؤثر للغاية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أبكي فيها، وأنا أشاهد المسيرة المذهلة للمنتخب الإنجليزي للسيدات وهو في طريقه للفوز بأول بطولة كبرى، ولم أتوقف منذ ذلك الحين.
في الحقيقة، من الصعب للغاية توضيح مقدار ما يعنيه هذا الفوز بالنسبة لي. فعندما بدأت الكتابة عن كرة القدم للسيدات، لم يكن هناك عمل بدوام كامل في أي صحيفة وطنية للراغبين في تغطية مباريات كرة القدم للسيدات.
وطُلب مني كتابة عمود أسبوعي لصحيفة «الغارديان» في عام 2017، عشية انطلاق بطولة كأس الأمم الأوروبية، التي فازت بها هولندا على أرضها بقيادة سارينا ويغمان. وكان عنوان أول عمود أسبوعي كتبته هو: «مغامرة إنجلترا في اليورو يمكن أن تحقق المجد في الخارج وتُحدث تأثيراً دائماً في الداخل». وكانت أول مقابلة صحافية أجريها مع لورا باسيت، التي أحرزت هدفاً عكسياً قاتلاً في مرمى المنتخب الإنجليزي في الدور نصف النهائي لكأس العالم عام 2015 في كندا، التي كانت تتجه للمشاركة في نهائيات كأس الأمم الأوروبية، وهي لا تلعب لأي نادٍ بعد انهيار نادي نوتس كاونتي.
تقدم الأمر سريعاً، ووصل عدد المقالات التي كتبتها إلى 1093 مقالاً، ورأيت للتو اللعبة التي أعطيت كل شيء لأبنيها - والتي أهتم بها بشدة – وهي تمر بلحظة من شأنها أن تحولها وتغير وجهها تماماً، وبالتالي تُغير الموارد والعمل المدفوع المتاح لتغطية منافساتها.
في الحقيقة، هناك أشخاص رائدون في هذه اللعبة يعملون قبلي بفترة طويلة، سواء داخل الملعب أو خارجه. لقد جئت في الوقت الذي بدأت فيه العقول تتحول نحو هذه الصناعة، وكان بإمكاني رؤية الفرص المحتملة. لقد كان من المستحيل فهم مشاعر توني لايتون وجين أونيل وكاث إيتو، الذين كانوا من بين أولئك الذين غطوا مباريات كرة القدم للسيدات على مدار عقود، عندما رفعت ليا ويليامسون كأس البطولة يوم الأحد، نظراً لأن هؤلاء الأشخاص قد لعبوا دوراً كبيراً في حصول المنتخب الإنجليزي على هذه الكأس، كما فعل الكثيرون أيضاً - وربما يمكنني أن أدعي أنني لعبت دوراً ولو قليلاً في هذا الأمر أيضاً.
سيدات إنجلترا لدى تتويجهن بالكأس الأوروبية (أ.ب)
إن كل صحافي يغطي مباريات أي فريق في كرة القدم – سواء للرجال أو للسيدات - يتعرف على اللاعبين وعلى الموظفين في النادي، حيث نجلس معهم ونستمع إلى قصصهم، ونطرح عليهم في بعض الأحيان أسئلة شخصية عميقة حول حالتهم الذهنية ومشاعرهم ومآسيهم وصحتهم وإخفاقاتهم. إنك تتواصل مع الكثيرين، وتستمع إلى قصصهم، وترى شغفهم، ورغبتهم التي لا تخطئ في دفع أنفسهم ليكونوا الأفضل دائماً. وفي كرة القدم النسائية، تروى اللاعبات قصصهن بحرية، وهن يعلمن تماماً أن المشجعين الذين يتواصلون معهن قد يتفاعلون مع اللعبة ورحلتها حتى النهاية.
لقد تحدثت إلى كلوي كيلي حول إصابتها بالرباط الصليبي الأمامي التي أدت إلى استبعادها من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، كما تحدثت إلى كيرا والش حول كيف كانت تريد اعتزال كرة القدم بعد كأس العالم 2019، وتحدثت إلى إيلين وايت وهي تبكي بشدة بعد خروج منتخب بريطانيا العظمى من دورة الألعاب الأولمبية في الوقت الإضافي من دور الثمانية، ولم تكن الأهداف الثلاثة التي أحرزتها (الهاتريك) كافية لتحقيق الفوز على أستراليا. وتطول القائمة، حيث تحدثت إلى عدد كبير من اللاعبات والنجمات.
