رمضان «يوّحد» السوريين... والحرب الأوكرانية تفاقم معاناتهم

«الشرق الأوسط» ترصد الأوضاع المعيشية في «مناطق النفوذ» الثلاث

محل لبيع الخضراوات في العاصمة السورية دمشق في 18 مارس الماضي (رويترز)
محل لبيع الخضراوات في العاصمة السورية دمشق في 18 مارس الماضي (رويترز)
TT

رمضان «يوّحد» السوريين... والحرب الأوكرانية تفاقم معاناتهم

محل لبيع الخضراوات في العاصمة السورية دمشق في 18 مارس الماضي (رويترز)
محل لبيع الخضراوات في العاصمة السورية دمشق في 18 مارس الماضي (رويترز)

حل شهر رمضان المبارك هذا العام على السوريين في مناطق «النفوذ» الثلاث، وسط تفاقم الأزمة المعيشية، بحيث «وحدتهم» المعاناة بصرف النظر عن مواقفهم السياسية ومنطقة وجودهم. كما أن الحرب الأوكرانية التي أثرت على خطوط الإمداد وإنتاج المواد الغذائية وفاقمت معاناة السوريين ورفعت أسعار المواد الرئيسية.

دمشق
وعشية بداية شهر رمضان المبارك، شهدت أسعار المواد الغذائية والأساسية في دمشق ارتفاعاً غير مسبوق في البلاد، فقد وصلت أسعار الخضراوات والفواكه لأسعار قياسية
ومنذ منتصف الشهر الماضي، قفزت الأسعار بشكل كبير لعموم المواد الغذائية والاستهلاكية بسبب ارتفاع أجور النقل، كما ارتفعت أسعار الخضراوات والفواكه بسبب الأحوال الجوية التي مرت على سوريا منذ بداية شهر مارس (آذار). وقال أبو إبراهيم، وهو تاجر خضراوات في سوق دمشق المركزي للخضراوات: «ارتفعت أسعار عموم أنواع الخضراوات وخاصة الزراعات المحمية القادمة من المنطقة الساحلية، وذلك بسبب موجة البرد التي شهدتها سوريا خلال شهر مارس الماضي مما دفع المزارعين إلى تشغيل أجهزة التدفئة التي تتطلب مازوت – ديزل، مما أدى لرفع أسعار عموم الخضراوات».
وأضاف أبو إبراهيم لوكالة الأنباء الألمانية: «مع موجة الجفاف، تحتاج المزروعات للري بواسطة المحركات، وأدى عدم قدرة الحكومة على تأمين المحروقات للمزارعين، لوجود سوق سوداء لأسعار المواد النفطية، مما انعكس على تكاليف الإنتاج والنقل».
وترى في سوق دمشق يقوم عدد من الأشخاص بتحميل سيارة نقل صغيرة بالخضراوات والفواكه، لنقلها إلى أحياء العاصمة دمشق. ويقول محيي الدين حسن من حي الميدان الدمشقي: «أقوم بشراء الخضراوات والفواكه من التجار بشكل مباشر، لبيعها بسعر معقول للمستهلكين رغم تكلفة النقل، ومع ذلك تبقى الأسعار مرتفعة جداً ووصلت إلى أرقام قياسية». وأكد محيي الدين أنه خلال شهري فبراير (شباط) ومارس انخفضت كمية البيع من 50 إلى 70 في المائة من حجم البيع الاعتيادي، في حين اختفت بعض المواد أو بقيت عند الحد الأدنى».
ويقول عدنان عيسى الذي يملك محلاً لبيع المواد الغذائية في منطقة المزة بدمشق: «خلال اليومين الماضيين شهدت السوق تحركاً بسيطاً، وخاصة المواد الغذائية المطلوبة في شهر رمضان وهي التمور، ولكن هي في الحدود الدنيا قياساً بالأعوام السابقة». ويضف عيسى: «أسعار المواد الغذائية أصبحت لا تتناسب ودخل الموظف الشهري، وأن الأغلبية من المتسوقين يعتمدون على الحوالات الخارجية».
وتقول ميساء علي، وهي موظفة في حي المزة بدمشق: «ارتفعت أسعار عموم المواد الغذائية والخضراوات بشكل كبير جداً، والأنواع الرخيصة من الأرز اليوم لا يقل سعر الكيلو عن 4 آلاف ليرة سورية، وارتفع سعر كيلو الزيت من 8500 ليرة إلى 15 ألف ليرة سورية والمؤسسات الحكومية تقدم للعائلة في الشهر نحو 2 لتر ماذا نعمل بهذه الكمية، هل تكفي للطبخ لمدة أسبوع، ماذا نعمل بعدها، ليست لدينا القدرة على شراء مواد بسعر السوق، راتبي الشهري وراتب زوجي لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية واحتياجاتنا الشهرية تتجاوز الـ500 ألف ليرة في الحد الأدنى عدا تكاليف الملابس والعلاج والمناسبات».
وتشير دراسات وتقارير سورية غير رسمية إلى أن معدل احتياجات الأسر من 3 - 5 أشخاص في الشهر يتجاوز الـ600 ألف ليرة سورية عدا إيجار المنزل إذا كانت تملك الأسرة منزلاً. في حين تبلغ معدلات الرواتب الشهرية الحكومية والخاصة في سوريا بين 100 ألف إلى 250 ألف ليرة سورية.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا نهاية شهر فبراير الماضي، ارتفعت أسعار مواد غذائية وخاصة الزيوت ومشتقات الحبوب ووصل سعر كيلو زيت الذرة وعباد الشمس إلى أكثر من 18 ألف ليرة سورية، وسط عجز حكومي عن تأمين احتياجات الأسواق السورية عبر الدعم الحكومي وحاجة السوق عموماً.
وفيما يتعلق بالعملة الأجنبية، فقد وصل سعر صرف الدولار في الأسواق السورية السوداء إلى حدود 4 آلاف ليرة سورية، في حين يبلغ سعره الرسمي نحو 2500 ليرة.

