يعمل الصحافي في اليمن بجميع المدن والمحافظات، لا سيما المحافظات الشمالية، في وضع لا يحسد عليه عند تغطيته للأحداث في ظل ملاحقات من قبل جماعة الحوثي المسلحة لجميع الصحافيين الذين يبحثون عن نقل الحقيقة أيًا كانت وفي ظل انقطاع الكهرباء المستمر منذ شهرين، ولا تأتي إلا ما يقرب من ساعة واحدة كل 48 ساعة إن حالفك الحظ، إضافة إلى انعدام المشتقات النفطية؛ الأمر الذي أصبح معاناة يومية حقيقية يعيشها الصحافي اليمني إما مطاردًا وإما مغيبًا خلف القضبان والسجون السرية.
ويقبع في المعتقلات الحوثية، في الوقت الراهن، عدد من الصحافيين اليمنيين من جميع المدن اليمنية الذين اعتقلتهم الجماعة بسبب تغطيتهم للأحداث الحالية في البلاد وما يقوم به المسلحون الحوثيون من انتهاكات وملاحقات وغيرها، وكذلك نقلهم لأخبار وتقارير عبر الإعلام المرئي والورقي والإلكتروني عن المواقع التي استهدفها طيران التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، والمقار العسكرية الخاصة بجماعة الحوثي المسلحة والرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ويستخدم المسلحون الحوثيون جميع المعتقلين بمن فيهم الصحافيون اليمنيين دروعا بشرية في المعسكرات ومخازن الأسلحة التي باتت أهدافا لطيران التحالف، كما حدث في العمل الإجرامي الآثم والأليم الذي راح ضحيته الصحافيان عبد الله قابل ويوسف العيزري، جراء استخدامهما من قبل المسلحين الحوثيين دروعًا بشرية في أحد المعسكرات بمحافظة ذمار، جنوب العاصمة صنعاء.
منذ 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، لم يسبق أن عمل الصحافيون اليمنيون في وضع كالوضع الراهن تحيطهم الميليشيات المسلحة من كل جانب، كما هو حاصل الآن في العاصمة صنعاء وجميع المحافظات اليمنية، ويعيشون في زمن تحكمهم الميليشيات المسلحة بقوة السلاح.
ويقول الصحافي عبد الحفيظ الحطامي لـ«الشرق الأوسط»: «شخصيا أعيش كصحافي وأنا موقن بالموت على يد هؤلاء، المسلحين الحوثيين، أعرف أنني لن أصل إلى أطفالي، بسبب عملي الصحافي فقدت أهلي وبيتي طيلة شهرين بسبب كتابتي لتقرير صحافي، فمنذ 21 من سبتمبر الماضي وفي الوقت الذي كان اليمنيون يتطلعون فيه لدولة مدنية ناضلوا لأجلها في ثورة ١١ من فبراير (شباط) الماضي إذا بالانقلابيين الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ينقلبون على الحياة العامة لليمنيين وينقلبون على كل القيم والحريات العامة والأسس الوطنية والجمهورية والثورة لتبدأ مرحلة استثنائية في حياة اليمنيين أستطيع أن أقول إنها كانت كارثة على الإعلاميين والعمل الصحافي والحقوقي في اليمن».
وأضاف: «شخصيا أنا وزملائي فوجئنا بأننا مطلوبون لميليشيات الحوثي والمخلوع صالح وتمت محاصرة منزلي منذ شهرين، حتى حديثي معك الآن، وما زلت مشردا عن بيتي وعائلتي متنقلا من كان لآخر ليتسنى لي العمل ما تيسر في الصحافة التلفزيونية والإلكترونية، وتمت ملاحقة أطفالي وتهديدهم عبر صفحات (فيسبوك) كما لا يزال الزميل بسيم الحناني مراسل (المصدر أون لاين) وقناة (يمان) مطاردا هو الآخر وعدد من الصحافيين الذين رفضوا الانصياع لآرائهم وتشبثوا بالحرية والمواطنة والحوار والشرعية والحقوق المدنية، ولا يزال الكثير من الإعلاميين ملاحقين ومهددين بالتصفية الجسدية منهم أنا والزميل بسيم الحناني».
وأكد الصحافي الحطامي: «هناك أكثر من ٥٠ معتقلا لدى الحوثيين لهم علاقة بحرية الرأي والتعبير من حقوقيين وإعلاميين وسياسيين وناشطين في ثورة الشباب وقادة منظمات مجتمع مدني اختطفوا وأودعوا في سجون خاصة بتهمة ما تطلق عليه سلطات الانقلاب بالتحريض عليها فقط لأن هؤلاء كانوا إلى جانب الشرعية وعبروا عن رفضهم للانقلاب والممارسات القمعية، وحتى هذا اللحظة يقوم المدعو أبو عماد الذي احتل إذاعة الحديدة وألغى كافة برامجها وتخصص في برامج لشتم واللعن ومهاجمة الإعلاميين والتحريض عليهم وتهديدهم بالتصفية والقتل والاختطاف بصورة لم يسبق لها مثيل».
