غوتيريش يعاين الدمار قرب كييف ويندد بالحرب «العبثية» في أوكرانيا

زخم دولي لإجراء تحقيقات في «فظائع» تتهم الجنود الروس بارتكابها

غوتيريش مع بعض المسؤولين الأوكرانيين خلال زيارته التفقدية لبوروديانكا (إ.ب.أ)
غوتيريش مع بعض المسؤولين الأوكرانيين خلال زيارته التفقدية لبوروديانكا (إ.ب.أ)
TT

غوتيريش يعاين الدمار قرب كييف ويندد بالحرب «العبثية» في أوكرانيا

غوتيريش مع بعض المسؤولين الأوكرانيين خلال زيارته التفقدية لبوروديانكا (إ.ب.أ)
غوتيريش مع بعض المسؤولين الأوكرانيين خلال زيارته التفقدية لبوروديانكا (إ.ب.أ)

وسط أنباء عن تحقيق القوات الروسية بعض التقدم على الجبهات في شرق أوكرانيا، جال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في العاصمة كييف وعدد من البلدات القريبة، معايناً بعض أهوال الحرب التي وصفها بأنها «عبثية». ثم التقى الرئيس فولوديمير زيلينسكي والمسؤولين الأوكرانيين الكبار بعد أيام من اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، سعياً إلى وقف إطلاق نار إنساني يسمح بفتح ممرات آمنة للمدنيين العالقين في عدد من المدن والمناطق، مع الإصرار على التحقيق في الفظائع التي يتهم الجنود بارتكابها في الجمهورية السوفياتية السابقة.
ووصل الأمين العام للمنظمة الدولية إلى كييف مساء الأربعاء بعد رحلة طويلة بواسطة القطار من بولندا. وخلال زيارته المناطق المدمرة، ندد بـ«الفظائع» التي ارتكبت في مدن مثل بوتشا، حيث عثر على أدلة حول أعمال قتل جماعي للمدنيين بعد انسحاب روسيا من المنطقة تحت وطأة مقاومة أوكرانية أشرس مما كان متوقعاً. وتصاعد الضغط على غوتيريش للاضطلاع بدور أكثر فاعلية في حل الصراع في أوكرانيا. وهو انتقد الغزو الروسي وطالب بإقامة ممرات إنسانية للمدنيين.
ووفقا للأمم المتحدة، وافق بوتين على مشاركة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر في إخلاء مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول، حيث تحاصر القوات الروسية حاليا مئات المدنيين. واضطرت روسيا إلى إعادة تنظيم صفوف قواتها بعدما فشلت في الاستيلاء على كييف، وحولت تركيزها إلى قلب المنطقة الصناعية الحيوية في شرق البلاد، حيث تتصاعد وتيرة القتال الآن.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة موسكو إلى «قبول التعاون» مع تحقيق المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم حرب محتملة قد تكون ارتكبت في أوكرانيا. وقال غوتيريش خلال زيارته إلى بوتشا في ضاحية كييف حيث يتهم الأوكرانيون الروس بارتكاب مجازر في حق مدنيين خلال احتلالهم المدينة في مارس (آذار) «حين نرى هذا الموقع الرهيب، أرى كم هو من المهم إجراء تحقيق كامل وتحديد المسؤوليات»، مضيفا «أدعو روسيا إلى قبول التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية». مضيفاً أنه «سعيد لأن المحكمة الجنائية الدولية ترى هذا الوضع وأن مكتب المدعي العام موجود بالفعل هنا».
وأعلن تأييده لعمل المحكمة. وزاد: «عندما نتحدث عن جرائم الحرب، لا يمكننا أن ننسى أن أسوأ الجرائم هي الحرب نفسها». وقال غوتيريش أثناء زيارته لضاحية إربين قرب كييف: «أينما كانت هناك حرب، يدفع المدنيون الثمن الأعلى». وبعدما صافح رئيس الإدارة المدنية العسكرية الإقليمية في كييف الجنرال أولكسندر بافليوك، أشار غوتيريش إلى الدمار، وقال: «أتخيل عائلتي في أحد تلك البيوت المدمرة الآن باللون الأسود. أرى حفيداتي يهربن في حالة من الذعر، وقتل جزء من العائلة في النهاية». وأضاف أن «الحرب عبثية في القرن الحادي والعشرين. الحرب شريرة». وعندما وصل إلى بوتشا الذي عثر فيها على مقابر جماعية، شدد على «أهمية إجراء تحقيق شامل ومساءلة».
- المساءلة عن الفظائع
إلى ذلك، سعت الدول الغربية وهيئات قضائية وحقوقية دولية رئيسية للمرة الأولى إلى المساءلة عن الفظائع التي ارتكبت خلال حرب أوكرانيا في اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن، شارك فيها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ورئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة القاضي النرويجي إريك موس والمدعية العامة الأوكرانية إيرينا فينيديكتوفا ومحامية حقوق الإنسان البريطانية اللبنانية أمل كلوني. وقالت فينيديكتوفا، التي فتحت أكثر من ثمانية آلاف تحقيق في الانتهاكات المزعومة لقوانين وأعراف الحرب، إن «أفعال روسيا ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، مضيفة أن النمط «يشبه جريمة الإبادة الجماعية». ورأت وزيرة الخارجية الألبانية أولتا شاكا التي ترأست الاجتماع، أنه بصفتها عضواً يحظى بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، يفترض أن تكون روسيا وصية على السلام الدولي ولكنها «شرعت في حرب اختيارية ضد أحد الجيران. ارتكبت جرائم لا حصر لها في هذه العملية». وأكدت السفيرة الأميركية المتجولة للعدالة الجنائية العالمية بيث فان شاك أن الولايات المتحدة «خلصت إلى أن روسيا ارتكبت جرائم حرب»، مشيرة إلى «تقارير موثوقة عن أفراد قتلوا بأسلوب الإعدام، وظهرت على الجثث علامات التعذيب»، بالإضافة إلى «روايات مروعة عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات».
في المقابل، رفض المسؤول القانوني الروسي في بعثة بلاده لدى الأمم المتحدة سيرغي ليونيدتشينكو هذه التصريحات، قائلاً إن «ما سمعناه كان جزءاً آخر من الادعاءات التي لا أساس لها وحتى المقلدة المليئة بالأكاذيب والنفاق والخطاب الرنان». وأضاف أن الأوكرانيين المسؤولين عن كل هذه «الجرائم الشنيعة سيقدمون إلى العدالة». ولم يسع أعضاء المجلس الآخرون: المكسيك والغابون وغانا والبرازيل والهند وكينيا والإمارات العربية المتحدة، إلى إلقاء أي لوم، مشددين على أن التحقيقات بحاجة إلى إثبات الحقائق وراء عمليات القتل والهجمات. وأفاد ممثل الصين، القريبة من روسيا، بأنه يجب تحديد أسباب الوفيات بين المدنيين والتحقق منها. وقال إن «أي اتهامات يجب أن تستند إلى الحقائق قبل أن تتضح الصورة الكاملة».
وقال خان إن 43 دولة أحالت الوضع في أوكرانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية المسؤولة عن مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وأضاف أنه فتح تحقيقاً في 2 مارس الماضي، لافتاً إلى أن تسع دول أوروبية أخرى تجري أيضاً تحقيقات.
وكشف أن المحكمة وقعت الاثنين الماضي اتفاقية لأول مرة بشأن فريق تحقيق مشترك مع أوكرانيا وبولندا وليتوانيا. وأبلغ المجلس أنه أرسل ثلاثة خطابات لروسيا ولم يتلق رداً. وقالت المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد إن المملكة المتحدة «تدعم الجهود الدولية لتحقيق العدالة» وستقدم مليون جنيه إسترليني (1.25 مليون دولار) كتمويل إضافي للمحكمة الجنائية الدولية. وأفاد رئيس لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القاضي النرويجي إريك موس بأنه عين موظفين وسيحقق في جميع الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بناءً على عمل مراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة في أوكرانيا.
وقال إنها ستقيم اتصالات مع المحكمة الجنائية الدولية «في المستقبل القريب» وستسعى إلى الاتصال بروسيا وأوكرانيا والضحايا ومجموعات المجتمع المدني والحكومات وغيرها. وكررت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باتشيليت التأكيد على أن جرائم الحرب ربما تكون قد حدثت «ويجب أن تبدأ الجهود الرامية إلى معالجة الانتهاكات الآن». وحثت كلوني مجلس الأمن على عدم ترك الجهود تفقد زخمها. وقالت إن «ما يقلقني وأنا أجلس هنا اليوم هو أن الإجراء الحاسم الذي رأيناه في أول 50 يوماً من هذه الحرب سيتحول إلى نقطة عالية بدلاً من نقطة البداية للرد القانوني والدبلوماسي - إن أفعالكم ستتلاشى ببطء إلى نمط يمكن التنبؤ به، ثروة من التحقيقات واللجان والتقارير وندرة المحاكمات والإدانات والأحكام، السياسيون الذين يطالبون بالعدالة ولكنهم لا يقدمونها».


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.