درعا
لرمضان في محافظة درعا كغيرها من المدن السورية طقوس خاصة، لكن هذه الطقوس باتت حكراً للعائلات الميسورة الحال، لأنها طقوس تستلزم سيولة مالية.
ولم تعد هذه الطقوس ضمن آمال الكثير من العائلات محدودة الدخل، فالوضع الكارثي والغلاء الذي خيم على كل مستلزمات الحياة وحتى الأساسية، جعلا معظم العائلات لا يفكرون سوى بكيفية تأمين مستلزمات مائدة الإفطار كل يوم بيومه.
يقول أبو نضال أحد سكان ريف درعا إن موجة الغلاء التي تشهدها سوريا اليوم لم تمر على البلاد رغم سنوات الحرب الماضية. وأضاف أن معدل الحاجيات اليومية في شهر رمضان لكل أسرة يصل إلى 25 ألف ليرة سورية يومياً، ومعظم سكان المنطقة يعتمدون على رواتب الموظفين التي تساوي مع كل الزيادات الأخيرة التي قدمتها الحكومة السورية من 80 - 100 ألف ليرة سورية، وأجور اليد العاملة في القطاع الخاص، وخاصة الزراعي، لا تكفي لسد احتياجات الأسرة لأول أيام شهر رمضان فقط. وأصبح شاغل الأهالي حساب قيمة الإنفاق الكبير على الطعام والشراب؛ بسبب الغلاء الكبير في أسعار السوق قبيل قدوم شهر رمضان.
وبحسب أحمد أحد تجار درعا، فإن المواد الغذائية متوفرة لكن ثمنها أضعاف ما كانت عليه في رمضان العام الماضي، و«تتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين أصحاب الدخل المحدود»، بسبب غلائها من المصدر الأساسي في محلات «الجملة» في دمشق، نتيجة قلة وندرة المحروقات في البلاد كالمازوت والبنزين والغاز؛ وشرائها من السوق السوداء بسعر يساوي ثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي، إذ وصل سعر اللتر الواحدة من البنزين إلى 4 آلاف ليرة سورية، واللتر الواحد من مادة المازوت وصل إلى 5 آلاف ليرة سورية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البضاعة في المعامل وارتفاع أجرة نقلها.
ويقول الناشط مهند العبد الله من درعا إنه نتيجة التأثر بالأزمة الاقتصادية التي أصابت معظم مناطق العالم بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، شهدت الأسواق السورية ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، خاصة الطحين والزيت النباتي والسكر، ونتيجة موجات الصقيع والبرد التي ضربت المحاصيل الزراعية في المنطقة وعموم سوريا وأدت إلى إتلاف مشاريع وبساتين كثيرة، ارتفعت أسعار الخضراوات.

