«كارلوفي فاري»: أفلام تنبش في حاضر قلق وماضٍ حزين

انتهت أعمال دورته الـ56 قبل أيام

بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
TT

«كارلوفي فاري»: أفلام تنبش في حاضر قلق وماضٍ حزين

بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»
بين المدينة والريف في «عليك أن تأتي وترى»

هناك متعة خاصّة حين يركب الناقد الطائرة من مدينة إلى مدينة أخرى ليحضر مهرجاناً يُقام فيها. متعة طبيعية عناصرها الاشتراك بحضوره في حفل سينمائي كبير ومشاهدة الأفلام حين تُعرض للمرّة الأولى عالمياً والالتقاء بالسينمائيين وبالأصدقاء، وأخيراً - وليس آخراً - الشعور الغامر بحب الكتابة بعد المشاهدة ليلحق الوقت المحدد لتسليم المواضيع كافّة.
هذه المتعة تنحسر، حين يفوز الناقد بمشاهدة أفلام من المهرجان عبر منصّات مدفوعة الثمن أو عبر اتصالات خاصّة أو لكونه عضواً في جمعيات نقدية أو صحافية، بالمشاهدة فقط وفي راحة منزله. كل ما سبق من عناصر الإمتاع تنسحب باستثناء عنصر المشاهدة على شاشة المنزل. مهما كانت كبيرة هي ليست بحجم شاشات المهرجانات طبعاً، لكنها تفي بتأمين فعل المشاهدة على أي حال. هذا كان حال أفلام مهرجان كارلوفي فاري الذي انتهت أعمال دورته السادسة والخمسين قبل أيام قليلة والذي عرض مجموعة كبيرة من الأفلام من بينها 27 فيلماً لم تعرض من قبل في أي مكان آخر (وورلد برميير).

- سيناريو بأزمات
حتى انهيار النظام الشيوعي في شرق أوروبا، كان هذا المهرجان التشيكي يُقام مرّة كل عامين بالتناوب مع مهرجان موسكو السينمائي عند الأخ الأكبر. بعد المتغيّرات، نفض المهرجان عن نفسه الانتماء السابق وتحوّل إلى مهرجان سنوي قائم بذاته ومنفتح على كل التجارب من دون آيديولوجيات مسبقة. حالياً هو في الصف الثاني من الأهمية لجانب لوكارنو (سويسرا) وسان سابستيان (إسبانيا) ولندن (بريطانيا) وصندانس (الولايات المتحدة). بينما تستحوذ مهرجانات فينيسيا وبرلين و«كان» على الصف الأول كالعادة.
شملت الدورة أفلاماً تعود إلى ذلك الماضي الداكن لتلك الفترة الشيوعية، وأخرى تحدّثت عن أحوال اجتماعية حاضرة (هي بدورها داكنة) في أكثر من بقعة حول العالم. والفيلم الفائز بالجائزة الأولى من بينها. لكن مشاهدته تثير التعجب كونه ليس العمل الجيد الذي يتوقعه المرء من فيلم فاز بالجائزة الأولى.
عنوانه «صيف مع أمل» (Summer With Hope) حققته المخرجة الإيرانية اللاجئة إلى كندا صدف فاروقي. لتنفيذ الفيلم عادت إلى إيران واستطاعت تسجيل انطباعات وذكريات تتمحور حول القمع الذي يتعرّض إليه الجيل الناشئ على صعيد العائلة، على الأقل.
على عكس مواضيع إيرانية في الآونة الأخيرة لا يعمد هذا الفيلم لتناول الحياة في القاع، فشخصيته الرئيسية هي ليلى (تقوم بها ليلى رشيدي) التي لديها منزل فاره في منطقة بعيدة عن طهران، يبدو أنها ملجأ الميسورين أمثال زوجها. معاملات طلاقها تدخل حيز التنفيذ قريباً لكن قبل ذلك عليها أن تحل - مع شقيقها - معضلة سببها أن مدرّب السباحة المستعان به لتدريب بعض الناشئة لدخول مسابقة وطنية لا يحمل المؤهلات اللازمة، ورغم ذلك هو مصر على القيام بالعمل المتفق عليه.
تحت ظل هذا الخط، تقوم المخرجة بزرع دراميات صغيرة متّصلة، على نحو غير مباشر، بالظروف التي تدفع البعض (كعُميد مثلاً) للهرب من الأوضاع إلى الأمام. يقود سيارته برعونة ويحاول السباحة في البحر الهائج معرضاً نفسه للخطر. إذ يتناوب الفيلم الانتقال من مشكلته إلى مشكلة ليلى ومنهما إلى مشاكل أخرى تفقد المخرجة فاروقي الميزان وتسرد سيناريو مكتظاً بأكثر مما يكفيه من مطبّات وأزمات.

