«التحول الأزرق» يواجه أنشطة الصيد غير المستدامة

الثروة السمكية تخسر مليارات الدولارات سنوياً

«التحول الأزرق» يواجه أنشطة الصيد غير المستدامة
TT

«التحول الأزرق» يواجه أنشطة الصيد غير المستدامة

«التحول الأزرق» يواجه أنشطة الصيد غير المستدامة

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022 سنةً دوليةً لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. ويمثل هذا الإعلان اعترافاً مهماً بملايين صغار الصيادين ومزارعي الأسماك الذين يقدمون منتجات صحية ومغذية لمليارات الأشخاص حول العالم، كما يسلط الضوء على أهمية استدامة مصايد الأسماك كإحدى القضايا الأساسية لمستقبل التنوع البيولوجي.
وتعتمد الحلول الحالية لتقليل التراجع في أعداد الأسماك وضمان ازدهار الأرصدة السمكية على لوائح الصيد الصارمة وأخلاقيات العاملين في هذا القطاع. ومع ذلك، تظهر هذه الحلول نتائج متباينة تؤكد الحاجة إلى نهج جديد لمعالجة قضايا الصيد الجائر وحماية الحياة المائية.
- تراجع في مصائد الأسماك المستدامة
تعد أنشطة الصيد غير المستدامة مسؤولة عالمياً عن خسارة 11 إلى 26 مليون طن من الأسماك سنوياً، وهي كمية تبلغ قيمتها الاقتصادية نحو 10 إلى 23 مليار دولار. ويكون النشاط غير مستدام حين تفوق الأسماك والأحياء المائية التي يتم اصطيادها في المواقع الطبيعية الكمية التي يمكن تعويضها بإنتاجها من جديد. وللحد من تأثير أنشطة الصيد المدمرة، جرى إدراجها تحت الغاية 4 من الهدف 14 الخاص ببرنامج عمل التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وهي تتضمن الدعوة إلى «تنظيم الصيد على نحو فعال، وإنهاء الصيد المفرط والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم وممارسات الصيد المدمرة، وتنفيذ خطط إدارة قائمة على العلم، من أجل إعادة الأرصدة السمكية إلى ما كانت عليه في أقرب وقت ممكن».
وكان قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية توسع بشكل كبير خلال العقود الماضية. ووصل إجمالي الإنتاج والتجارة والاستهلاك إلى رقم قياسي غير مسبوق في 2018، حيث بلغت كمية الأسماك والقشريات والرخويات والحيوانات المائية الأخرى، باستثناء الثدييات والزواحف والنباتات المائية، التي جرى صيدها في تلك السنة نحو 179 مليون طن. ومنذ أوائل التسعينيات، كان معظم النمو في الإنتاج من تربية الأحياء المائية، في حين ظل إنتاج المصايد الطبيعية مستقراً نسبياً مع بعض النمو الأساسي فيما يتعلق بالصيد الداخلي. وتعتبر التنمية المستدامة لتربية الأحياء المائية والإدارة الفعالة للمصايد ضرورية لاستمرار النمو في هذا القطاع.
ومع ذلك، فإن النجاحات التي تحققت في بعض البلدان والمناطق لم تكن كافية لعكس الاتجاه العالمي في التفريط بمخزونات الصيد. فخلال الفترة بين 1990 و2017 تراجعت نسبة الأرصدة السمكية الموجودة ضمن المستويات المستدامة بيولوجياً من 90 في المائة إلى 65.8 في المائة.
وتقدر أحدث البيانات الصادرة مؤخراً عن وزارة مصايد الأسماك الإندونيسية مخزون الأسماك في المياه الوطنية بنحو 12 مليون طن، بانخفاض مقداره 4 في المائة تقريباً عن 12.5 مليون طن جرى تقديرها في 2017. وتشير البيانات أيضاً إلى أن 53 في المائة من مناطق إدارة مصايد الأسماك الإحدى عشرة في البلاد هي مستغلة بالكامل، مما يؤكد ضرورة فرض رقابة أكثر صرامة عليها، حيث كانت النسبة في 2017 لا تتجاوز 44 في المائة.