إدلب وحلب
استقبل أهالي محافظة إدلب ومناطق بريف حلب، والنازحون في المخيمات، اليوم الأول من شهر رمضان هذا العام، بأجواء وطقوس رمضانية مثل نشر الزينة في الشوارع والأسواق وتنظيف المساجد، اعتاد السوريون على ممارستها منذ زمن بعيد، خلال شهر رمضان من كل عام، وشهدت مناطق كثيرة في إدلب والمخيمات، حملات مبادرات إنسانية وتطوعية لمساعدة الفقراء.
وقالت أم حمزة (34 عاماً)، نازحة من ريف حماة وتعيش في مخيم الوردة شمال إدلب، إن «شهر رمضان هذا العام هو الشهر الخامس الذي تقضيه وأسرتها في مخيمات النزوح، بعد أن نزحت من بلدتها كفرزيتا بريف حماة، وقضاء شهر رمضان بعيداً عن المنزل والموطن الأصلي يتسبب بحالة حزن في أعماقنا، إلا أن التراحم الذي نشهده بين الناس خلال الشهر المبارك، يخفف من أحزاننا، وشوقنا لبلادنا، حيث بادر البعض من أصحاب الخير، بجمع مبالغ مالية وجرى توزيعها قبل بدء شهر رمضان بيوم واحد على الأسر الفقيرة، لمساعدتهم في توفير الغذاء، إضافة إلى توزيع التمور من قبل بعض المؤسسات الإنسانية في المنطقة».

مبادرات إنسانية
وأعلن مشفى «الشفاء» في محافظة إدلب عن استقبال كافة المرضى المحتاجين لإجراء عمليات القسطرة القلبية وتقديم التشخيص بشكل مجاني للمرضى خلال أيام شهر رمضان المبارك، واستعداده لاستقبال كافة المرضى المحتاجين لإجراء عمليات زرع شبكات بشكل مجاني للحالات الإسعافية.
ولاقت المبادرة حالة رضا كبيرة بين الأهالي، تدفع للتخفيف من معاناتهم خلال شهر رمضان المبارك في ظل الظروف المعيشية الصعبة، التي يعانون منها.
من جهتهم، أعلن نحو أكثر من 40 شخصاً من أصحاب المنازل المأجورة في مدن أريحا وإدلب، خلال اليوم الأول من شهر رمضان، إعفاء المستأجرين من أجور المنازل خلال الشهر، للتخفيف من أعباء تكاليف الحياة المعيشية الصعبة، والغلاء في أسعار السلع الغذائية.
وقال أبو عبدو (55 عاماً): «شهدت أسواق مدينة إدلب خلال اليوم الأول إقبالاً جيداً من قبل المواطنين على التسوق وشراء المأكولات، بعد أن بادر عدد كبير من أصحاب المحال التجارية والجزارين، إلى تخفيف نسبة الأرباح المضافة على أسعار السلع الغذائية واللحوم.