«صيف مع أمل» فاز بالجائزة الأولى

- تأملات
على نحو مماثل مُنح الفيلم الإسباني «عليك أن تأتي وتراه» (You have to Come and See It) ليوناس ترويبا، جائزة لجنة التحكيم الكبرى. حكاية في نحو ساعة واحدة تنتقل بين ثلاثة مواقع فقط وتدور حول شخصيات تتسمّر الكاميرا طويلاً عند كل منها كما لو أن هذا سيخلق أسلوباً مثيراً للاهتمام.
في مطلع الفيلم هناك المشهد الذي يتم فيه تقديم الشخصيات الأربعة الأساسية: سوزانا وشريك حياتها غويلرمو، اللذان ينتظران طفلهما الأول، وإيلينا وصديقها دانيال. الثنائي الأول يدعو الثاني إلى زيارة منزلهما في الريف. ننتقل إلى الريف مع إيلينا ودانيال بعد فترة زمنية لنكتشف أن سوزانا خرجت من المستشفى بعدما خسرت وليدها. المزاج يبدأ بالتغير من هذه اللحظة ويزداد مع ملاحظة أن الزوجين ليسا سعيدين كما توقعا عندما تركا المدينة إلى الريف.
هناك رغبة في إثارة نواحٍ تأملية في الحياة ومساراتها الحاضرة وكيف أن الطبيعة هي الملاذ الأخير، لكن هذه الرغبة تبقى تحت طيّات ركام من الملاحظات البطيئة والحوارات التي لا تترك مجالاً كافياً لصمت جميل في البيئة التي يعرضها الفيلم ثم يعارضها.
هناك فيلم نال جائزتين مستحقتين هو «الكلمة» للتشيكية بييتا باكانوفا. هذه الدراما التي تقع أحداثها في الستينات، منحت مخرجة الفيلم جائزة أفضل إخراج ومنحت الممثل الأول مارتن فينغر، جائزة أفضل تمثيل رجالي.
هذه الدراما من تلك التي جنحت لسرد حكايات السنوات البعيدة عندما كانت تشيكوسلوفاكيا تحت حكم النظام السابق. ما إن شعر الاتحاد السوفياتي في صيف 1968 بأن هناك حركة قوية لتغيير الوضع حتى قام بالزحف على مدينة براغ لتضعه ونظامها الرسمي تحت الوصاية.
لا يعمد «الكلمة» لإدانة مباشرة أو خطابية. بديل ذلك بالنسبة إليه هو سرد حكاية عائلة من زوجين وطفليهما، في عام 1968. يكتشفان أن المستقبل لا يبدو سائراً حسب ما توقّعاه. الزحف على مدينة براغ قد يكون فعلاً لا علاقة وطيدة لهما به، لكنه سحاب أسود تختار المخرجة باركانوفا وضعه في إطار حكاية شخصية أولاً.

مشهد من فيلم «العم»

- حكاية فاسلاف
مثل «عليك أن تأتي وتراه»، يبدأ «الكلمة» بمشهد داخلي طويل الأمد (نحو عشر دقائق). على عكسه هو أكثر تنويعاً في اللقطات والممثل الرئيسي فيه يمتلك الدفّة مؤسساً لنفسه وللحكاية معاً. إنه كاتب عدل يحاول حل قضية زوجين وإرث عالق. إلى مكتبه - يدخل رجلان قدما إليه من دون موعد مسبق وجلسا على مقعديهما من دون دعوة ثم كشفا عن سبب الزيارة: طلبت منهما قيادة الحزب الشيوعي مقابلة المحامي، اسمه فاسلاف (مارتن فينغر)، وحثّه على الانضمام إلى الحزب. الطلب ليس سؤالاً عما إذا كان يريد الانضمام أو حتى إبداء رغبة في هذا الصدد، بل إصرار على هذا الانضمام. يكرران له بأن الحزب يتغيّر وإنه لم يعد صاحب اليد الحديدية المعروفة عنه. لكن فاسلاف يمانع رغم الإلحاح. حجّته أنه لا يكترث للانضمام إلى أي جهة سياسية وإن جدول أعماله مزدحم ولن يستطيع توفير الوقت المطلوب ليكون عضواً فاعلاً.
هذا من قبل الغزو السوفياتي الذي سيقلب الوضع الشخصي رأساً على عقب. فاسلاف الملتزم بكلمته ومبادئه مذهول من احتلال براغ. زوجته فيرا (غابرييلا ميكولكوفا) تنتقل في اتجاه معاكس. حين نتعرّف عليها أولاً، نجدها زوجة بيت مثالية. القرارات ملك زوجها والاهتمام به وبالأولاد وكل المسائل هي كل ما تهتم به وعن قناعة. لكن الأزمة السياسية تحوّلها إلى الموقع الذي كان زوجها يحتلّه.
هناك مطبّات في السيناريو يقع فيها هذا الفيلم من هذه النقطة وصاعداً، النقلة لرجل يهبط وامرأة تصعد كانت بحاجة لإظهار مبرر أقوى. فالرجل كان رفض الانضمام، وهذا بات وراء ظهره، لكن الأحداث تحوّله، بلا مبرر كاف، إلى رجل خائف مما يتيح لزوجته امتلاك القيادة.

