عودة التعبئة ضد الرئيس البوروندي

أوروبا تدعو لإرجاء الانتخابات.. والمحتجون ينفون علاقتهم بـ {الانقلابيين}

محتج يجثو على ركبتيه أمام شرطي خلال المظاهرات المنددة  بترشح الرئيس البوروندي لولاية ثالثة في بوجمبورا أمس (رويترز)
محتج يجثو على ركبتيه أمام شرطي خلال المظاهرات المنددة بترشح الرئيس البوروندي لولاية ثالثة في بوجمبورا أمس (رويترز)
TT

عودة التعبئة ضد الرئيس البوروندي

محتج يجثو على ركبتيه أمام شرطي خلال المظاهرات المنددة  بترشح الرئيس البوروندي لولاية ثالثة في بوجمبورا أمس (رويترز)
محتج يجثو على ركبتيه أمام شرطي خلال المظاهرات المنددة بترشح الرئيس البوروندي لولاية ثالثة في بوجمبورا أمس (رويترز)

على الرغم من إطلاق الرصاص التحذيري، اجتاح آلاف المتظاهرين المعارضين للرئيس البوروندي بيار نكورونزيزا، أمس، مجددا شوارع بوجمبورا، حيث دعا قادتهم إلى «دحر الخوف» من القمع ومواصلة حركتهم.
واستؤنفت التحركات الاحتجاجية في أحياء سيبيتوكي ونياكابيغا وكينانيرا، التي تشهد مظاهرات منذ ثلاثة أسابيع ضد ترشح الرئيس لولاية ثالثة في انتخابات 26 يونيو (حزيران) المقبل. ففي موساغا، التي تعد من معاقل الاحتجاج منذ بدايته في أبريل (نيسان) الماضي، غزا أكثر من ألف متظاهر واحدة من الجادات الرئيسية في أكبر تجمع منذ الانقلاب الفاشل الذي حدث الأربعاء الماضي. وانضم خمسة من قادة «حركة أروشا»، التي تحمل اسم اتفاقات السلام التي أنهت الحرب الأهلية (1993 - 2006)، وتضم أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي تشارك في الحراك ضد ولاية رئاسية ثالثة.
وألقى هؤلاء المسؤولون الذين يعيش بعضهم في أماكن سرية، خلال تجمع لم يخطط له مسبقا في وسط الشارع، خطبا وقاموا ببث الحماس في الحشد. ولم يكن أي من العسكريين أو الشرطيين المتمركزين عند مدخل الحي قريبا من مكان التجمع. وباسم المجتمع المدني، طلب ديودونيه باشيراهيشيزه من المتظاهرين الوقوف دقيقة صمتا «من أجل شهداء المعركة من أجل الحرية»، بعد مقتل نحو عشرين شخصا في أعمال العنف التي شهدتها المظاهرات منذ نهاية أبريل. وقال وسط تصفيق حاد إن «هذا الدم الذي أزهق يعلمنا أنه يجب ألا نخاف، وأن علينا أن نتغلب على خوفنا ومواصلة التظاهر على الرغم من التهديدات التي أطلقها مجلس الأمن الوطني أو الرئيس شخصيا».
من جهته، أكد فريدريك بانفوجييوفيرا، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية لبوروندي (فروديبو)، أن «حركة أروشا لا علاقة لها بالانقلابيين الذين حاولوا إطاحة السلطة. نحن بدأنا قبلهم، وهم اليوم في السجن». وأضاف «برهنا أن البورونديين يمكنهم النضال من أجل حقوقهم، ونرفض أن نكون عبيد نكورونزيزا». وتابع نائب رئيس فروديبو «نواصل نضالنا! إذا أراد نكورونزيزا أن نخرج من الشوارع فعليه أن يتخلى عن ولاية رئاسية ثالثة، وإلا سنواصل التعبئة».
وأدى وصول جرحى كانت وجوه بعضهم متورمة أو مغطاة بالدماء إلى الإخلال بالتجمع. وقد أكدوا أنهم تعرضوا لهجمات في حي مجاور من قبل «رابطة شبان» الحزب الحاكم التي تعتبرها الأمم المتحدة ميليشيا، يرافقهم شرطيون. وروى أحد الجرحى كيف تم توقيف عدد من رفاقه ونقلهم بآلية الجنرال أدولف نشيميريمانا، وهو رسميا «مكلف بمهمة لدى الرئاسة» لكنه يقوم في الواقع بتنسيق عمل النظام الأمني في بوروندي.
وفي تطور آخر، قال الاتحاد الأوروبي إن أعيرة نارية أطلقت أمس على مكتب ممثل الاتحاد في بوروندي. كذلك، للمرة الأولى أمس منع صحافيون من وسائل إعلام دولية من دخول حي موساغا الذي يشهد احتجاجات. وكان هؤلاء يتمتعون بحرية كاملة للتحرك لتغطية الأحداث الجارية في بوجمبورا. وأخير، دعا الاتحاد الأوروبي إلى إرجاء الانتخابات المقررة الشهر الحالي والشهر المقبل في بوروندي. وقال وزراء خارجية الاتحاد المجتمعون في بروكسل في بيان إنهم «يقاسمون قمة مجموعة غرب أفريقيا ويدعمون رأيها بأن الظروف الملائمة لتنظيم انتخابات لم تتوافر ولا بد من إرجائها في الحدود الدستورية». ويفترض أن تجرى انتخابات محلية وتشريعية في 26 مايو (أيار) الحالي واقتراع رئاسي في 26 يونيو.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.