القامشلي
وشهدت الأسواق المركزية في مدينة القامشلي ازدحاماً غير مسبوق وإقبالاً شعبياً في أول أيام شهر رمضان، تزامنت مع ارتفاع شديد في الأسعار بشكل عام والسلع الغذائية والمواد الخاصة بالشهر الفضيل.
ويواجه سكان المنطقة أسوأ أزمة اقتصادية على مدار الأعوام الماضية جراء انخفاض العملة السورية وتصاعد الأسعار بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي، ونقل تجار إن الحرب الروسية تسببت في زيادة الأسعار بنحو 30 في المائة، مما أضعف الأجواء الاحتفالية عند الناس التي عادة ما يخلقها شهر رمضان.
وقال سعد الدين (48 سنة) صاحب محل سمانة يقع في السوق المسقوفة وسط مدينة القامشلي: «أكثر المواد التي شهدت ارتفاعاً كانت الزيوت والسمنة والأرز والبرغل والبقوليات عموماً، أما التمور ارتفعت كثيراً لتباع علبة 5 كيلو بنحو 35 ألفاً»، ما (تعادل 10 دولارات أميركية)، فيما أشار خضر (55 عاماً) والذي يمتلك متجراً للغذائيات إلى أن أغلب زبائنه هذا العام بشهر رمضان فضلوا شراء كميات أقل بسبب ارتفاع الأسعار ليقول: «سابقاً الناس كانت تشتري بالجملة في رمضان لكن هذا العام يشترون بالكيلو ونصف كيلو بسبب الغلاء الفاحش»، ويعزو التجار ارتفاع السلع والمواد الأساسية إلى زيادة تكاليف النقل وطول الطرق وعدم استقرارها، إضافة لتقلب سعر صرف العملات الأجنبية وسجل الدولار الأميركي في الأسواق المحلية بحدود 3800 ليرة وكان قبل 2011 يتراوح سعره 47 ليرة سورية.
وحاولت منال (35 سنة) المتحدرة من القامشلي وتعمل موظفة في دائرة تابعة للإدارة الذاتية شراء متطلبات المنزل من مواد أساسية وبعض اللحوم لإعداد وجبة الإفطار. وبعد استفسار عن سعر كيلو اللحم الذي تجاوز 20 ألف ليرة سورية وسعر كيلو الفروج الذي ارتفع إلى 7 آلاف ليرة، خفضت من الكمية التي كانت مقررة شراءها وأثناء حديثها ارتسمت علامات الحيرة على وجهها وهي تدفع النقود للحام، لتقول: «لا أشتري اللحمة إلا في أطعمة محددة وآخذ بالوقية من أجل تغيير نكهة الطعام، عكس ما كنت عليه سابقاً حيثُ كنت أشتري اللحمة بالكيلوغرامات شهرياً».
وبحسب أصحاب مذابح الدجاج فقد ارتفعت أسعار المنتجات الحيوانية والدواجن بمتوسط نحو 500 في المائة، إذ وصل سعر الفرّوج الحي إلى حدود 7100 ليرة سورية، وطبق البيض ارتفع إلى 10 آلاف ليرة، وهذه الأسعار شهدتها المنطقة لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية.



انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
TT

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)

تراجعت القدرة الشرائية لغالبية اليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بعد موجة غلاء شديدة ضربت الأسواق، وارتفعت معها أسعار المواد والسلع الأساسية والغذائية، على الرغم من تراجعها عالمياً للشهر الثالث على التوالي.

وارتفعت الأسعار في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وجميع المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية؛ ما اضطر كثيراً من العائلات إلى خفض استهلاكها من بعض السلع، أو الاستغناء عن بعض الأصناف، مثل الخضراوات والفواكه، في حين رفعت المطاعم أسعار الوجبات التي تقدمها، رغم تراجع الإقبال عليها.

وتقول مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن أسعار بعض السلع الغذائية زادت، خلال الأسابيع الماضية، بشكل كبير ومفاجئ، في حين حدثت زيادات تدريجية لسلع أخرى، دون أن يصدر حول ذلك أي بيانات أو توضيح من الجماعة الحوثية التي تسيطر على القطاع التجاري، أو إجراءات للحد من ذلك.

وزاد سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوغراماً نحو 3 دولارات؛ حيث ارتفع أحد أنواعه من 12400 ريال يمني إلى نحو 14 ألف ريال، وتفاوتت الزيادة في أسعار كيس الأرز بين 3 و6 دولارات، حسب النوع، بينما ارتفع سعر زجاجة الزيت (5 لترات) بمقدار دولارين لغالبية أنواعه، وتجاوز سعر كرتونة البيض 4 دولارات، بعد أن وصل إلى 2200 ريال. (تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 535 ريالاً يمنياً).