- العمّ العائد
إلى ماضي أقرب قليلاً من الستينات، يتقدّم «العم»، لأندريا ماردشيس وديفيد كاباش، بخطى متعرجة لسرد حكاية كوميدية سوداء حول عائلة تنتظر عودة عمّ غائب للاحتفال بعودته. العودة تطول كذلك مدّة عرض الفيلم، ولو أنه يبقى مثيراً للمتابعة ما بين مرحلة وأخرى.
تقع الأحداث في سنة 1980 عندما كانت الدولة اليوغوسلافية ما زالت قائمة (الفيلم من إنتاج كرواتي وصربي). يبدأ الفيلم بتعريفنا بزوجين وابنهما الشاب وهم يحاولون تجهيز كل شيء قبل وصول العم عائداً من ألمانيا. هذا التجهيز يتضمن الكثير من التعليمات التي تبدو لنا غير مؤهلة لتكوين مشاهد كثيرة ومن حسن الحظ أن العم لا يتأخر بعد ذلك كثيراً. لا يصل في الموعد المحدد ولا في الموعد اللاحق، وهذا ما يترك للعائلة وقتاً تنشده للتمارين على حفل استقبال. وصوله مناسبة الفيلم للتحوّل إلى ما هو أجدى: لقاء بين عائلة تعيش في الماضي وبين عمّ عاد لتوّه منتمٍ إلى عالم أكثر تطوّراً. الفرحة تصبح توتراً والتوتر يكشف عن متضادات، وسريعاً ما يبدو العم كما لو أنه من سيمتلك زمام الأمور حتى في رحى تلك الأيام القليلة قبل عودته إلى حيث جاء.
بعض ما يرد في الفيلم مهم ومثل «الكلمة» تبقى السياسة خارج العرض لكنها في الظلال على أساس أن العائد أكثر علماً وإدراكاً بالفروقات بين كيف يعيش الناس تحت حكم السُلطة وكيف يعيشون في الخارج. لكن العم ليس ملاكاً ولا حتى رجلاً نظيفاً وعفيفاً. هذا الإيضاح بدوره موحى به وليس واضحاً.
أفضل منه الفيلم الياباني «ساحل بعيد» (A Far Shore) لماساكي كودو. مؤلم في معظمه لأنه يتناول حكاية زوجة ابتليت بزوج يسرق مالها ويشرب به. تعمل مرافقة سهرات لكنها، كسواها، هي رفيقة سهر وليس أكثر من ذلك إلى أن يضربها زوجها ذات يوم بقسوة تاركاً إياها بوجه مشوّه وغير قادرة على العمل. بعد فترة النقاهة تجد أن الطريق الوحيد أمامها، وقد تم القبض على زوجها إثر مشاجرة أخرى، هي التحوّل إلى «مومس». الأمور تهبط سلّماً لا نهاية له منتقلة من السيء إلى الأسوأ، والمخرج يقصد أن يدفع بوضع اجتماعي موجود في بلد ينتمي إلى الحداثة، وبذلك يتحدّث عن الجانبين الشخصي والاجتماعي.
الفيلم ثقيل الوطأة منذ بدايته، لكن اختيارات المخرج من المشاهد ليست عبثية، بل تقترح سينمائياً جديداً (هذا ثاني فيلم له) قد يترك وقعاً أفضل في الأعوام القليلة المقبلة.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)

افتتح مهرجان «البحر الأحمر» دورته الخامسة، يوم الخميس، بفيلم بريطاني الإنتاج عنوانه «عملاق» (Giant)، ويستمر حتى 13 من الشهر الحالي، كاشفاً عن 139 فيلماً تتوزّع على 13 قسماً، من بينها مسابقات لأفلام طويلة وأخرى قصيرة تهدف إلى نيل جوائز المهرجان الرسمية حال إعلان النتائج في الليلة الأخيرة من الدورة.

