الحاجز النسبي الأكبر في العالم يحد من طموحات الأحزاب الصغيرة

عام 2002 حصل العدالة والتنمية على 35 % من الأصوات ونال 66 % من المقاعد

الحاجز النسبي الأكبر في العالم يحد من طموحات الأحزاب الصغيرة
TT

الحاجز النسبي الأكبر في العالم يحد من طموحات الأحزاب الصغيرة

الحاجز النسبي الأكبر في العالم يحد من طموحات الأحزاب الصغيرة

يرى رئيس جمعية الصحافيين الحضارية أحمد اباكاي أن النسبة التي تطبق في تركيا لا يوجد لها مثيل في العالم، إذ إن دستور الانقلاب العسكري الذي وضعة كنعان افرن في عام 1980 أقر بأن يكون الحاجز النسبي لدخول البرلمان 10 في المائة على صعيد تركيا.
ويشير إلى أنه من أجل أن يدخل أي حزب سياسي أعضاء للبرلمان التركي أولا يجب عليه أن تتعدى نسبة الناخبين الذين صوتوا له في جميع أنحاء تركيا 10 في المائة، ومن ثم يبدأ في كل مدينة من مدن تركيا الـ81 تقسيم عدد الأعضاء على الأحزاب حسب النسبة التي حصلوا عليها في تلك المدينة. ويشير أباكاي إلى أن الهدف من وضع مثل هذا القانون كان الحيلولة دون دخول الأحزاب الصغيرة التي كانت ترفض الانقلاب العسكري وما ترتب علية من إفرازات، وفقط السماح لحزبين أو 3 بدخول البرلمان التركي.
ويشير إلى أن «هذا الحاجز يتيح الفرصة للحزب الأول أن يحصد أغلبية الأصوات». ويقول: «مثلاً في انتخابات عام 2002 لم يستطع تخطي الحاجز النسبي إلا حزبان هما حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري؛ لأن حزب الطريق القويم الذي كانت تتزعمه تانسو شيلار حصل على 9.54 في المائة، وحزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي حصل على 8.36 في المائة، وحزب الشباب بقيادة جيم أوزران حصل على 7.25 في المائة، إلا أنها بقيت خارج البرلمان. في المقابل حصل حزب العدالة والتنمية على 34.2 في المائة وأدخل إلى البرلمان 363 عضوا، وحزب الشعب الجمهوري حصل على 19.39 في المائة وأدخل إلى البرلمان 178 عضوا، وهذا يعني أن 45 في المائة من الناخبين الأتراك لم يمثلوا في برلمان 2002، وفقط المستفيد الأكبر هو حزب العدالة والتنمية، حيث كانت له حصة الأسد بنسبة 66 في المائة من أعضاء البرلمان». وفي المقابل يشرح اباكاي أن هذا الواقع «لا ينطبق على المرشحين المستقلين، فهم يخضعون إلى حسابات خاصة في كل مدينة، حيث يجمع عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب التي تعدت الحاجز النسبي مع عدد الأصوات التي أخذها المرشح المستقل، وتقسم على عدد أعضاء البرلمان الذين سيدخلون البرلمان عن المدينة أو المحافظة، فيكون هناك رقم ما فإذا تعدى المستقل هذا الرقم فإنه يدخل البرلمان مباشرة».
أما بالنسبة للانتخابات المحلية فإنه لا يوجد هناك حاجز نسبي، فكل محافظة أو مدينة أو بلدة تنتخب كلا على حدة، ولكن من المتعارف عليه في تركيا أن الناخب دائما يرشح مرشحي الحزب الحاكم، فمثلا في انتخابات 2014 المحلية فاز حزب العدالة والتنمية برئاسة 48 محافظة و561 بلدة، وحزب الشعب الجمهوري بـ14 محافظة و159 بلدة، وحزب ديمقراطية الشعوب بـ10 محافظات و67 بلدة، وحزب الحركة القومية بـ8 محافظات و106 بلدات، والمستقلون بمحافظة وبلدتين، والسعادة بـ8 بلدات.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»