اتهامات للحوثيين بفرض جبايات لتعويض خسائرهم من العقوبات الأميركية والغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتقول أروى سلام، وهي معلمة وربَّة منزل، لـ«الشرق الأوسط»، إنها اضطرت منذ نحو شهر للتخلي عن شراء الخضراوات تماماً، ما عدا الضروري منها لإعداد الوجبات، في محاولة منها لتوفير ثمن الدقيق والسكر والأرز.

وشملت الزيادات أسعار الخضراوات والفواكه محلية الإنتاج، والمعلبات التي تدخل ضمن أساسيات التغذية في اليمن، مثل التونة واللبن المجفف والأجبان، التي اضطرت غالبية العائلات للتوقف عن شرائها.

خنق الأسواق

بدأت موجة الغلاء الجديدة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقفزة كبيرة في أسعار السكر، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ إذ ارتفع سعر الكيس الذي يزن 50 كيلوغراماً من 20 ألف ريال، إلى 26 ألف ريال لأكثر أنواعه انتشاراً في الأسواق، وهي زيادة تعادل نحو 12 دولاراً.

يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

ومع موجة الغلاء الأخيرة، عاود السكر ارتفاع أسعاره خلال الأسابيع الماضية، وتفاوتت الزيادة الجديدة بين دولارين وأربعة دولارات، إلا أن غالبية الباعة استمروا ببيعه وفقاً للزيادة الأولى، التي تسببت بارتفاع أسعار المشروبات في المقاهي، وعدد من الأصناف التي يدخل في تكوينها.

وواجهت المطاعم صعوبات في التعامل مع الزيادات السعرية الجديدة، بعد أن اضطرت لرفع أسعار الوجبات التي تقدمها، وهو ما أدى إلى تراجع الإقبال عليها.

وتحدث عمار محمد، وهو مدير صالة في أحد المطاعم لـ«الشرق الأوسط» عن قلة عدد رواد المطعم الذي يعمل فيه منذ ارتفاع أسعار الوجبات، مع عزوف من تبقى منهم عن تناول الوجبات المرتفعة الثمن، وتقليل الكميات التي يتناولونها، وهو ما تسبب في تراجع دخل المطعم.

الجماعة الحوثية فرضت المزيد من الجبايات على نقل البضائع متسببة في موجات غلاء متتالية (غيتي)

وأبدى خشيتَه من أن يُضطَر مُلاك المطاعم إلى تسريح بعض العمال بسبب هذا التراجع، رغم توقُّعه تكيُّف معظم الزبائن مع الوضع الجديد، ورجوعهم إلى عاداتهم في تناول الوجبات خارج منازلهم بعد مضي بعض الوقت.

إلا أن باحثاً اقتصادياً نفى إمكانية حدوث التكيف مع الأوضاع الجديدة؛ فبعد كل هذه السنين من الأزمات المعيشية، والإفقار المتعمد للسكان، حسب وصفه، أصبح التكيف أمراً غاية في الصعوبة، خصوصاً مع توقف رواتب موظفي الدولة، واتساع رقعة البطالة، وتراجع المساعدات الإغاثية.

ولفت الباحث الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الإفصاح عن هويته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، إلى أن التكيف يحدث في أوضاع يمكن أن تتوفر فيها فرص للسكان لزيادة مداخيلهم، وابتكار طرق جديدة لتحسين معيشتهم.

الأسواق في مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من ركود كبير بعد موجات الغلاء (أ.ف.ب)

وأوضح أن الجماعة لا تهتم إلا بزيادة عائداتها، وتتبع جميع الوسائل التي ترهق السكان؛ من فرض المزيد من الضرائب والجمارك ومضاعفتها بشكل غير قانوني، والعبث بالقطاع التجاري والاستثماري، وجميعها إجراءات تعمّق الركود وتعيق الحركة المالية ونشوء الأسواق وتوسع البطالة.

غلاء عكس المتوقع

امتنعت كبريات الشركات التجارية عن إبداء تفسيرات لهذه الزيادات السعرية، بالتوازي مع عدم اتخاذ الجماعة الحوثية أي إجراءات لمنعها أو تفسيرها، رغم ادعاءاتها باستمرار إجراءاتها للرقابة السعرية، وحماية المستهلكين من الاستغلال.

