«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب
TT
20

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

«الببلوماني الأخير» قصص عن الهوس بالكتب

تدور قصص هذه المجموعة في أجواء شيقة ولافتة، حيث الهوس باقتناء الكتب، والحفاظ على تقاليد القراءة وإرثها التقليدي، في مواجهة طغيان التكنولوجيا التي أصبحت تهدد هذه التقاليد.
وتتساءل المجموعة عن مصير البشرية، لو اختفت الكتب الورقية، في مقابل الاعتماد على «فلاشة» أو ضغطة على زر الكومبيوتر، بينما تختفي تماماً رائحة الكتب، بألفتها وحيويتها، كأنها صدى لرائحة الوجود.
صدرت المجموعة عن دار «الربى» بالقاهرة في 123 صفحة من القطع المتوسط. واتخذ مؤلفها شريف عبد المجيد من هاجس قصة «الببلوماني الأخير» عنواناً لها.
وحول الاسم ودلالته، يوضح أنه حسب مراجع الطب النفسي فإن: «الببلومانيا» هي هوس جمع وحب الكتب على نحو متطرف، ويطلق غالباً على من لديه مكتبة كبيرة تفيض بالكتب، لكن صراعه يكمن في الشعور بالشره الدائم لامتلاك المزيد، ولا يعيقه شيء عن امتلاك أي كتاب يراه، ولا يشترط المهووس نوعاً معيناً من الكتب إنما يودّ امتلاك أي كتاب، تحت ذريعة أنه يمكن أن يحتاج إليه في المستقبل.
وعلى ذلك يرسم المؤلف صورة هذا البطل «الببلوماني»، فهو لا يتحمل رؤية كتاب ليس ملكاً له، أو حتى مجلات أو جرائد، كما أنه غالباً ما يرتدي نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب.
ويفترض المؤلف أن هذا الشخص لا يملك رصيداً في البنك أو كونه من الأغنياء، لأنه ينفق كل ما يملك من الأموال على شراء الكتب فقط، إضافةً إلى ذلك نجده يرفض أن يعير أحداً أي كتاب، مهما كان قريباً منه، فهو لا يثق بأحد ولا يأتمنه على كتابه.
في القصة يطالعنا «الببلوماني» الأستاذ الخمسيني المخضرم «محمود أمين»، أمين مكتبة كبرى، منضبط جداً في مواعيده، يرتدي بالفعل نظارة طبية كما يرتدي الملابس القطنية الواسعة صيفاً، وفي الشتاء يرتدي البدل القاتمة القديمة التي تعود إلى فترة التسعينات. وبولع الهوس بالكتب يتودد إلى «خالد» الكاتب الشهير الذي تتصدر رواياته دائماً قائمة الأكثر مبيعاً ويخبره بأن لديه مهمة جليلة تتمثل في الحفاظ على إرث الإنسانية من الاندثار.
لا يبدو «خالد» متحمساً لكنّ الرجل يُطلعه على تنظيم «حراس المعرفة» السرّي الذي أنشأه لحماية الكتب من الانقراض عبر قبو ضخم في فيلا قديمة بحي «جاردن سيتي» بالقاهرة. يتزوج «خالد» من «ليلى» ابنة «محمود» ليصبح حارساً حقيقياً، ثم يموت فجأة بعد أن أنجب لها ابنا هو «نجيب» الذي تعده ليكون خليفة جده في التنظيم!
تتسم لغة المجموعة بلغة سلسة شيقة، تنعكس على مرآتها صور عجيبة لأبطال وشخصيات يرسم المؤلف ملامحها بإيجاز شديد، وفي إيقاع سردي مفعم بالحيوية والتشويق. مثل: «الذوّاق» الذي يقتحم كواليس عالم الطبخ في البرامج الفضائية ثم يقرر أن يتحول إلى حوت يبتلع الجميع بدلاً من أن يظل سمكة صغيرة خائفة، وهناك الخبير الاقتصادي الثري الوسيم الذي يلجأ لمجرم محترف حتى يعينه على تحقيق هواياته السرية، وهناك عامل الدليفري الذي يُخفي إصابته بفيروس «كورونا» فيتعرض للابتزاز من الجميع بدايةً من سائق التاكسي وليس انتهاءً بزوجته.
يشار إلى أن المؤلف الشاب شريف عبد المجيد، يعد أحد الأصوات المميزة على ساحة القصة القصيرة بمصر، وهو أيضاً مصور فوتوغرافي وسيناريست. صدر له من قبل عدد من المجموعات القصصية منها «تاكسي أبيض»، و«فرق توقيت»، و«جريمة كاملة».



جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي
TT
20

جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

جمعة اللامي
جمعة اللامي

لم يأتِ رحيل المبدع العراقي جمعة اللامي في السابع عشر من هذا الشهر مفاجئاً لمعارفه ومحبيه. إذ لم تحمل السنوات الأخيرة الراحة له: فقد سكنه المرض، وتلبدت الذاكرة بضغوطه، فضاع كثير من الوهج الذي تميزت به كتاباته. وتجربة جمعة اللامي فريدة؛ لأنه لم يكن يألف الكتابة قبل أن يقضي سنواتٍ عدة سجيناً في عصور مضت. لكنه خرج من هذه أديباً، وصحافياً متميزاً.

ربما لا يعرف القراء أنه شغل مدير تحرير لصحف ومجلات، وكان حريصاً على أن يحرر الصحافة من «تقريرية» الكتابة التي يراها تأملاً بديعاً في التواصل بين الذهن واللغة. خرج من تلك السنوات وهو يكتب الرواية والقصة. وكانت روايته «من قتل حكمت الشامي» فناً في الرواية التي يتآلف فيها المؤلف مع القتيل والقاتل. ومثل هذه المغامرة الروائية المبكرة قادت إلى التندر. فكان الناقد الراحل الدكتور علي عباس علوان يجيب عن تساؤل عنوان الرواية: من قتل حكمت الشامي؟ جمعة اللامي. لكن الرواية كانت خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ماورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية). وسكنته روح المغامرة مبكراً. وكان أن كتب مسرحية بعنوان «انهض أيها القرمطي: فهذا يومك»، التي قادته أيضاً إلى محنة أخرى، لولا تدخل بعض معارفه من الأدباء والمفكرين. وجاء إلى القصة القصيرة بطاقة مختلفة جزئياً عن جيله. إذ كان جيل ما بعد الستينات مبتكراً مجدداً باستمرار. وكان أن ظهرت أسماء أدبية أصبحت معروفة بعد حين وهي تبني على ما قدمه جيلان من الكتاب: جيل ذو النون أيوب، وما اختطه من واقعية مبكرة انتعشت كثيراً بكتابات غائب طعمة فرمان، وعيسى مهدي الصقر وشاكر خصباك، وجيل عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي، والذين بنوا عليه وافترقوا عنه كمحمد خضير، وموسى كريدي، وأحمد خلف، وعبد الستار ناصر، وعدد آخر. وكان جمعة اللامي ينتمي إلى هذا الجيل، لكنه استعان بهندسة القصة لتكون بنية أولاً تتلمس فيها الكلمات مساحات ضيقة تنوء تحت وقع أي ثقل لغوي. ولهذا جاءت قصصه القصيرة بمزاوجة غريبة ما بين الألفة والتوحش، يتصادم فيها الاثنان، ويلتقيان في الأثر العام الذي هو مآل القص.

وعندما قرر اللامي التغرب وسكن المنفى، كان يدرك أنه لن يجد راحة البال والجسد. لكنه وجد في الإمارات ورعاية الشيخ زايد حاكم الدولة، وبعده عناية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي ما يتيح له أن يستأنف الكتابة في الإبداع الأدبي وكذلك في العمود الصحافي. ولمرحلة ليست قصيرة كان «عموده» الصحافي مثيراً لأنه خروج على المألوف، ومزاوجة ما بين العام والشخصي، اليقظة والحلم، المادية والروحانية. وعندما ينظر المرء إلى مسيرة طويلة من الكد الذهني والجسدي فيها الدراية والعطاء، يقول إن الراحل حقق ذكراً لا تقل عنه شدة انتمائه لمجايليه وأساتذته وصحبه الذين لم يغيبوا لحظة عن خاطره وذهنه، كما لم يغب بلده الذي قيَّده بحب عميق يدركه من ألِفَ المنافي وسكن الغربة.

سيبقى ذكر جمعة اللامي علامة بارزة في أرشيف الذاكرة العراقية والعربية الحيّة.

 كانت روايته «مَن قتل حكمة الشامي؟» خروجاً على الرواية البوليسية وإمعاناً في المزاوجة ما بين ما ورائية القص وواقعتيه (ما بعد الكولونيالية)