بعد فترة وجيزة من انتقال فرنكي دي يونغ لبرشلونة، تلقى لاعب خط الوسط الهولندي الشاب رسالة نصية من قائد الفريق سيرجيو بوسكيتس يرحّب به في النادي الكاتالوني ويدعوه للتواصل معه إذا كان لديه أي أسئلة أو يريد أي نصيحة. وكانت هذه الرسالة من لاعب خط الوسط الإسباني بمثابة لفتة مدروسة جيداً ورائعة للغاية لسببين.
أولاً، رغم الإعلان عن انتقال دي يونغ لبرشلونة في يناير (كانون الثاني) 2019، فإنه لم يرحل عن أياكس إلا في الصيف التالي. كما كانت بعض التقارير تشير إلى أن برشلونة قد تعاقد مع دي يونغ ليكون بديلاً لبوسكيتس في الفريق - ربما ليس على الفور ولكن بالتأكيد في مرحلة ما. وبالتالي، كان من الممكن أن يشعر أسطورة النادي بعدم الارتياح تجاه تلك الصفقة التي كلفت خزينة برشلونة 65 مليون جنيه إسترليني. وتم التأكيد على هذه النقطة من خلال العنوان الرئيسي لصحيفة ماركا الإسبانية بعد مشاركة دي يونغ لأول مرة مع برشلونة في مباراة ودية أمام تشيلسي، حيث قالت الصحيفة الإسبانية: «بوسكيتس لديه مشكلة تسمى دي يونغ».
لكن من الواضح أن بوسكيتس لم يرَ الأمور بهذه الطريقة. يتذكر دي يونغ ما حدث آنذاك قائلاً: «لقد رحّب بي وطالبني بأن أستعين به إذا كنت بحاجة إلى أي شيء، وقال لي إنه موجود دائماً للمساعدة. وعندما وصلت إلى برشلونة، رشّح لي مطعماً معيناً وحجز لي ولخطيبتي، ميكي. كما أبلغ مالك المطعم أننا قادمان، لذلك تم ترتيب كل شيء بشكل جيد بالنسبة لنا».
من المؤكد أن هذه الحكاية تعكس الأجواء السائدة في برشلونة، بحسب دي يونغ، حيث لا يمثل التنافس بين اللاعبين أي مشكلة، رغم أن كل لاعب يسعى جاهداً لحجز مكان له في التشكيلة الأساسية للفريق. وبعد مرور ثلاث سنوات، أصبح بوسكيتس ودي يونغ يمثلان شراكة دائمة في خط وسط الفريق الكاتالوني الذي تحسن بشكل ملحوظ منذ التعاقد مع المدير الفني الشاب تشافي هيرنانديز، وخير دليل الانتصار الكاسح على الغريم التقليدي ريال مدريد، الأحد، برباعية نظيفة في معقل الأخير.
دي يونغ يتلقى التهنئة من مدربه تشافي بعد الكلاسيكو (رويترز)
وقال دي يونغ، خلال هذا الحوار الذي أُجري معه عبر تطبيق «زوم» قبل التدريبات: «لم أشعر قط بأنه يتعامل مع الأمر من منطلق أنني لاعب خط وسط جديد قادم لصفوف الفريق وأن هذا يعني أنه لن يشارك في المباريات. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق، فالكل كان يريد مساعدتي حقاً. الجميع يتعامل مع الأمر من مبدأ أن الأفضل هو الذي يلعب، وبالتالي يتعين على كل لاعب أن يبذل قصارى جهده حتى يكون الأفضل في مركزه. ولا يلوم اللاعب إلا نفسه إذا لم يشارك في المباريات، لأن هذا يعني أن هناك مَن هو أفضل منه ومن يستحق المشاركة على حسابه. ولدي إحساس بأن الجميع يتعامل مع الأمر بهذه الطريقة».
جعل دي يونغ الأمور أسهل على نفسه من خلال بدء تعلم اللغة الإسبانية عندما كان في أياكس، وهو ما ساعده على التواصل والتفاعل بسهولة أكبر مع زملائه في برشلونة عند الوصول إلى «كامب نو». يقول اللاعب الهولندي الشاب: «لم أكن أتحدث اللغة الإسبانية بطلاقة بعد، لكن كان بإمكاني أن أعبّر عن نفسي وأن أفهم الآخرين. لذلك رغم حقيقة أن هذه كانت المرة الأولى التي أعيش فيها بالخارج بمفردي، فلم يكن الانتقال صعباً جداً».