«عملاق» اختيار صائب على مستويين: الأول أنّه العرض الثاني فقط عالمياً، إذ سبق لمهرجان «لندن السينمائي» أن كشف عن الفيلم في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. والثاني أنّه فيلم يعجب المشاهدين العرب كونه يتحدّث عن ملاكم من أصول يمنية نشأ في بريطانيا، وما مرّ به من معاناة منذ صباه ليصبح بطلاً عالمياً في الملاكمة معروفاً باسم «ذَ برنس». كون الحكاية حقيقية وليست مؤلَّفة، والشخصية مسلمة وممثلها (أمير المصري) كذلك، وكون الفيلم يتحدّث إيجابياً عن عربي شقّ طريقه من القاع إلى القمّة، كفيل بأن يحقّق بين الحاضرين اهتماماً كبيراً، إن لم يكن إعجاباً أيضاً.

أمير المصري في «عملاق» (ملف مهرجان البحر الأحمر)

قسم سعودي خاص

لكن باقي الأفلام المنتخبة لا تقلّ إثارة للاهتمام، وهي موزّعة على الأقسام الثلاثة عشر على النحو التالي: 18 فيلماً في المسابقة الدولية، 12 فيلماً في قسم «اختيارات عالمية»، 5 أفلام في قسم «روائع عربية»، و46 فيلماً قصيراً من بينها 22 فيلماً سعودياً و24 في مسابقة عالمية.

هناك 10 أفلام في قسم «رؤى البحر الأحمر»، و3 في «السينما العائلية» (بينها فيلمان كرتونيان).

الأفلام السعودية الطويلة لها قسم خاص مؤلّف من 5 أفلام جديدة هي: «رأيت رسم الرمال» لعبد الله الحمدي، و«دوائر الحياة» لخالد الدسيماني، و«نور» لعمر المقرّي، و«سبع قمم» لأمير الشنّاوي، وفيلم آخر من إنتاج سعودي ناطق بالإنجليزية هو «المدّ البشري» (Human Tide) لديڤيد وورد.

تحت قسم بعنوان «كنوز البحر الأحمر» تطالعنا 6 أفلام، من بينها «عايدة» لأحمد بدرخان (1946). ثم هناك ما يُعرف بـ«عروض خاصة»، وهو عبارة عن فيلمين يشهدان اهتماماً دولياً حالياً، هما «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية و«صراط» لأوليڤر لاكس.

تحت اسم «روائع عالمية» 6 أفلام، بينها فيلم الافتتاح. ومنها الفيلم الفرنسي «ساحر الكرملِن» أوليڤييه أساياس، والفيلم السعودي الناطق بالإنجليزية «محاربة الصحراء» (Desert Warrior) لروبرت وايات، ومن بطولة أنطوني ماكي وعائشة هارت وغسان مسعود وبن كينغسلي.

افتتح المهرجان دورته الخامسة أمس بالفيلم البريطاني «عملاق»

إطلالات عربية

بعض هذه الأقسام، مثل مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة وقسم «الأفلام السعودية» و«روائع عربية»، تتميّز بأن ما تعرضه ينتمي فعلاً إلى عنوانه. لكن هناك أقساماً أخرى كان يمكن الإقلال من عددها، لأن الأفلام التي تعرضها تستطيع التمركز في أقسام شبيهة. على سبيل المثال، ما يتكوّن منه قسم «رؤى البحر الأحمر» لا يختلف كثيراً عن «عروض خاصة» أو «روائع عالمية».

هذه الملاحظة وردت هنا قبل عامين، لكنها ما زالت مطروحة، خصوصاً أنّ الناتج بالنسبة للجمهور هو الالتفاف حول عنوان الفيلم وليس حول القسم الذي يُعرض فيه. وكلما توحّدت العناوين تحت أقسام أقلّ، سَهُل اكتشافها واختيارها.

أما من حيث التنوّع في موضوعات الأفلام، فإن ذلك مؤمّن بالاختيارات التي عملت عليها إدارة المهرجان طويلاً.

فيلم شهد أمين «هجرة» (ملف مهرجان البحر الأحمر)

ولأنّ القضية الفلسطينية بقيت على محكّ الاهتمام العربي والعالمي طوال العام الحالي، فمن الطبيعي أن يستقبل المهرجان السعودي الفيلمين اللذين يقدّمان تعريفاً للعالم بأصول هذه القضية، كما يفعل «فلسطين 36» لآن ماري جاسر المعروض في قسم «روائع عربية»، و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية «عروض خاصة».

هناك فيلم ثالث عن الموضوع الفلسطيني هو «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، الذي يعرض دراما تقع أحداثها في فلسطين ما بين 1948 و2022.

هذا يدلف بنا إلى أفلام عدّة من المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة التي تحفل بأعمال مهمّة.

المخرجة السعودية شهد أمين تودِع المسابقة فيلمها الروائي الطويل الثاني «هجرة»، الذي سبق عرضه في مهرجان «ڤينيسيا».

