إذا ما انطلقت في جولة عبر تاريخ العالم، فإن نوعاً معيناً من الطعام سيستمر في الظهور من وقت لآخر؛ المعكرونة. كان هوراس قد كتب عن المعكرونة خلال القرن الأول، وظهرت شائعة أن ماركو بولو استورد المعكرونة إلى إيطاليا في القرن الـ13. وبعد 100 عام، انطلقت المعكرونة الجافة، بفضل حقيقة أنه كان من السهل تخزينها على متن السفن. وفي القرن الـ18، سنجد سجلات مكتوبة عن المعكرونة مع صوص الطماطم في كتاب عن وصفات للطهي صدر عام 1790.
وتعود جذور المعكرونة، التي أصبحت اليوم منتشرة بمختلف أرجاء العالم، إلى إيطاليا التي مهدت الطريق أمام هيمنة المعكرونة على العالم.
وعكفت إيطاليا على امتداد قرون على تطوير أشكال المعكرونة المختلفة وطرق إنتاجها وإعدادها، في الوقت ذاته الذي حرصت على تصدير هذا المنتج الملهم إلى دول حوض البحر المتوسط ليصبح جزءاً أساسياً من أسلوب حياة مجتمعات المنطقة حتى يومنا هذا. في الوقت الحاضر، تستحوذ إيطاليا وحدها على 30 في المائة من إجمالي السوق العالمية للمعكرونة، البالغة قيمتها 22 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن الحفاظ على شعبية المعكرونة الإيطالية ربما يتطلب إعادة تفكير في واحدة من أكثر الأطباق المفضلة على مستوى العالم. الواضح أن تعقيدات عملية الإنتاج الكبير وتحول الأوضاع الجيوسياسية والتهديدات التي تنطوي عليها التغييرات المناخية، تؤثر جميعها على كيفية إنتاج المعكرونة، ومن يستفيد من القدر الأكبر من المعروض العالمي.
- تاريخ المعكرونة
في الحقيقة فكرة أن تخلط دقيق القمح بالماء وتصنع عجينة يمكنك تناولها، لا تبدو إيطالية حصراً، لكن المعكرونة في حد ذاتها كما نعرفها اليوم، بمعنى المعكرونة الموجودة في كيس، والتي نغليها في ماء ساخن، هي بالتأكيد ابتكار إيطالي.
ظهرت المعكرونة للمرة الأولى في صقلية في العام 1200 تقريباً. وحسبما هو مدون في سجلات هذه الحقبة، فإن المعكرونة كانت تصنع خارج المنازل، تحديداً داخل ورش، وكان يجري بيعها والاتجار فيها. وبذلك نجد أن المعكرونة لم تكن مجرد منتج يعده الناس لإعالة أسرهم، وإنما أيضاً منتج يجري تسويقه. وجرى استهلاك المعكرونة الطازجة داخل إيطاليا منذ عهد المستعمرات اليونانية. وخلال القرن الـ13 بدأ إنتاج المعكرونة الجافة داخل صقلية، ثم بدأت جهات إنتاج في تصنيعها والاتجار فيها.
- الإنتاج الكبير لطبق رئيسي
يمثل القرن الـ17 لحظة فارقة في تاريخ المعكرونة عندما بدأت ورش إنتاجها في الظهور في نابولي وجينوا، وبدأت هذه الورش في إنتاج كميات من المعكرونة يمكن تخزينها ويمكن الاتجار بها بسهولة. ونظراً لكون جينوا منطقة تجارية، فإنه أصبح من الممكن نقل المعكرونة بحراً لفترات طويلة وتصديرها بسهولة كبيرة.
وقد وقعت على وثيقة مثيرة للاهتمام تتحدث كيف أنه في بارما، التي تقع في شمال إيطاليا؛ حيث توجد مدينة باريلا اليوم، كانت ورش إنتاج المعكرونة تنتج نوعاً يختلف عن ذلك الذي يجري إنتاجه في جينوا، ذلك أنهم كانوا ينتجون معكرونة طازجة بالاستعانة بالبيض، مثل الرافيولي والتالياتيلي. وعليه، جرى استيراد هذا النوع كذلك كمنتج مصنع في إيطاليا. وكان منتجو هذا النوع من المعكرونة لا يشبه تماماً النوع الآخر السائد، لكنه كان أسهل في إعداده وإنتاجه بكميات أكبر.
بوجه عام، هناك لحظتان في تاريخ المعكرونة تتسمان بأهمية خاصة من الناحية التكنولوجية. تتمثل اللحظة الأولى في اختراع التجفيف الصناعي للمعكرونة، وذلك عام 1914. وبفضل هذا التجفيف الصناعي، أصبحت عملية تجفيف المعكرونة أسرع من المعتاد.
وحتى يومنا هذا، من المهم معرفة أن المعكرونة عالية الجودة تستغرق وقتاً طويلاً في تجفيفها ـ ربما يستغرق الأمر نحو 40 ساعة. إلا أنه منذ عام 1914 أصبح باستطاعتك إعادة خلق هذه الظروف، وبالتالي تحديد مدى سرعة تجفيف المعكرونة التي ترغب فيها.
أما اللحظة الثانية، فكانت عند الاستعانة بآلة لإنتاج المعكرونة صناعياً، الأمر الذي أتاح إنتاج كميات هائلة من المعكرونة. وشاءت المصادفة أن يجري اختراع هذه الآلة في بارما؛ حيث توجد مدينة باريلا اليوم. وتوارث الأبناء والأحفاد داخل المدينة هذه الآلة، وشرعوا في إنتاج كميات ضخمة. إلا أن المعكرونة بصورتها التي نعرفها وكميات إنتاجها والحجم الضخم لتصديرها واستيرادها لم تظهر سوى بعد الحرب العالمية الثانية.
- أشكال المعكرونة
هناك معكرونة طويلة، يمكن أن تكون مفرغة من الداخل، مثل بوكاتيني، أو ممتلئة مثل السباغيتي. وهناك معكرونة قصيرة، مثل فوزيلي. أيضاً، هناك باستينا، وهي نوع شديد الصغر من المعكرونة تستخدم عادة في إعداد الحساء.
- كوارتز، خدمات «تريبيون ميديا»