وفيما ترى اللجنة الوطنية لبحوث الموارد السمكية في إندونيسيا أن هذه البيانات لا تعكس انخفاضاً فعلياً في مخزون الأسماك، بل تمثل تحسناً في منهجية التقييم، يقول مراقبون بحريون إن الأرقام مثيرة للقلق في ظل رغبة وزارة الثروة السمكية بزيادة الإنتاج، فيما وصلت بعض المصايد إلى طاقتها الإنتاجية القصوى. وتتضمن إحدى الخطط الرئيسية للوزارة إعادة فتح مناطق الصيد في البلاد أمام السفن التي يمولها مستثمرون أجانب، علماً أن هذه السفن كانت مسؤولة في السابق عن استنزاف مخزون الأسماك على مدار عدة سنوات. كما تدرس الوزارة تخصيص مناطق محددة للصيد ومناطق أخرى لإكثار الأسماك وحضانتها. وتمثل البحار المحيطة بإندونيسيا موطناً لأحد أكثر مجتمعات الأحياء البحرية تنوعاً في العالم. وتوظف صناعة صيد الأسماك في البلاد نحو 12 مليون مواطن. كما تسجل المياه الإندونيسية أعلى كمية إنتاج من الصيد البحري في العالم بعد الصين، ويساهمان مع بيرو والهند وروسيا والولايات المتحدة وفيتنام في نصف الصيد البحري العالمي الذي يقارب 85 مليون طن.
ولا تقتصر الهيمنة الآسيوية على الصيد البحري، إذ تسيطر القارة الصفراء منذ عقدين على الإنتاج العالمي من الأحياء المائية المستزرعة بنسبة 89 في المائة. ومن بين البلدان المنتجة الرئيسية، عززت الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام وبنغلادش ومصر والنرويج وشيلي حصتها من الإنتاج الإقليمي أو العالمي بدرجات متفاوتة خلال السنوات العشرين الماضية. وقد أدى الاستزراع السمكي إلى توسيع نطاق توافر الأسماك في المناطق والبلدان التي لديها إمكانيات محدودة أو لا تصل إلى الأنواع المستزرعة، وغالباً ما كان هذا التوسع بأسعار أرخص مما ساهم في تحسين التغذية والأمن الغذائي. وبفضل زيادة الإنتاج السمكي، والتطورات التقنية، وارتفاع مستويات الدخل، وتقليل الفاقد والهدر، وزيادة الوعي بالفوائد الصحية لتناول الأسماك، يتجه العالم أكثر فأكثر نحو الأحياء المائية كمصدر أساسي للبروتين. ومع ذلك، فإن مؤشرات التجارة في هذا القطاع تراجعت خلال السنتين الماضيتين بعد تفشي جائحة «كوفيد - 19» بسبب ظروف الإغلاق وانقطاع سلاسل التوريد.
- التحول الأزرق لتعزيز استدامة الصيد
تركز طبعة 2022 من تقرير «حالة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في العالم» على التحول الأزرق، وهو استراتيجية تهدف إلى تعزيز أنظمة الأغذية المائية وتوسيع إمكاناتها لإطعام العدد المتزايد من السكان في العالم بشكل مستدام. ويوفر هذا التقرير، الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة (فاو) كل سنتين، رؤية شاملة وموضوعية وعالمية لمصايد الأسماك الطبيعية وتربية الأحياء المائية، لصانعي السياسات والمجتمع المدني وغيرهم ممن يعتمدون على قطاع صيد الأسماك.
وكانت مبادرة التحول الأزرق انبثقت عن إعلان الفاو لعام 2021 بشأن مصايد الأسماك المستدامة، وهي تدعو إلى تكثيف تربية الأحياء المائية على نحو مستدام، وإدارة مصايد الأسماك بشكل فعال، بالإضافة إلى تطوير سلاسل القيمة الزرقاء التي توفر مصدراً إضافياً للإمداد، وتكفل الفوائد الاجتماعية والاقتصادية مع ضمان التوزيع العادل والوصول إلى الأغذية المائية.
ويعتبر التحول الأزرق لأنظمة الأغذية المائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمراً بالغ الأهمية لضمان الأمن الغذائي وسبل عيش المجتمعات. وترى الفاو أن تحقيق ذلك مرهون بجعل استدامة مصايد الأسماك الطبيعية وقطاعات تربية الأحياء المائية أولوية قصوى في جميع أنحاء المنطقة حيث لا تزال استدامة هذه الموارد تعاني من مجموعة من التحديات، بما فيها الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، وندرة الموارد المائية، فضلاً عن تأثيرات تغير المناخ.
وتعمل الفاو على عدد من البرامج التي تهدف إلى تعزيز وتسهيل التعاون الإقليمي ودعم استدامة تربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك وتحسين إدارة الموارد المائية في المنطقة. ففي الإمارات تعتبر تربية الأسماك مثالاً رائعاً على توظيف الابتكارات بنجاح، حيث تستثمر البلاد، بدعم تقني من الفاو، في الأساليب الحديثة لبناء إنتاج سمكي مستدام ومربح من شأنه الحفاظ على إمدادات الأسماك في البلاد وتحسين أمنها الغذائي. وتشمل الابتكارات أنظمة الاستزراع المائي المتكاملة وأنظمة الاستزراع المائي المعاد تدويرها، التي تسمح بإكثار أنواع كالسلمون والهامور في وسط الصحراء. وفي الجزائر ومصر وعمان وبلدان أخرى، حيث تعاني الأراضي الصالحة للزراعة من مشاكل التملح والتآكل ونقص المغذيات، تعتبر الزراعة المائية وتربية الأحياء المتكاملة التي تلحظ الاستفادة من مياه تربية الأسماك في إنتاج الخضار والفواكه والمواد الغذائية الأخرى حلاً لمشكلة الأراضي غير المضيافة أو غير الصالحة للاستخدام.
من وجهة نظر كثيرين، يمكن اعتبار مواطن المجموعات السمكية غير المستزرعة مشاعاً للجميع، رغم أنها مورد محدود، حيث لا يمتلكها أحد ولا توجد مطالبات بها ذات أساس قانوني. وفعلياً، بمقدور أي شخص أن يصطاد الأسماك من المحيط مما يجعل المجموعات السمكية عرضةً للاستغلال المفرط.
وتظهر تجربة منظمة «إن سيزون فيش»، التي تنشط في الهند وتدعم استدامة المصايد السمكية وحماية المحيطات، أن الاستهلاك الأخلاقي للمأكولات البحرية يتعلق أولاً بالمواطنة والعمل الجماعي وبنية المجتمع. ومن أجل ذلك، قامت المنظمة بإنشاء دليل للمأكولات البحرية في الهند بأكملها يقدم توصيات حول أنواع الأسماك التي يفضل استهلاكها. ويزيد هذا الدليل من شفافية إمدادات المأكولات البحرية، ويناقش الآراء حول أنواع الأسماك غير المرغوبة في البلاد.
لا يمكن التعويل فقط على تقييد ممارسات الصيد وأخلاقيات الأفراد لتحقيق هدف الصيد المستدام، بل يجب النظر أيضاً إلى سلسلة إمدادات الأسماك، من الصيادين إلى الوسطاء وانتهاءً بالمستهلكين، كسلسلة متكاملة ودراسة كيفية ارتباط حلقاتها بعضها ببعض. وفي الوقت ذاته، يجب تعزيز الإدارة السليمة للمصايد السمكية، ودفع التقدم التقني الذي يدعم الأمن الغذائي ويزيد الإنتاج على نحو مستدام.