تأتي هذه الزيادات في الوقت الذي أظهرت فيه مؤشرات «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)»، تراجعاً عالمياً في أسعار السلع الغذائية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، للشهر الثالث على التوالي.

وبيَّنت المؤشرات، التي أعلنت عنها «فاو»، والتي ترصد أسعار سلَّة من السلع الغذائية المتداولة حول العالم، ظهور انخفاض من متوسط 126.6 نقطة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 125.1 نقطة، الشهر الماضي، بما يساوي 1.2 في المائة.

وطبقاً لذلك، هبطت أسعار أغلب فئات السلع الأساسية، مثل الألبان ومنتجاتها واللحوم والزيوت النباتية والسكر، رغم ارتفاع مؤشر أسعار الحبوب.

وأرجعت المنظمة الأممية هذا التراجع السعري إلى وفرة المعروض العالمي من السلع، وزيادة الإمدادات في أسواق التصدير، ما زاد المنافسة وخفّض الضغوط السعرية.

ومنذ أيام، حذَّرت المنظمة ذاتها من أن نصف الأسر في اليمن تعاني من نقص الغذاء والحرمان الشديد في أربع محافظات.


«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
TT

«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)

حذَّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الأحد)، من النقص الشديد في الأدوية والمستهلكات الطبية الذي وصفته بأنه عند «مستويات كارثية».

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن 52 في المائة من الأدوية الأساسية و71 في المائة من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً»، كما أن 70 في المائة من المستهلكات اللازمة لتشغيل المختبرات بات رصيدها «صفراً» أيضاً.

وقالت الوزارة التي تديرها حركة «حماس»، في بيان، إن أقسام جراحة العظام، والغسل الكلوي، والعيون، والجراحة العامة، والعمليات، والعناية الفائقة، تواجه تحديات كارثية مع نقص المستهلكات الطبية، كما أن هناك نقصاً شديداً في الأدوية اللازمة للرعاية الأولية والسرطان وأمراض الدم.

وحذَّرت الوزارة من تصاعد الأزمة في ظل زيادة الحاجة إلى مزيد من التدخلات العلاجية للمرضى والجرحى، وطالبت بتعزيز الإمدادات الطبية العاجلة لتمكين الأطقم الطبية من أداء عملها.


الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
TT

الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)

وسط تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية واتساع رقعة الفقر، بدأت الجماعة الحوثية تنفيذ حملة تجنيد قسرية في مناطق سيطرتها بمحافظتي الحديدة وذمار، بعد فشل محاولاتها السابقة في استقطاب الفقراء للالتحاق بمعسكرات التدريب مقابل وعود برواتب شهرية.

ولجأت الجماعة المتحالفة مع إيران -حسبما ذكرته مصادر حكومية- إلى اعتقال عدد من وجهاء تلك المناطق بتهمة «التخاذل» في مسعى لإجبار السكان على إرسال أبنائهم للقتال.

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين اعتقلوا عدداً من وجهاء مديرية «جبل راس» في الحديدة، بعد رفضهم إجبار الأهالي على إرسال أبنائهم إلى معسكرات التدريب، ضمن حملات التعبئة التي تزعم الجماعة أنها مخصصة لـ«تحرير فلسطين».

وقالت المصادر إن سكان المديريات الخاضعة للجماعة يواجهون حملة تضييق وعقوبات غير مسبوقة، بسبب رفضهم الانخراط في القتال، وإن الوجهاء لا يزالون رهن الاعتقال منذ أيام.

الحوثيون يرغمون الدعاة على قيادة حملات التجنيد (إعلام محلي)

وأوضحت السلطات المحلية الموالية للحكومة الشرعية، أن السكان -رغم الفقر المدقع الذي يعيشونه- رفضوا الانضمام لمعسكرات التدريب. وأشارت إلى أن القيادي الحوثي أحمد البشري، مسؤول ما تسمَّى «التعبئة العامة»، وعبد الله عطيف الذي عيَّنته الجماعة محافظاً للحديدة، أجبرا عدداً من الدعاة على مرافقتهم إلى تجمع أقيم في مدينة زبيد ضمن حملة التجنيد هناك. واعتبرت أن لجوء الجماعة إلى مثل هذا السلوك يعكس «حالة الإفلاس والتخبط» بعد فشلها في استقطاب أبناء تهامة.