ومع وضع جماعة الحوثي المسلحة قائمة من الصحافيين بأنهم مطلوبون أمنيا بسبب كتاباتهم أو ظهورهم على القنوات الإخبارية، يقول عبد الحفيظ الحطامي لـ«الشرق الأوسط»: «اتصلت بي قناة إعلامية للحديث عن الأوضاع في الحديدة، وبعد انتهائي من المقابلة أجد أطقم الحوثيين تبحث عن منزلي وتتبعني ما يجعلني أغادر الحديدة لأسابيع وسط خوف ورعب أهلي وأطفالي. ولم يسبق لي أن عشت أجواء الرعب هذه، وخاصة أن منظمات صحافية دولية وإقليمية، وكذا حقوقية، تقف متفرجة إزاء الحريات الصحافية في اليمن؛ الأمر الذي جعل الكثير من الصحافيين العمل في ظروف بالغة القسوة مفعمة بالخوف والموت، وخاصة ونحن نرى سقوط زملاء لنا في المحافظات، وإغلاق القنوات والصحف والوكالات والمواقع الإلكترونية».
لقد أعلنت جماعة الحوثي المسلحة حربها بشكل علني على جميع الصحافيين واعتبرتهم أهدافًا لمسلحيهم من خلال اعتقالهم وتحريض مسلحيهم، من قبل قياداتهم ووسائلهم الإعلامية، حتى أصبح الصحافي اليمني في عين المسلحين الحوثيين إما «داعشيًا» وإما «تكفيريًا»، كما أنها التهمة التي توجه لكل من يعارضهم، سواء كان ناشطا أو سياسيا أو مواطنا يؤيد شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وفي الوقت الذي بات فيه الصحافي اليمني يواجه صعوبة حقيقية في نقله للأحداث الحالية في البلاد، وعدم وانطفاء الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية، بات أيضا مطاردا من قبل المسلحين الحوثيين ويعمل في ظل هذه الأجواء لينقل الحقيقة كما هي رغم الترهيب والتخويف والملاحقات والاعتقالات التي تطالبهم.
ويقول أحد الصحافيين المراسلين صحيفة عربية لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحنا أهدافا للمسلحين الحوثيين لأنه وملاحقين من قبلهم فنحن نعاني معاناة حقيقية عند محاولتنا الاقتراب من أي منطقة تخضع لسيطرته، مع العلم بأن جميع محافظات ومدن اليمن خاضعة لسيطرتهم، ونحن نتقل من مكان إلى آخر لكي نعمل ونكتب المادة الخبرية، وعلى الرغم من أننا نعاني ملاحقة المسلحين الحوثيين لنا فنحن نعاني أيضا انطفاء الكهرباء باستمرار لأكثر من 48 ساعة، وعندما تأتي تأتينا ساعة واحدة، وليس هذا فقط حتى انعدام المشتقات النفطية مما تسبب في الإضرار بعملنا بعدما اشترينا مولدات لكي نعمل بها، انعدمت المشتقات النفطية وأصبحنا لا نستطيع العمل، وأصبحت حياتنا معرضة للخطر والقمع والتنكيلات حتى ذهبنا إلى مقهى إنترنت، نعرف أن المسلحين يطاردوننا».
لم تكتفِ جماعة الحوثي المسلحة بالتحريض صد الصحافيين وملاحقتهم واعتقالهم، بل ووضعهم دروعًا بشرية في معسكرات ومخازن للأسلحة، بل إنها وصلت إلى احتلالها للمؤسسات الحكومية الرسمية من قنوات وصحف ووكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ»، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 50 موقعًا إلكترونيًا وبعض القنوات المحلية وحجب مواقع إخبارية عربية مثل «العربية نت» و«الجزيرة نت»؛ الأمر الذي دفع وزارة الإعلام اليمنية، مؤخرا، بإنشاء موقع إلكتروني جديد يحمل اسم وشكل موقع وكالة «سبأ» للأنباء مشابها للذي تحتله جماعة الحوثي المسلحة.
وفي نفس السياق، فوجئ متصفحو الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في اليمن بانقطاع خدمة الوصول إلى الشبكة في العاصمة صنعاء وجميع المدن اليمنية، وبشكل خاص قيام جماعة الحوثي المسلحة، السبت، بحجب مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر».
وكانت جماعة الحوثي المسلحة اعتقلت الصحافي في وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» ومراسل صحيفة «الشرق الأوسط» حمدان الرحبي، ووجهت له تهمة كيديه بأنه المتسبب في نشر خبر لم يكتبه الرحبي أصلا وإنما جاء من أحد مراسلي الصحيفة خارج اليمن.
ونفى الزميل الرحبي، علاقته بالخبر، إلا أنهم لم يتقبلوا ذلك، ووجهوا تهمة أخرى بأنه المساعد في تمرير المعلومات إلى الصحيفة، كي تنشر تحت اسم زميل آخر غير اسمه، حيث استمر التحقيق معه لمدة ثلاثة أيام، ثم نقل إلى سجن المعتقلات الأهلية الجنائية. وظل الزميل الرحبي لمدة أربعة أيام داخل المعتقل، حيث يوجد هناك عدد من الموقوفين على ذمة قضايا دموية وإجرامية، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والماء، ووقف الغذاء عن المسجونين.
بين الانتهاكات والمواقع المحجوبة ومصادرة الصحف.. مطاردة الحوثيين للإعلاميين مستمرة
ميليشيات الحوثي وصالح يستخدمونهم دروعًا بشرية ويعتبرونهم أهدافًا لمسلحيهم
بين الانتهاكات والمواقع المحجوبة ومصادرة الصحف.. مطاردة الحوثيين للإعلاميين مستمرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة