أوكرانيا تتحوّل إلى أمة من صائدي الجواسيس

رجل شرطة يتحقق من الأوراق الثبوتية على أحد الحواجز في لفيف في 28 مارس (نيويورك تايمز)
رجل شرطة يتحقق من الأوراق الثبوتية على أحد الحواجز في لفيف في 28 مارس (نيويورك تايمز)
TT

أوكرانيا تتحوّل إلى أمة من صائدي الجواسيس

رجل شرطة يتحقق من الأوراق الثبوتية على أحد الحواجز في لفيف في 28 مارس (نيويورك تايمز)
رجل شرطة يتحقق من الأوراق الثبوتية على أحد الحواجز في لفيف في 28 مارس (نيويورك تايمز)

بعد أسبوعين من استقرار فاليري، الممثل والمصور الهاوي، في غرب أوكرانيا، بعد فراره من منزله من العاصمة كييف، أوقفته الشرطة المحلية واستجوبته. وقد أبلغ أحدهم السلطات عنه وهو يتجول في أرجاء المدينة، ويصور ساحاتها وكنائسها ومعالمها الأخرى التي تحيط بها أكياس الرمال.
اصطحبه رجال الشرطة إلى سيارتهم، وفحصوا الصور التي التقطها أخيراً بهاتفه المحمول، وتصفحوا دفتر رسوماته، وتفقدوا القنوات المشترك فيها على تطبيق «تلغرام» للتراسل الاجتماعي.
قال فاليري: «كانوا يقرؤون مدوناتي كي يتحققوا مما إذا كنت أسخر منا أو منهم»، ويقصد الأوكرانيين أو الروس. ولحسن حظه، وجد الضباط تعليقاً يصور الجنود الروس كالرعاع المتخلفين بأجهزة تلفاز فوق رؤوسهم، ثم أطلقوا سراحه وسمحوا له بالذهاب. فاليري (32 سنة) الذي طلب عدم ذكر اسمه بالكامل خشية من تبادل الاتهامات، ليس وحده المضطر للالتفات وراء ظهره. ومع دخول الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا الآن شهره الثاني، أصبحت تنتشر الشكوك كالضباب المخيم على أجواء البلاد.
وقد هزت المجتمع الأوكراني تقارير عن وجود «ديفرسانتي» (أو المخربين) وجماعات التضليل العاملة لصالح روسيا التي تختلط بين السكان المدنيين، وتنشر البلبلة وانعدام الثقة، وربما تبلغ العدو بالأهداف المحتملة. فالمدنيون الذين كانوا يعيشون في خوف باتوا يرون الجواسيس في كل مكان.
يقول فاليري: «مع المستوى الحالي من القلق، ومحاولة إيجاد مصادر للخطر، تبدأ مخيلتنا تتصور أشياء؛ خصوصاً مع عدم معرفتنا بحقيقة الوحش».
تزداد الشكوك بشكل خاص في لفيف، قرب الحدود البولندية؛ نظراً لأنها نجت إلى حد بعيد من الدمار والرعب الذي لحق بالمدن الواقعة إلى الشرق، فقد تحولت إلى بؤرة جذب بالنسبة للأوكرانيين الباحثين عن الأمان، فضلاً عن كونها نقطة عبور لهؤلاء المتوجهين إلى بولندا. وعلى هذا المنوال، زاد عدد سكان لفيف مؤقتاً بما يصل إلى 400 ألف نسمة، حسب المسؤولين المحليين. وأسفر ذلك عن مشاهدة كثير من الوجوه غير المألوفة في شوارع لفيف، ورفع مستويات الشكوك لدى أولئك الذين يعيشون هناك بصورة دائمة.
في الأسابيع الأولى من الحرب، نشرت الشرطة والأجهزة الإدارية أكثر من 17 ألف نداء يومياً بشأن الأنشطة المشبوهة، حسبما أفاد ماكسيم كوزيتسكي حاكم منطقة لفيف، في مقابلة أخيرة. وأضاف أن أجهزة إنفاذ القانون تنشر نحو 10 في المائة من هذا العدد في الوقت الراهن. وهذا لا يزال أكثر من 1000 في اليوم.
يدير ضباط الشرطة وأفراد الدفاع الإقليمي، الوحدة التطوعية التابعة للجيش الأوكراني، دوريات المراقبة في شوارع لفيف التي تقوم بتفتيش السيارات عند الميادين، وعلى مدخل كل مدينة أو قرية مجاورة، ويحتفظون بالحق في فحص الوثائق.
كانت دار أوبرا لفيف التي ترجع إلى عصر النهضة الجديدة، تعمل طوال الحربين العالميتين، كما قال مديرها فاسيل فوفكون، الذي أضاف أنها الآن لا تُنظم عروضاً حية؛ مخافة أن يحاول المخربون استفزاز السكان. بدلاً من ذلك، ركز مسرح الأوبرا على تصوير ونشر العروض، مثل الباليه القصير مؤخراً، حول مطالبة أوكرانيا بفرض منطقة الحظر الجوي فوق البلاد.
هناك أسباب مشروعة للشكوك. وخلال الشهر الأول من الحرب، نجح جهاز الاستخبارات الأوكراني في تفكيك 20 مجموعة من المخربين، واعتقل 350 مخرباً آخرين، حسبما ذكره أرتيم دختيارينكو المتحدث باسم المكتب، الأسبوع الماضي.
وكتب كوزيتسكي على قناة «تلغرام» أن الشرطة أوقفت يوم السبت (يوم سقوط الصواريخ الروسية على منشأتين صناعيتين في لفيف)، سيارة مشبوهة، وفحصت هواتف الرجلين بداخلها. وقال إنهم عثروا على مقاطع فيديو وصور تُظهر تحركات الجيش الأوكراني. وأضاف قائلاً: «كانت لديهم أيضاً صور لجوازات سفر رجال مسجلين في لوغانسك، والكثير من الاتصالات بأرقام روسية»؛ لكن لم يتسنَّ التحقق من تلك التأكيدات بصورة مستقلة.
حاول الأوكرانيون من كافة المشارب مساعدة السلطات بأي طريقة ممكنة. وتنطلق الموسيقى الوطنية والعسكرية من مكبرات الصوت في كل مطعم ومقهى. وأعيدت صياغة أغنية الاحتجاج الإيطالية «بيلا شياو» باللغة الأوكرانية؛ حيث نشرت كلمات تحتفي بصواريخ «جافلين» أميركية الصنع، وطائرات «بيرقدار» التركية المُسيَّرة التي تستخدمها القوات الأوكرانية.
ويمكن للمدنيين العاديين الانضمام إلى القتال من خلال الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة. ثمة تطبيق يدعى «إي فوروغ»، وهي لفظة مُحورة تعني «هناك عدو»، ويطلب من الناس الإبلاغ عن أي نشاط عسكري مشتبه فيه. وقد تلقى التطبيق أكثر من 200 ألف طلب في شهر واحد، وفقاً لشرطة الدوريات، الشعبة الفرعية التابعة لوحدات الشرطة المسؤولة عن النظام العام.
مع احتلال الحرب مكانة متقدمة في أذهان الجميع، يزداد التوتر لدى الناس، لا سيما إزاء الوافدين الجدد. وقامت قوات الشرطة والدفاع الإقليمي بزيارة أنطون إيفانوف، 36 عاماً، اختصاصي تكنولوجيا المعلومات من كييف الذي يقطن شقة عمه في لفيف. والذي فوجئ بظهور أشخاص عند بابه، سأل الرجال الذين يقرعون الباب عن هوياتهم. وكان الرجال المسلحون الذين يرتدون الزي الرسمي يطرحون عليه السؤال نفسه. وقال إيفانوف: «لقد طلبوا رؤية بطاقات هوياتنا، وأرادوا التحقق من شخصياتنا، وإلى أين نحن ذاهبون، ولماذا نحن مقيمون هنا. وسألونا: هل نُخفي أحداً في الداخل».
واتضح أن الجيران في الحي السكني الهادئ قد شعروا بالشك حيال سيارة تحمل لوحات من خارج لفيف، واتصل أحدهم برجال الشرطة الذين رحلوا بمجرد التحقق من المستندات.
وفى حي آخر من أحياء المدينة، رفضت ناتاليا كوفتون (71 عاماً) فتح باب المأوى بالطابق السفلي من مبنى شقتها، خوفاً من قيام «الممثل شنيع المظهر» بزرع قنبلة هناك. وقالت عن ذلك: «ماذا لو حاول شخص اقتحام المكان، وجلب قنبلة إلى هنا؟» كما سألت أحد جيرانها: «هل تفهم ما سيحدث؟ سوف ننفجر جميعاً، المنزل كله. فلدينا أبواب غير محمية، ومن السهل كسر القفل للدخول إلى فناء منزلنا».
وفى منطقة تيرنوبيل القريبة، شاعت الشكوك الكبيرة بين جماعتين من الرجال، لدرجة أنهما أبلغا قوات الشرطة بعضهما عن بعض. وكتبت شرطة تيرنوبيل في 18 مارس (آذار) على موقع «فيسبوك»: «نشب صراع بين مواطنين غير معروفين، يتهم بعضهم بعضاً بأنهم من المخربين». ثم قامت إحدى الجماعتين بالإبلاغ عن عدد من الرجال الذين ثارت لديهم الشكوك في أمرهم، كما استدعت الجماعة الأخرى الشرطة للإبلاغ عن مطاردتهم، وأنهم يشعرون بالتهديد من قبل «رجل عدواني مجهول الهوية».
وأفادت الشرطة الإقليمية في بيانها: «نحذر المواطنين: لا تحاولوا احتجاز أشخاص غير معروفين من تلقاء أنفسكم، أو تهديدهم بالسلاح، أو مواجهتهم جسدياً».
وتدور الفكرة حول أنه في حين لا تستطيع القوات الروسية إرسال جيوشها لتطويق لفيف، فإن الأعداء (الأفراد والجماعات الصغيرة الذين يمكنهم الاندماج مع مئات الآلاف الآخرين من الغرباء) موجودون فعلاً في الداخل. وأشار أحد مسؤولي إنفاذ القانون الذي رفض الكشف عن هويته بسبب الأجواء المتوترة في المدينة، إلى أن أوكرانيا وروسيا تقاتلان منذ 8 سنوات في الشرق. كما شارك قصصاً عن الاعتقالات الأخيرة للمخربين الذين كانوا يتظاهرون بالعمل في الخدمات الإنسانية. وأضاف قائلا: «بالطبع كان لديهم الوقت الكافي للاستعداد بعناية».
يُفرض حظر التجول بعد الساعة العاشرة مساء، على الرغم من أن أغلب الشوارع تكون فعلًا خالية بحلول الليل. وتمر الرسائل الغامضة تحذر من تخطيط الروس لاستهداف ممثلي السفارات الغربية، أو وكالات الإغاثة التي انتقلت من كييف. كانت الهجمات السابقة في الغرب مدعومة من قبل الأصول المحلية.
وكان طيار هاوٍ من لوتسك الواقعة شمال شرقي لفيف التي تعرض مطارها العسكري للقصف مرتين، يمد أجهزة الأمن الروسية بالمعلومات منذ عام 2017 على الأقل، بحسب ما كشف جهاز الاستخبارات الأوكراني إثر اعتقال الرجل مؤخراً. واتهموه بالتواصل مع الروس حول أنشطة الجيش خلال الأسبوع الأول من الحرب. قال إيغور بوليشوك، رئيس بلدية لوتسك: «الناس غاضبون للغاية. الشخص الذي ألقي القبض عليه اتخذ هيئة الناشط المدني بين الناس»، مضيفاً أن «اعتقال الرجل زاد من مستويات الشك في الجواسيس المحتملين». وأبلغت الاستخبارات الأوكرانية عن حالات تعاون مماثلة في شن الهجمات على المطارات العسكرية في مدينتي إيفانو-فرانكيفسك وفينيتسيا.
* خدمة «نيويورك تايمز»



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».