مقالات ذات صلة

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي غزة أصبحت أنقاضاً وركاماً بسبب الحرب (أ.ب) play-circle

تلال القمامة وتسرب الصرف الصحي حلقة جديدة في سلسلة المآسي بغزة

لم تقتصر تبعات الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة على الأنقاض في كل مكان، إذ جاءت أكوام النفايات لتشارك في مشهد الدمار برائحتها الكريهة والذباب الكثيف.

«الشرق الأوسط» (غزة)
بيئة ماشية تسير على طول منطقة تمت إزالة الغابات منها بشكل غير قانوني في محمية بالقرب من جاسي بارانا بولاية روندونيا في البرازيل 12 يوليو 2023 (أ.ب)

الإنتربول يعلن عن حملة عالمية جديدة لمكافحة الإزالة غير القانونية للغابات

أعلن الإنتربول وشركاؤه، اليوم (الأربعاء)، عن إطلاق حملة إنفاذ قانون عالمية تهدف إلى تفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراء قطع الأشجار غير القانوني.

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)
يوميات الشرق الباحثون حدّدوا أكثر من 95 سلالة بكتيرية طورت مقاومة للمضادات الحيوية تعيش على أعقاب السجائر (رويترز)

دراسة: أعقاب السجائر تُغذي نمو «البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية»

حذّر علماء من أن أعقاب السجائر المُهملة قد تُسهم في ظهور مقاومة للمضادات الحيوية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق لقطة من طائرة من دون طيار تُظهر دلافين تسبح في المياه البرازيلية (رويترز)

دراسة: البشر قد يكونون سبباً في إصابة الدلافين بمرض يُشبه ألزهايمر

حذَّر علماء في دراسة من أن ازدهار الطحالب الناجم عن تصريفات مياه الصرف الصحي قد يُسبب لدى الدلافين نفس نوع تنكس الدماغ الذي يُلاحظ لدى البشر المصابين بألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.