المخرج العراقي محمد جبارة الداجي يعرض «إكالا حلم كلكامش» في المسابقة الرئيسية، ويشاركه طموح الفوز كلٌّ من اللبنانية سيريل عريس عبر «نجوم الأمل والألم»، والمصري أبو بكر شوقي في «القصص»، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس (إنتاج مشترك ألماني - قبرصي - فلسطيني)، و«يونان» لأمير فخر الدين، و«غرق» لزين الدريعي (إنتاج سعودي - أردني - قطري - فرنسي مشترك). ومن الصومال فيلم «بارني» الفيلم الروائي الطويل للمخرج محمد شيخ.

أما قسم «روائع عربية»، المشكَّل من 5 أفلام من بينها «فلسطين 36» كما تقدّم، فيعرض 4 أفلام أخرى تستحق الاكتشاف، هي: «المجهولة» لهيفاء المنصور (السعودية)، و«جوازة ولا جنازة» لأميرة دياب (مصر)، و«رهين» لأمين الأخنش، و«مسألة حياة أو موت» لأنس باطهف (والفيلمان سعوديان).


شاشة الناقد: عن الزمن والطبيعة في فيلمين أحدهما أنيميشن

«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: عن الزمن والطبيعة في فيلمين أحدهما أنيميشن

«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)

NIMUENDAJÚ ★★★★

* إخراج: تانيا أنايا

* البرازيل | أنيميشن

* عروض 2025: مهرجان أنيسي للرسوم

تُحيك المخرجة البرازيلية تانيا أنايا فيلمها الأنيميشن بعيداً عن معظم التجارب في هذا النوع من الأفلام. هو ليس عن حيوانات ناطقة ولا بطولات بشرية خارقة. ليس عن عالم آخر بعيداً عن الأرض ولا عن مخلوقات تخرج من البحر. ما هو عليه دراما مستوحاة من واقع الاضطهاد الذي عانى منه المواطنون الأصليون للأمازون، وكيف تم إقصاؤهم بعيداً عن مواطنهم، وارتُكبت بحقهم مجازر وحملات تهجير إحدى القبائل الهندية (بباشتسبا) على الأراضي التي عاشوا فوقها منذ تاريخ بعيد.

تقع الأحداث في مطلع الأربعينات (ثم تنتقل عبر أزمنة وتواريخ أخرى)، وبطلها عالم ألماني في التاريخ البشري اسمه كيرت أونكل، زار في مطلع الأربعينات من العقد الماضي بعض مواطني منطقة الأمازون، ووقع في حب الحياة البسيطة وتعلّم اللغة ودافع عن حقوق القبائل أمام السلطات البرازيلية المتعاونة مع أصحاب النفوذ والمشروعات الاستثمارية.

«نيموندايو» هو الاسم الذي أطلقه المواطنون على كيرت الذي يواصل السعي للدفاع عن حقوقهم. خلال العيش في قراهم الطبيعية تعلّم لغتهم ومارس شعائرهم وأصبح واحداً منهم. أبيض البشرة نعم، لكنه كسب احترامهم وتقديرهم لما يقوم به.

كان يمكن للمخرجة سرد حكاية من بطولة أحد أفراد تلك القبائل، لكن ذلك كان سينقل الفيلم إلى وضع آخر. اختيارها تقديم حكاية كيرت أونكل صائب، من حيث إنه الصوت العقلاني في مواجهة أترابه من البيض الذين يرتكبون حرب إبادة. بذلك هو فيلم يحمل قضيته في قلبه ويتحاشى المبالغة فيها من خلال ربطها بوقائع فعلية.

كل ذلك كان يمكن أن يمر بتأثير أقل كثيراً مما جاء عليه الفيلم، لولا أن ما ترسمه المخرجة أنايا مذهل في فنه. صورها دقيقة في تفاصيلها وجميلة في تموضعها الانسيابي المتوافق مع طبيعة المكان. هو فيلم روائي مُمارَس في رسمه وتوليفه كما لو كان فيلماً حيّاً مع ممثلين من البشر. وهي تجيد لا رسم الطبيعة فقط، بل رسم البيئة البشرية لأبناء تلك المناطق وبأسلوب يدفع المُشاهد صوب متابعة بصرية فريدة.

