بعدما فشل في تحقيق مكاسب سريعة في بداية غزوه لأوكرانيا، لا يزال الجيش الروسي يسعى إلى تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة بعد شهر من دخوله الحرب، ويبدو أنه يخوض حرب استنزاف مدمرة ضد السكان المدنيين في أوكرانيا.
وبحسب واشنطن، كثّفت روسيا عملياتها الجوية والبحرية في أوكرانيا في مواجهة مقاومة القوات الأوكرانية التي تواصل محاولة كبح تقدّم العدو.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، مطلع الأسبوع: «ما نراه هو محاولة يائسة من الروس لاستعادة الزخم»، فيما لا تزال القوات الروسية عالقة على بعد 15 كيلومتراً شمال غربي كييف، و30 كيلومتراً شرق العاصمة الأوكرانية.
ويبدو أن الاستيلاء على كييف كان هو الهدف الأوّل للروس حين عبروا الحدود الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) بهدف إسقاط نظام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لكن يُجمع خبراء غربيون على أن الجنود الروس الذي يتراوح عددهم بين 150 ألفاً و200 ألف فشلوا في دخولهم الحرب، مفترضين أن المقاومة الأوكرانية ضعيفة، ومن دون إعطاء أهمية لاحتياجاتهم اللوجستية.
ولم يتمكّن الجيش الروسي من تحقيق تفوّق جوّي في سماء أوكرانيا، ما يُعدّ خطأً في التكتيك.
ويرى ضابط فرنسي سابق أن «الروس يفتقرون إلى سياسة قيادة وسيطرة حقيقية»، مشيراً إلى «نقص في التنسيق بين القوات الجوية والبرية، وإلى ضعف دقّة الضربات الجوية».
وتشير مصادر في الاستخبارات الأميركية، حسبما نقلت عنها صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن الروس قد يكونون خسروا أكثر من 7 آلاف جندي خلال شهر، أي حصيلة ضحايا أكبر من تلك التي سجّلتها الولايات المتحدة في صفوف جيشها خلال قتالها في العراق وفي أفغانستان.
وأكّدت كييف من جهتها في 12 مارس أنها خسرت 1300 جندي أوكراني، وهو رقم يُرجّح أنه أقلّ من الحصيلة الحقيقية.
وفي ظلّ عدم إحراز تقدم كبير، يبدو أن الهجوم الروسي قد تحوّل إلى حرب حصار تهدف إلى ترهيب وإضعاف معنويات الأوكرانيين الذين ترك 10 ملايين منهم منازلهم.
ويقول مصدر أوروبي مقرّب من حلف شمال الأطلسي لوكالة الصحافة الفرنسية: «كلّما تقدّم الجيش الروسي، ازدادت عملياته عنفاً، واستخدامه غير المتناسب للسلاح الجوي».
ويضيف المصدر: «بوتين يحتاج إلى اتفاق، لذلك يحتاج إلى تحقيق انتصارات».
يقصف الروس من دون توقّف المراكز المدنية في شمال أوكرانيا مثل خاركيف، ثاني أبرز مدينة في البلاد، فيما يمارسون ضغوطاً متزايدة على مدن الشرق والجنوب.
ولا تزال مدينة ميكولايف (جنوب غرب)، وهي آخر معبر استراتيجي قبل الوصول إلى ميناء أوديسا، تتعرض للقصف.
وفي مدينة ماريوبول الجنوبية، وهي مدينة ساحلية كبيرة محاصرة وتتعرض للقصف منذ أسابيع، لا يزال 100 ألف شخص من السكان عالقين في مساحات مدمّرة مليئة بالجثث وينقصهم كل شيء. ويكشف ذلك عن الثقل الاستراتيجي لمدينة ماريوبول بالنسبة للروس، فالاستيلاء على ماريوبول سيسمح لهم بإنشاء جسر بري بين قواتهم في شبه جزيرة القرم في جنوب غربي البلاد وأراضي دونباس الانفصالية الموالية لروسيا في الشرق.
وفي هذه المنطقة، ينوي الروس محاصرة القوات الأوكرانية لمنعها من الوصول إلى باقي أنحاء البلاد.
وكتب الخبير في شؤون الجيش الروسي مايكل كوفمان عبر «تويتر»: «قد يكون الفصل التالي من هذه الحرب أكثر قبحاً لأنه من المحتمل أن تتحول إلى حرب استنزاف، مع تكثيف قصف المناطق المدنية... ومن المحتمل أن تحاول القوات الروسية التعويض عن الأداء الضعيف من خلال إحداث مزيد من الدمار».
ويرى مدير البحوث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ويليام ألبيركي، في حديث مع الوكالة، أن «حرب الاستنزاف هي المسار الأكثر احتمالاً» حدوثه، بحيث «قد يكثّف (الروس) من أساليب الحصار الإرهابية مثلما حصل مع حلب أو غروزني».
ويحذّر من تغيير الروس لاستراتيجيتهم، إذ إن «الاستمرار في التقدّم جنوباً وشرقاً سيُكسبهم أكبر زخم ممكن من أجل المساومة السياسية. سوف يستخدمون وقف إطلاق النار لتعزيز قواتهم».
ويعتبر أن «الأسوأ هو أن رغبتنا في وقف معاناة الشعب الأوكراني يمكن أن تساعد الروس. إنهم يعتمدون على رغبتنا في رؤية السلام كفرصة».
بعد شهر من بدايته... هل تحول الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حرب استنزاف؟
بعد شهر من بدايته... هل تحول الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حرب استنزاف؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة