المرجعيات الدينية اللبنانية تجمع على أهمية الاقتراع كـ«واجب وطني»

باستثناء الطائفة الشيعية التي تحمل خطاباً موجّهاً لانتخاب «الثنائي»

يافطات وشعارات انتخابية تغطي الجدران في بيروت (إ.ب.أ)
يافطات وشعارات انتخابية تغطي الجدران في بيروت (إ.ب.أ)
TT

المرجعيات الدينية اللبنانية تجمع على أهمية الاقتراع كـ«واجب وطني»

يافطات وشعارات انتخابية تغطي الجدران في بيروت (إ.ب.أ)
يافطات وشعارات انتخابية تغطي الجدران في بيروت (إ.ب.أ)

قبل أيام من موعد الانتخابات النيابية وما يرافقها من احتدام المعارك السياسية في لبنان، تدخل المراجع الدينية على الخط، عبر حث اللبنانيين على القيام بواجبهم الديمقراطي، وعدم مقاطعة الانتخابات، مع اختلاف واضح فيما بينها؛ إذ فيما تؤكد معظمها على أهمية المشاركة كواجب وطني، تأخذ المرجعيات الشيعية منحى «التكليف الشرعي» للتصويت لصالح الثنائي الشيعي («حزب الله» و«حركة أمل»).
وآخر دعوات الحث على المشاركة كانت من قِبَل المطارنة الكاثوليك، الذين دعوا للمشاركة الكثيفة بعيداً عن الضغوط السياسية والمالية، بعدما طلبت، أول من أمس، دار الإفتاء من الأئمة وخطباء المساجد دعوة اللبنانيين لأكبر مشاركة في الانتخابات، وذلك بعدما كان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان حذّر في خطبة عيد الفطر من المقاطعة، مشدداً على أن «الانتخابات هي الفرصة المتوفرة أمامنا لتحقيق التغيير، ولذلك أحذّر وأنبّه إلى خطورة الامتناع عن المشاركة في هذا الاستحقاق»، وهو الأمر نفسه الذي لا ينفك عن الدعوة له البطريرك الماروني بشارة الراعي، وسبق أن تحدّث عنه أيضاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى.
ودعا المطارنة الكاثوليك، في بيان لهم، بعد اجتماعهم الدوري «أبناء الوطن إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابيّة للتعبير عن رأيهم بحريّة وديمقراطيّة بعيداً عن الضغوط السياسية والمالية والاقتصادية»، مشدّدين على «تحكيم الضمير والنظر إلى مصلحة الوطن العليا قبل الإدلاء بأصواتهم. كما يؤكّدون على ضرورة الحفاظ على الشفافية المطلقة في العمليّة الانتخابيّة، والامتناع عن استخدام المال الانتخابي والسياسي للتأثير على الناخبين الخائفين على المصير».
وكانت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية قد أصدرت تعميماً طلبت فيه من أئمة وخطباء المساجد في لبنان «دعوة اللبنانيين في خطبة الجمعة المقبلة إلى المشاركة الواسعة وبكثافة في ممارسة واجبهم الوطني بانتخاب ممثليهم في المجلس النيابي، واختيار الأصلح والأكفأ ومَن هو جدير بتولي هذه الأمانة، وحث المواطنين على النزول إلى صناديق الاقتراع للانتخاب وعدم التهاون في ممارسة هذا الاستحقاق الذي هو فرصة للتغيير بالتصويت لمن يرونه يحافظ على لبنان ومستقبل أبنائه وعروبته ومؤسساته الشرعية».
وقبل أيام، كان شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي أبي المنى، قد أكد على أهمية الاقتراع، إثر لقائه المفتي دريان، على رأس وفد من العلماء وأعضاء من المجلس المذهبي الدرزي، وشدد على أن «المشاركة واجب وطني من أجل المساهمة في إنقاذ البلد، وفي إحداث التغيير المطلوب للعودة إلى القيم الوطنية والروحية التي بُني عليها لبنان».
ولا يختلف خطاب الراعي عن المرجعيات الدينية، وهو الذي كان السبّاق في التحذير من تأجيل الانتخابات والتنبيه لأهميتها، وتأثيرها على الانتخابات الرئاسية المقبلة. وآخر هذه الدعوات كانت في عظة الأحد الماضي، حيث توقّف عند انتخابات المغتربين «المقهورين لأنهم اضطروا إلى مغادرة لبنان تاركين بيوتهم وعائلاتهم. وكانوا غاضبين على الذين تسببوا بهجرتهم القسرية، لا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة. وكانوا متأملين بأن تساهم مشاركتهم الكثيفة في الاقتراع في التغيير السياسي».
وقال: «بانتظار يوم الانتخاب في لبنان، ندعو المواطنين جميعاً إلى الإقبال الكثيف على الاقتراع، لأنها لحظة التغيير».
لكن إذا كانت معظم المرجعيات تتحدث عن أهمية الاقتراع من أجل التغيير وإخراج لبنان من الأزمات المتفاقمة التي يعيشونها، فإن المرجعية الشيعية تتفرّد في توجيه الناخبين الشيعة رافعة راية «حزب الله» وحركة «أمل»، وداعية بشكل صريح إلى الانتخاب لصالحهما، بحجج متعددة، واضعة الأمر في خانة ما يمكن اعتباره «التكليف الشرعي». وهذا الأمر عبّر عنه صراحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة عيد الفطر، محرّماً المقاطعة.
وقال: «الاستحقاق الانتخابي عبادة كبرى، وفريضة وطنية وأخلاقية ودينية حاسمة، والتردد ممنوع، بل حرام، وترك المعركة الانتخابية حرام، والورقة البيضاء حرام... ومن يعتزل المعركة الانتخابية، إنما يعتزل أكبر فرائض الله... والحياد ما هو إلا جريمة كبرى، والمعركة معركة مصيرية»، مضيفاً: «أما أم المعارك، فتبدأ من تطهير وتحرير القرار السياسي والإداري عبر صناديق الاقتراع... وسنقول: (نعم)، كبيرة جدا للائتلاف الوطني الذي يتشكل من الثنائي الوطني وباقي شركائه».
ويعتبر الوزير السابق، رشيد درباس، أن دعوة المرجعيات الدينية الناخبين للاقتراع هو واجب وطني، لأن الاستحقاق بحد ذاته واجب وطني، لكن المشكلة تبقى عندما تكون هذه الدعوة موجّهة توجيهاً معيّناً، على غرار ما يحصل مع المرجعية الشيعية، حيث القرار خلالها للمرجعية السياسية والحزبية المهيمنة على قرار الطائفة الشيعية.
وفي حين يثني درباس على خطاب المرجعيات الدينية الرصين بعيداً عن التشنج وإثارة الغرائز التي نراها لدى جهات وأطراف أخرى، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لحسن الحظ أن خطاب المفتي دريان والبطريرك الراعي والشيخ أبي المنى ليس موجّهاً سياسياً، وإلا فعندها سنصبح في بلد منقسم طائفياً، وتصبح عندها المرجعية الدينية هي التي تتحكّم بالقرار السياسي والانتخابي على حد سواء».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.