TRAIN DREAMS ★★★ و1/2

* إخراج: كلينت بنتلي

* الولايات المتحدة | دراما

* عروض 2025: موسم الجوائز الحالي

تكشف قراءة رواية دنيس جونسن المنشورة سنة 2011 التي استلهمها المخرج بنتلي لفيلمه هذا عن اختلافات عدّة؛ أولها يكمن في مطلع الكتاب عندما يجرُ عدد من عمال قطع الأخشاب عاملاً صينياً (أدّاه ألفرد سينغ) إلى حافة الجبل ورميه من علٍ حيث لقي حتفه. بطل الرواية غرانيير (جووَل إدغرتون) يشترك في عملية القتل، لكن المخرج يؤثر أن يتابع غرانيير ما يدور من دون الاشتراك فعلياً فيه. لاحقاً، على صفحات الكتاب، يعبّر غرانيير عن شعوره بالذنب، وهذا الشعور هو الذي يبقى في الفيلم رغم أن لا يد لبطله فيما حدث. العامل الصيني يتراءى له، لكن بما أن غرانيير لم يشارك في الجريمة فإن تكرار ظهور ذلك الصيني ونظرته العاتبة، كونه لم يفعل شيئاً للحؤول دون مقتله، يُثير بعض التعجّب عوض الإعجاب.

«أحلام قطار» (بلاك بير بيكتشرز)

الرواية والفيلم يقعان في رحى الأربعينات، ويدوران حول ذلك الرجل الذي وُلد يتيماً في بعض جبال ولاية واشنطن وترعرع منتقلاً من عمل إلى آخر إلى أن بدأ يعمل في قطع الأشجار في جبال الولاية الشمالية الباردة.

تزوّج وأنجب، لكن حريقاً كبيراً التهم الكوخ الذي عاش فيه. حين تفقّد المكان لم يجد أثراً لزوجته أو لابنته، فينعزل منتظراً عودتهما إلى أن يدرك، بعد سنوات، أنه كان حالماً.

هي قصة حزينة صنع منها المخرج فيلماً شجونياً مستفيضاً وهادئاً ومقنعاً. هناك تعليق صوتي من الراوي (كما في الكتاب) يتكفّل بشرح موجز لمراحل زمنية لا يرغب المخرج في تخصيص الوقت لها، وفي هذا الإطار يعمد إلى إيجاز ناجح. الفيلم بأسره متابعة لحياة رجل ما إن وجد السعادة ممثّلة في أسرته الصغيرة حتى فقدها ليعود إلى العزلة الداخلية التي كان يشعر بها. هو شخص محمَّل بما يوخز ذاكرته وضميره. ذاكرة تحتوي موت بعض رفاق العمل الآتين، مثله، من خلفيات مقفرة من البهجة، ويموتون على هذا الوضع.

هناك مجال في الفيلم للحديث عن الزمن والطبيعة وقطع الأشجار التي وُلدت قبل مئات السنين والتغيير البيئي الذي تُحدثه. لكن قطعها هو سبيل رزق وحيد لمجموعة من الرجال عليهم التعايش مع هذا الوضع ضمن ظروفه الصعبة على الجسد والروح.

ما لا يحققه الفيلم هو الغاية من وراء سرد حكايته. فيلم جميل عن رجل وحيد، بمعالجة دافئة وتمثيل ممتاز من بطله. وهو فيلم وجداني، لكن المفاد الذي تضمنته الرواية (وهو مفاد اجتماعي وسياسي وزّعه جونسن على شخصيات مختلفة) غائب في الفيلم رغبة من مخرجه في الالتزام فقط بمأساة بطله في مراحل مختلفة. ينجح في هدفه هذا ويخفق في تعويض ما قرر تغييبه.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


أسرار في علاقة مهرجانات السينما والأوسكار

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
TT

أسرار في علاقة مهرجانات السينما والأوسكار

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)

قبل زمن غير بعيد، لنقل نحو 23 سنة، لم تكن العلاقة بين المهرجانات السينمائية الدولية وحفل الأوسكار بمثل هذه المتانة التي تتجلى اليوم.

كانت جوائز الأوسكار المخصصة للأفلام ومخرجيها تبدو أكثر استقلالاً عما هي عليه الآن. كانت حفلاً أميركياً منفصلاً إلى حد كبير عن جوائز المهرجانات والمناسبات الأخرى.

على سبيل المثال، لم يمر الفيلم الفائز بالأوسكار سنة 1996 «قلب شجاع» (Braveheart) على أي من المهرجانات الأوروبية الثلاث برلين، وكان وڤينيسيا. كذلك حال الأفلام الأربعة التي نافسته وهي «أبوللو 13» و«بايبي» و«ساعي البريد» و«العقل والعاطفة» (Sense and Sensibility). رغم أن بعض هذه الأفلام عرضت في مهرجانات أميركية محدودة الشهرة والإقبال مثل «لوس أنجليس فيلم فستيڤال» و«سياتل فيلم فستيڤال».

