إنجاز الانتخابات يُدخل لبنان في أزمة حكومية... ولاحقاً رئاسية

(تحليل إخباري)

TT

إنجاز الانتخابات يُدخل لبنان في أزمة حكومية... ولاحقاً رئاسية

الخشية التي تحدث عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، من أن تكون البلاد مقبلة على إشكالات سياسية جديدة تأتي في محلها وليست معزولة، كما يقول مصدر وزاري بارز، عن الأجواء الضبابية المحيطة بمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، بعد أن أعلنت وزارة الداخلية والبلديات الاستنفار العام للحفاظ على أمن العملية الانتخابية في يوم الاقتراع في 15 مايو (أيار) المقبل باتخاذها كل التدابير من أمنية ولوجيستية لقطع الطريق على حصول أي خلل يمكن أن يعيق إنجازها ويسيء إلى مصداقية الحكومة حيال المجتمع الدولي، في ظل وجود مراقبين أوفدهم الاتحاد الأوروبي حرصاً منه على تأمين نزاهة الانتخابات برفع الضغوط عن الناخبين.
ويؤكد المصدر الوزاري أن اجتماع مجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية القاضي بسام مولوي، انتهى من وضع اللمسات الأخيرة على التوصيات التي اتخذها المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً بالنسبة إلى توزيع المهام على القوى العسكرية والأمنية، ويقول بأنه أوكل مهمة الحفاظ على أمن مراكز الاقتراع إلى قوى الأمن الداخلي في مقابل تكليف الجيش بضبط الأمن خارج صناديق الاقتراع في كافة المناطق اللبنانية، على أن تتولى الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش وشعبة المعلومات والأمن العام وأمن الدولة مهمة الاستعلام الأمني الاستطلاعي لرصد أي محاولات للإخلال بالأمن أو استهداف مراكز الاقتراع وقطع الطرقات لمنع الناخبين من الوصول إلى المراكز المحددة لهم للاقتراع.
ويلفت المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الاستعلام الأمني يشمل المناطق المحيطة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أو الطرقات المؤدية إليها والأماكن التي يقيم فيها النازحون السوريون، ويؤكد أن التحضيرات تشمل أيضاً ملء الفراغ في حال تخلفت عناصر تابعة لقوى الأمن عن الالتحاق بمراكزهم داخل مراكز الاقتراع، مع أن عددها يقترب من 17 ألفاً بين ضابط ورتيب وعسكري، إضافة إلى توفير الحماية لمولدات الكهرباء، سواء تلك التي أمنتها البلديات أو أصحاب المولدات لمنع التعدي عليها لئلا يؤدي ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي.
ويكشف المصدر نفسه أن القوى الأمنية والعسكرية ستوضع على أهبة الاستعداد، بدءاً من اليوم الذي يسبق إجراء الانتخابات، أي السبت في 14 مايو، لأنها ستتولى توفير الحماية لنقل صناديق الاقتراع إلى المراكز المحددة لها. ويؤكد أنه يحق لرؤساء الأقلام الطلب من وحدات الجيش التدخل في حال حصول حالات شغب تستدعي تطويقها لئلا تؤدي إلى تعطيل الانتخابات.
لذلك ليست هناك مشكلة يمكن أن تعيق، كما يقول المصدر الوزاري، إجراء الانتخابات في موعدها، ويؤكد أن المشكلة تكمن في مرحلة ما بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي التي يحيط بها الغموض بصرف النظر عن النتائج، ومن سيحصد الأغلبية النيابية في البرلمان المنتخب؟ خصوصاً أن المخاوف التي عكسها الرئيس ميقاتي في تحذيره بأن البلاد ستواجه إشكالات لم تأتِ من فراغ وإنما نتيجة قراءته لأبرز العناوين التي ستحملها المرحلة السياسية الجديدة، والتي أملت عليه إطلاق التحذير إصراراً منه على أن يستبق ما يمكن أن تحمله من صعوبات.
ويؤكد أن لبنان يقف فور الانتهاء من إجراء الانتخابات أمام مرحلة جديدة تتعلق بإعادة تكوين السلطة بدءاً بتشكيل الحكومة العتيدة المفتوحة حتماً على انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي العماد ميشال عون المنتهية ولايته في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في ضوء ما نص عليه الدستور اللبناني لجهة أن البرلمان يبقى في حال انعقاد دائم قبل شهرين من انتهاء ولايته إلى حين انتخاب رئيس جديد.
ويسأل المصدر الوزاري ما إذا كانت الطريق سالكة سياسياً لتشكيل حكومة جديدة على وجه السرعة، لئلا يدخل لبنان في أزمة مديدة تستدعي التمديد للحكومة الحالية بتحويلها إلى حكومة تتولى تصريف الأعمال على نطاق ضيق، ويقول هل يتحمل الوضع اللبناني الذي يقف على حافة الانهيار بقاء البلاد بلا حكومة فاعلة؟ خصوصاً أنه قرر ترحيل خطة التعافي المالي إلى ما بعد الانتخابات، ومعها التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتأمين حصول لبنان على مساعدات للنهوض من أزماته الاقتصادية والمعيشية من جهة، ولضمان حصوله على جواز مرور بشهادة دولية تتيح له إعادة إدراج اسمه على خريطة الاهتمام الدولي للحصول على قروض وهبات لوقف تدحرجه نحو الأسوأ، والانتقال به ولو على دفعات إلى مرحلة التعافي.
ويرى أنه إذا كان من السابق لأوانه التكهن منذ الآن بطبيعة خريطة الطريق للمرحلة المقبلة، وقبل التأني في استقراء توزع الكتل النيابية بين موالاة ومعارضة، فإن هناك من يرشح الرئيس ميقاتي لتولي رئاسة آخر الحكومات في «العهد القوي»، لعله يستطيع إعادة تعويم الضمانات الدولية التي أُعطيت له، تحديداً من قبل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا لإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية، بعد أن تقرر تجميدها على خلفية تعثر الحكومة في إعداد دفتر الشروط المطلوب دولياً لمساعدتها، وذلك بإقرار الإصلاحات المطلوبة التي باتت أسيرة الاشتباك السياسي داخل الحكومة، أو بينها وبين المجلس النيابي.
ويقول إن ميقاتي، وإن كان لا يزال الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة، فإنه لن يغامر بما تبقى لديه من رصيد ليوافق من دون شروط على توليها من دون أن تتجاوب الكتل النيابية مع شروطه ليخوض مجدداً مغامرة الإنقاذ من دون الالتفات إلى دور عون، وما إذا كان سيفرض شروطه لتعويم وريثه السياسي جبران باسيل، رغم أنه يدرك أنه لم تعد لديه أوراق سياسية ضاغطة وهو يستعد لمغادرة القصر الجمهوري، إلا إذا استحضر مجدداً حروب الإلغاء والتحرير التي كانت وراء إبعاده إلى فرنسا أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية.
لذلك فإن عون قبل إنجاز الاستحقاق النيابي هو غيره اليوم، ولم تعد لديه القدرة للاستقواء بورقة الانتخابات النيابية لقاء إفراجه عنها بعد أن واجه إصراراً من المجتمع الدولي على إنجازها في موعدها، كما أن «حزب الله» وإن كان لا يزال في حاجة إلى الغطاء المسيحي لسلاحه، فإنه لن يستخدم ما لديه من فائض للقوة لتعطيل تشكيل الحكومة لأنه سيصطدم بموقف فرنسي متشدد مع انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية.
وعليه يبقى السؤال: هل يستطيع عون تعطيل الجهود لتشكيل حكومة جديدة؟ وماذا سيقول للبابا فرنسيس في زيارته المقررة للبنان في 12 و13 يونيو (حزيران) المقبل، ومن خلاله للمجتمع الدولي بعد أن أيقن أن لا حظوظ لإيصال صهره إلى رئاسة الجمهورية؟ وكيف سيرد «حزب الله» فيما يتردد بأن قوى المعارضة أكانت تقليدية أو تغييرية لن توفر الغطاء لتشكيل حكومة بأي ثمن، وإن كان «حزب الله» سيواجه إحراجاً في حال أن الحكومة جاءت على قياسه، وأن ميقاتي ليس في وارد استنساخ حكومة تشبه الحالية، وإنما بوجوه جديدة، حتى لو أطلق عليها حكومة وحدة وطنية هي أقرب إلى حكومة تعطيل وطنية؟ وبالتالي فإن ميقاتي تمكن من تدوير الزوايا لمرة واحدة ولن يكررها حتماً!



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.