صاروخ «ضال» يختبر نضج إسلام آباد ونيودلهي

«براهموس» الهندي تحطم بسلام داخل باكستان

TT

صاروخ «ضال» يختبر نضج إسلام آباد ونيودلهي

كانت أنظار العالم متركزة على أوكرانيا، حين نجت شبه القارة الهندية من أزمة أمنية كبرى، إذ سقط صاروخ هندي غير مسلح «بالخطأ» داخل باكستان، وتحطم من دون أن يخلف أضراراً بالقرب من مدينة ميان شانو الباكستانية الصغيرة. استغرق الحادث برمته أقل من 4 دقائق، لكن إسلام آباد الغاضبة أثارت القضية مع نيودلهي وعلى الصعيد الدولي.
وأعلن بيان صادر عن وزارة الدفاع الهندية أن «الحادث المؤسف» تسبب به «إطلاق عرضي» ناجم عن «عطل فني» في «مسار أعمال الصيانة الروتينية».
وأكد وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ أمام البرلمان أن الحكومة «اتخذت موقفاً جاداً إزاء الأمر، وأمرت بتشكيل لجنة تحقيق رفيعة المستوى... وما يدعو للارتياح عدم وقوع خسائر في الأرواح بسبب الحادث المؤسف للغاية».
لم تذكر نيودلهي اسم نوع الصاروخ. لكنّ محللين خلصوا إلى أنه أحد أفضل الصواريخ الهندية «براهموس»، الذي يعد من بين الأصول الاستراتيجية الحديثة في ترسانة الجيش الهندي، وجرى تطويره بالتعاون مع روسيا، ويمكن إطلاقه من أي مكان، وبمقدوره أن يحمل رؤوساً حربية تتراوح زنتها بين 200 و300 كيلوغرام. ويملك نطاقاً يغطي معظم المدن الباكستانية.

لماذا لم تبلغ الهند باكستان؟
أعرب محللون أمنيون عن اعتقادهم بأن مسؤولي البلدين بحاجة للتعامل بجدية مع حوادث كهذه، لأنها «من الممكن أن تشكل استفزازاً خطيراً يشعل صراعاً بين دولتين تمتلكان القوة النووية».
ومع أن هذا الحادث لم يؤدِ إلى تصعيد بين الهند وباكستان، اللتين حرصتا على التصرف بنضج في خضم حالة من الشكوك والارتياب، فإنه أثار تساؤلات لم تلقَ إجابات عنها بعد.
ترتبط الهند وباكستان بعدد من الاتفاقات الثنائية السارية، تقضي الإبلاغ المتبادل عن عمليات إطلاق الصواريخ. مع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقات سارية على أرض الواقع.
ونقلت صحيفة «دون» الباكستانية عن مستشار الأمن الوطني الباكستاني معيد يوسف، نفيه القاطع لتقارير تفيد بأن نيودلهي سارعت إلى إبلاغ إسلام آباد عن حادث الإطلاق غير المقصود للصاروخ. وقال: «لم يبلغونا، وبدلاً عن ذلك استغرقوا يومين ونصف يوم للتوصل إلى تفسير، وجاء ذلك بعد أن طالبت باكستان بذلك علناً».
وذكرت مصادر في الجيش الهندي أنه تم إبلاغ السلطات الباكستانية المعنية بعملية الإطلاق العرضي، قبل وقت طويل من عقد المتحدث العسكري الباكستاني اللواء بابار إفتخار مؤتمره الصحافي، في اليوم التالي لحادث الصاروخ. وقالت إن الباكستانيين لم يتمكنوا من تتبع إطلاق الصاروخ.
ورأى الصحافي الباكستاني قمر شيما أن «هذا الإطلاق العرضي يثير أسئلة مقلقة. من المحتمل أن إسلام آباد تفتقر إلى القدرة على إسقاط مثل هذه المقذوفات سريعة الحركة، التي يعتقد المسؤولون الباكستانيون أنها صاروخ كروز. ولا يستبعد بعض خبراء الدفاع الباكستانيين احتمال أن يكون الإطلاق مقصوداً، بمعنى أنه اختبار لردّ إسلام آباد، بما في ذلك قدرتها على إسقاط مثل هذا الصاروخ».
واعتبر شيما أن الحادث يعكس عدم الاستعداد العسكري الباكستاني، الأمر الذي ينذر بالخطر بالفعل، محذراً من أن باكستان «لن تستجيب بشكل جيد لمثل هذا العمل الاستفزازي إذا حدث مرة أخرى».
في المقابل، قال الصحافي الهندي شيخار جوبتا: «لا أعتقد كما ادعى البعض في وسائل الإعلام أن الهند أطلقت النار للتحقق من يقظة باكستان، خاصة أن الجزء الأكبر من مسار طيران الصاروخ كان فوق اليابسة الهندية (المدن والبلدات) والقرى الهندية التي ربما تكون قد عانت من هذا الحادث، وعرّض كذلك كثيراً من رحلات الركاب المحلية والدولية للخطر في كل من المجالين الجوي الهندي والباكستاني، بالإضافة إلى حياة البشر والممتلكات على الأرض. لذلك، أشعر شخصياً أنها لم تكن محاولة متعمدة من الجانب الهندي، لأن الهند كانت تدرك حجم الضرر الذي يمكن أن يقع. كما لم تصدر السلطات الهندية أي تحذير للحركة الجوية أو البحرية بشأن أي إطلاق مقصود».
وأضاف جوبتا: «فيما يخص التوترات طويلة الأمد بين الهند وباكستان، كان من الممكن أن يؤدي هذا الإطلاق غير المقصود بسهولة إلى تصعيد سريع إلى المستويات النووية. وقد تصرفت باكستان، من جهتها، بشكل ناضج. ولو وقعت أي خسائر في الأرواح، لتعرضت باكستان لضغوط للانتقام».
وطالبت إسلام آباد في وقت لاحق بإجراء تحقيق مشترك، وسعت إلى معرفة سبب فشل نيودلهي في إبلاغها عن الإطلاق العرضي للصاروخ، وما إذا كان قد جرى التعامل معه من قبل قواتها المسلحة أو بعض العناصر المارقة.
حتى الآن، لم تدعم أي دولة أخرى مطلب إسلام آباد إجراء «تحقيق مشترك للتثبت بدقة من الحقائق المحيطة بالحادث».
وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً قالت فيه: «مثلما سمعتم أيضاً من شركائنا الهنود، هذا لم يكن سوى حادث. ونحيلكم بالطبع إلى وزارة الدفاع الهندية لأي متابعة لهذا الأمر». تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه ليس للهند وباكستان سفراء في عاصمتيهما، بعدما قطعت نيودلهي جميع المعاملات الرسمية مع جارتها، بسبب ما تدعي أنه دعم باكستاني مزعوم للإرهاب في أراضٍ تسيطر عليها الهند.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».