وقالت السلطات إن مسؤول التعبئة الحوثي أبلغ الدعاة خلال الاجتماع أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أبدى استياءه الشديد من المجتمع التهامي، بسبب رفض أبنائه الالتحاق بالتجنيد، وعدم التجاوب مع دعوات التعبئة، رغم أن الحديدة تعد من أكثر المحافظات معاناة من انعدام الأمن الغذائي والفقر.

ضغوط على الدعاة

وطبقاً لما نقلته السلطات المحلية، وجَّه القيادي الحوثي أحمد البشري تهديداً مباشراً للدعاة، وأمرهم باستخدام نفوذهم ومنابر المساجد للضغط على الأهالي لإرسال أبنائهم إلى معسكرات التجنيد والجبهات، وإصدار فتاوى بوجوب حمل السلاح. كما هدد بإلحاق الدعاة وأُسرهم قسراً بالدورات الطائفية والعسكرية في حال رفضهم تنفيذ التعليمات.

وحذَّرت السلطات المحلية من أن الجماعة الحوثية تعمل على تحويل الدعاة وزعماء القبائل إلى أدوات لشرعنة التجنيد القسري، وتهدد كل من يتأخر أو يرفض بالاتهام بالولاء للحكومة الشرعية.

بينما يعاني اليمنيون من انعدام الغذاء يستمر الحوثيون في الإنفاق على التجنيد (إعلام محلي)

واستغلت الجماعة حالة الفقر الشديد، وانقطاع المرتبات، وانعدام الوظائف، لإغراء الأهالي برواتب شهرية، ووعدت بإدراج أبنائهم في قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية عند استئناف توزيعها. وفق المصادر ذاتها.

إلى ذلك، واصلت الجماعة الحوثية التضييق على سكان محافظة ذمار (مائة كيلومتر جنوب صنعاء) إذ أجبرت الأهالي في عدد من المديريات على الخروج في وقفات تحت شعار «النفير والتعبئة العامة»، وألزمت المشاركين برفع شعاراتها، في حين قام عناصرها بتصوير الحشود لتقديمها كدليل على وجود «حاضنة شعبية».

وقالت مصادر محلية إن مشرفي الحوثيين أبلغوا مسؤولي القرى والعزل بضرورة الحضور الإجباري لهذه الفعاليات، والاستعداد لـ«النفير العام» تحت غطاء دعم فلسطين، رغم توقف الحرب في غزة منذ مدة. كما ألزمت نساءً وفتيات بتسجيل أسمائهن كمتطوعات، ولوَّحت بعقوبات لمن يرفض، في خطوة تهدف إلى حشد أكبر عدد ممكن للفعالية التي دعت إليها الجماعة في صنعاء.

أزمة هي الأشد عالمياً

تأتي هذه الممارسات الحوثية -وفق مراقبين- في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة أن اليمن لا يزال يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ يحتاج أكثر من 19.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية هذا العام، بسبب النزاع المستمر، والانهيار الاقتصادي، وتداعيات تغير المناخ.

يمنيون نازحون في صنعاء يدفئون أنفسهم تحت أشعة الشمس في مخيم مؤقت وسط طقس بارد (إ.ب.أ)

ووفق مفوضية شؤون اللاجئين، فإن نحو 4.8 مليون يمني ما زالوا نازحين داخلياً، بينما استقبلت البلاد أكثر من 62 ألف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من الصومال وإثيوبيا. وتوضح المفوضية أنها تعمل في معظم محافظات البلاد بالتنسيق مع السلطات والشركاء المحليين، لتوفير الحماية والمساعدات للفئات الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من هذه المعاناة الواسعة، تواصل الجماعة الحوثية إنفاق الموارد على التجنيد وحملات الحشد الطائفي والعسكري، بدلاً من توجيهها لتخفيف الكارثة الإنسانية، حسبما تؤكده مصادر حكومية ومنظمات محلية.