ولو فاز المنتخب الإنجليزي للرجال ببطولة كأس الأمم الأوروبية الصيف الماضي، أو لو قطع خطوة أخرى إلى الأمام في كأس العالم القادمة في قطر، فإنني أعتقد أن العديد من الصحافيين الذين غطوا مباريات الفريق على مدى عقود ستنقلب مشاعرهم رأساً على عقب بطرق متشابهة ومختلفة. إننا نعمل في وقت متأخر من الليل، ونعمل لأيام طويلة ولساعات غير مبهجة تتجاوز مجرد تلك الصور التي يراها المشجعون على «إنستغرام». لكن بالطبع فإن الأمر يستحق كل هذا العناء.
ويمكن القول بإن كرة القدم للسيدات تتخلف بعقود، إن لم يكن بقرون، عن كرة القدم للرجال. وفي الوقت الحالي، فإنها لا تزال تعتمد بشكل كبير جداً على وسائل الإعلام التفاعلية، وتستثمر فيها لمساعدتها على النمو. وبالطبع، تحتاج كرة القدم للرجال إلى الصحافة أيضاً، للحفاظ على بصمتها العميقة في المجتمع، لكن الطبيعة الناشئة للعبة كرة القدم للسيدات تحث على انفتاح أكبر بكثير من قبل اللاعبات والمديرين الفنيين الذين يدركون أهمية العلاقة المتبادلة - نحن ننمي اللعبة ونطور اللاعبات؛ واللعبة تنمينا وتطورنا معها.
لذا، فرغم أن الدموع والهتافات في الأماكن المخصصة للصحافيين قد تكون غير مألوفة أو مستهجنة بعض الشيء، أو يُنظر إليها على أنها شيء غير احترافي إلى حد ما، فإننا نسامح أولئك الذين تأثروا كثيراً بفوز منتخب إنجلترا للسيدات بكأس أمم أوروبا يوم الأحد. إننا نعلم ما يعنيه هذا لوظائفنا وصناعتنا وللاعبات وللعبة والمجتمع بشكل عام. إن كرة القدم لعبة قوية ولا يمكن الاستهانة بالتأثير الأوسع لـ«عودتها إلى الوطن» بفضل مجموعة من الشابات المبدعات.
هناك الكثير من الأشخاص الذين يثيرون التحذيرات، قائلين إنه لا يتعين علينا أن نفوت فرصة تطوير هذه الرياضة الرائعة على خلفية هذا الفوز التاريخي وهذه اللحظة الاستثنائية. إنهم محقون في ذلك بكل تأكيد، لكن إذا كان هناك شيء واحد أعرفه، فهو أن الناس الذين يقولون هذه الأشياء، واللاعبين في الملعب، وأطقم العمل في الأندية، واللاعبين السابقين الذين ما زالوا يتصدرون اللعبة، لن يدعوا هذه اللحظة الاستثنائية تمر دون قتال.
لقد قرر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم حظر كرة القدم للسيدات لمدة 50 عاماً، وحاول القضاء على هذه اللعبة من الوجود، لكنه فشل. وبدلاً من ذلك، تأكدوا من ظهور مجموعة من المقاتلات اللائي تمكن من مناصرة هذه اللعبة وتنميتها جيلاً بعد جيل.
وكان ذلك بفضل مجموعة من النساء المتعلمات الذكيات القويات المرنات الرائعات، اللواتي سيقدمن أي شيء، بل وقدمن بالفعل كل شيء، حتى تنجح هذه الرياضة. لقد أعطت هذه المجموعة كل شيء لرؤية جميع الفتيات لها الحق في ممارسة لعبة شكلت هوية الكثير ممن هن داخل الملعب وخارجه وطورتهن كأشخاص وأعضاء مهمين في المجتمع بطرق لا يمكن تخيلها أبداً.
* كاتبة رياضية