في 1998 تم اختيار خمسة أفلام للتنافس على جائزة «أفضل فيلم أجنبي» لم يكن من بينها ما عرضه مهرجان أوروبي كبير بما في ذلك الفيلم الفائز حينها «كاركتر» (Character) الآتي من هولندا. بقية أفلام تلك الدورة في هذا القسم كانت الفيلم الروسي «اللص» والفيلم البرازيلي «أربع أيام من سبتمبر» والإسباني «أسرار القلب» والألماني «ما بعد الصمت». هذه كلها انتقلت من بلدانها على نحو مباشر باستثناء ما عُرض منها في مهرجانات صغيرة.

هذا المنوال استمر حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي. بعض الأفلام المتسابقة في الفئتين، «أفضل فيلم» و«أفضل فيلم أجنبي» (تغيير اسمها إلى أفضل فيلم عالمي) شهدت عروضها الأولى في «ڤينيسيا» أو «كان» لكن على نحو محدود.

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)

تغيير اسم مسابقة «أفضل فيلم أجنبي» كشف عن محاولة أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الإعلان بأنها أكثر عالمية مما كانت عليه، وتبع ذلك الإكثار من الأفلام الأجنبية في المسابقة الأساسية لأفضل فيلم.

أربع مزايا

ما نشهده حالياً هو أن النسبة الغالبة من الأفلام التي تدخل سباقات الأوسكار تم عرضها المهرجانات الدولية خصوصاً «كان» الفرنسي و«ڤينيسيا» الإيطالي. المنافسة بين هذين المهرجانين لتبوأ المركز الأول في عدد الأفلام التي أطلقها كل منهما وحطّت في سباق الأوسكار، حاضرة بزخم غريب كما لو أن الأوسكار هو ذراع لهما وأن ما يعرضه أي من هذين المهرجانين (وإلى حد أقل برلين) هو بالضرورة ما يجب على أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبوله.

إليهما (كان وڤينيسيا) ينضم مهرجانا صندانس الأميركي وتورنتو الكندي و-نظرياً- أي مهرجان آخر اختارته الأكاديمية لقبول أفلامه حين إرسالها إليه.

هناك أربعة شروط لانتخاب المهرجان- الشريك:

* أن يكون ذا تاريخ بالغ النجاح حجماً وإقبالاً.

* أن يكون مهرجاناً مُقاماً في عاصمة أو مدينة كبيرة في بلد معروف بوفرة إنتاجه وتعدد ثقافاته.

* أن يتم عرض الفيلم في صالات المهرجان المتاحة للجمهور.

* أن يتمتع المهرجان بالقدرة على جذب محترفي العمل السينمائي من مخرجين ومنتجين ونقاد سينما.

بذلك، لا عجب أن المهرجانات العربية ليست في هذا النطاق. وهي ليست وحدها، فمن بين أكثر من 5 آلاف مهرجان وتظاهرة ثانوية هناك 50 أساسية لبلدانها وأقاليمها ومن بين هذه هناك 10 أكثر أهمية من سواها، ومن هذه لدينا تلك المهرجانات التي باتت تؤلف الشريان الرئيسي لما يختاره الأوسكار لدخول مسابقاته وهي ڤينيسيا وكان وتورنتو وصندانس وبرلين (أحياناً لوكارنو ونيويورك).

مسافة زمنية فقط

في تصريح للمدير الفني لمهرجان مراكش، ريمي بونوم، على أعتاب دورته الجديدة التي انطلقت في الثامن والعشرين من هذا الشهر ذكر أن موعد إقامة المهرجان في نهاية كل عام يجعله على مسافة قريبة من سباق الأوسكار وأن دورة المهرجان الثانية والعشرين الحالية التي تستمر حتى السادس من ديسمبر (كانون الأول)، تحتوي على العديد من الأفلام التي دخلت سباق الأوسكار المقبل في فئة الأفلام العالمية.

«زنقة مالقا» (فيلمز بوتيك)

بالفعل، هناك، مثلاً، «فلسطين 36» لماري آن جاسر و«كعكة الرئيس» لحسن هادي و«زنقة مالقة» (Calle Malaga) لمريم توزاني التي دخلت المرحلة الأولى من الترشيحات. لكن المسافة القريبة بين مهرجان مراكش والأوسكار هي فقط زمنية وهذا حال كل المهرجانات العربية التي تعني باختيار أفلام يتم الإعلان عنها مسبقاً كاحتمالات دخول مسابقة «أفضل فيلم عالمي» وقد لا تدخل. في هذا النطاق فإن مهرجانات السينما كافّة تنتظر إعلان القائمة الكاملة للدول التي أرسلت ترشيحاتها من الأفلام وتم قبولها. عند هذه النقطة يبدأ شغل مهرجانات الأشهر الأخيرة من السنة لعرض ما تم قبوله عند تلك المرحلة الأولى.

من ڤينيسيا إلى الأوسكار: «فرنكنستاين» (نتفلكس)

في أفضل الأحوال فإن عرض أفلام من هذه القائمة الأوّلية أقرب لتحية تلويح باليد من المهرجان العربي، أياً كان، للأوسكار. هذا، بدوره، لن يلحظ هذه التحية ولن ير إلا تلك المهرجانات الغربية الرئيسية المعتمدة لديه.

ما يستفيده المهرجان العربي المنشغل بعروض أفلام عربية أو أجنبية قد تصل إلى الشوط الثاني من السباق الأميركي هو إتاحة الفرصة أمام الجمهور المحلي للتعرّف على هذه الأفلام وتسجيل دعاية إعلامية لا تُغادر المنصّات العربية.

حلقات

المقارنة بين هذا المنوال المتواضع من العلاقة بين المهرجان العربي والأوسكار، وبين ما يحدث في إطار العلاقة بين هذا الأخير والمهرجانات الدولية موضوع لا بد من طرحه.

مهرجانات السينما ذات الحجم والأهمية الدولية تمتلك، تلقائياً، عدة مقوّمات تساعدها على تبوؤ هذه المكانة.

على سبيل المثال، استقبال عشرات المنتجين والموزّعين والفنانين والمخرجين يشكّل عملياً اللقاء الأول بين أصحاب المشروعات ومنفّذيها المحتملين. هذا ينعكس، لدى الأكاديمية، حين تنظر إلى أهمية هذا المهرجان أو ذاك بالنسبة إليها.

هناك أيضاً حقيقة أن المهرجانات الكبيرة تكتسب مكانتها بقدر ما تعرضه من أفلام تنتقل بعد ذلك إلى مهرجانات أخرى وصولاً إلى موسم الجوائز في الأشهر الثلاثة المقبلة مثل جائزة الاتحاد الأوروبي وجائزة بافتا البريطانية وجائزة غولدن غلوبز الأميركية انتهاءً بالأوسكار.

بذلك يجد المخرج وصانعو الفيلم أنفسهم في بؤرة اهتمام ونشاط متواصل وثري. هذا يتم بإسهام من الصحافة العالمية ونقادها الذين يواكبون تلك الأفلام بدءاً من عروضها الأولى.

في حين كانت صناعة مخرج ما تتم بفضل الفيلم الذي حققه أساساً، بات ذلك يتحقق بفضل ذلك الإعلام الواسع الذي يضعه على السدّة ويمنحه ما يبحث عنه من تنافس شركات التمويل والإنتاج على أعماله اللاحقة خصوصاً إذا ما فاز هو أو فيلمه بجائزة أولى من مهرجان أو بجائزة الأوسكار.

شكل الأوسكار المقبل

ما يستفيد منه المهرجان كذلك هو التموضع على رأس تلك المناسبات التي تستطيع دفع الأفلام المشتركة فيها إلى سباق الأوسكار. بالنسبة لصانعي الأفلام المشاركة في المهرجانات الكبرى ذلك يعني وضع الفيلم على سكّة الأوسكار على نحو مضمون النتائج أكثر مما كان الوضع عليه سابقاً. وهو ما يفسّر التنافس القائم بين مهرجاني ڤينيسيا و«كان» على تأكيد أهميتهما كسبيل لإيصال الأفلام إلى السباق الأكبر المتمثل في جوائز الأوسكار.

هذا العام نجد أن المهرجان الإيطالي (الأكثر اهتماماً بفن الفيلم من فن تجارته) يدفع بأفلام عرضها في دورته الأخيرة سبتمبر (أيلول) باتجاه الأوسكار. في المقدّمة «فرانكنستاين» لغييرمو دل تورو و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية و«منزل الديناميت» لكاثلين بيغيلو و«بوغونيا» ليورغوس لانتيموس والفيلم الذي خطف جائزته الذهبية هذا العام وهو «أب أم أخت أخ» لجيم جارموش.

في المقابل، نجد حفنة أخرى من الأفلام دفعها المهرجان الفرنسي صوب الأوسكار بينها فيلم جعفر بناهي الفائز بالذهبية في «كان» وهو «مجرد حادث» لجانب «قيمة عاطفية» ليواكيم تراير و«تاريخ الصوت» لأوليڤييه هرمانوس و«صِراط» لأوليڤر لاكس و«العميل السرّي» لكايبر مندوزا فيلو.

في خضم المصالح المتبادلة بين كل هذه الأطراف، فإن الناتج هو تحويل جزء كبير من أفلام الأوسكار إلى استكمال لعروض المهرجانات التي سبقته.

إنه صراع لا ينتهي وتنافس على الأفضل ومصالح مشتركة تجعل الأوسكار يبدو اليوم عالمياً أكثر مما قد يتمناه البعض منا.