وهناك نقطة أخرى ساعدت دي يونغ في تجربته الجديدة، وهي أنه كان يعرف هذا المكان بعض الشيء، فعندما كان صبياً صغيراً، أمضى عدة إجازات صيفية مع عائلته في موقع تخييم بالقرب من بلدية لاسكالا في إقليم كاتالونيا. وكانت بعض الزيارات من حين لآخر لملعب «كامب نو» تعني أنه يعرف جيداً الوجهة التي يحلم بها.
دي يونغ وبصمة خاصة بقميص برشلونة (أ.ف.ب)
وعندما أتيحت له الفرصة للانضمام إلى برشلونة وهو في الحادية والعشرين من عمره، استغلها بشكل مثالي، رغم حرص جوسيب غوارديولا وتوماس توخيل على إحضاره إلى مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان على التوالي.
وبعد عامين ونصف العام كلاعب أساسي في برشلونة، يشعر دي يونغ بالرضا، لكنه يشعر أيضاً بأنه لم ينجز ما كان يحلم به، ويقول عن ذلك: «أنا سعيد للغاية لأنني في برشلونة، فمنذ صغري وأنا أرغب في أن أكون هنا، وبهذه الطريقة فقد حققت حلمي. لكن كنت أرغب بالطبع في أن أفوز بألقاب وبطولات أكثر مما حصلنا عليها خلال أول عامين لي في النادي. كنت أتوقع المزيد، دعنا نضع الأمر على هذا النحو. لكن بخلاف ذلك، أنا سعيد جداً هنا، وآمل أن أظل هنا لسنوات عديدة أخرى».
ويشير دي يونغ إلى أن التدريب تحت قيادة تشافي يختلف في أشياء معينة عن التدريب تحت قيادة الهولندي رونالد كومان، الذي أقيل من منصبه في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عندما كان الفريق يحتل المركز التاسع في جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز. يقول دي يونغ: «أعتقد أن هناك بعض الأشياء المتشابهة، لأننا في برشلونة نلعب دائماً بأسلوب معين لا يعتمد على المدير الفني. لكن كل مدير فني لديه بعض التفاصيل الخاصة به بكل تأكيد».
ومن الواضح أن تشافي يضيف أبعاداً جديدة إلى الطريقة التي يلعب بها دي يونغ، خاصة أن اللاعب الهولندي الدولي يشعر بسعادة غامرة للعمل مع أحد أعظم لاعبي برشلونة عبر التاريخ. ويقول دي يونغ: «كلانا لاعب خط وسط، وفي نفس المركز تقريباً، لذلك يمكنه أن يعلمني الكثير في هذا الصدد. في بعض الأحيان نلتقي معاً في مكتبه ويُريني مقاطع فيديو لبعض المباريات التي لعبتها ويشرح لي وجهة نظره وما يمكنني القيام به من أجل التطور والتحسن. إننا نشاهد مقاطع فيديو عن كيفية التمركز بشكل صحيح داخل المستطيل الأخضر وما يمكن القيام به بشكل أفضل في مواقف معينة».
لعب دي يونغ في العديد من المراكز المختلفة مع برشلونة، لدرجة أنه لعب في بعض الأوقات تحت قيادة كومان كقلب دفاع، وقدم أداءً جيداً. لكن أفضل مركز له هو خط الوسط، حيث يعود للخلف للقيام بواجباته الدفاعية ثم بناء الهجمات فور الاستحواذ على الكرة، كما يمثل الخط الأول للضغط على لاعبي الفريق المنافس، ويلعب دوراً بارزاً في الربط بين خطي الدفاع والوسط. ويؤكد دي يونغ أنه يستمتع باللعب في أي مكان يساعده على التعبير عن نفسه ومساعدة فريقه في نهاية المطاف.
ويقول: «لا يوجد مركز معين بالضرورة أريد أن ألعب به حقاً، لكنني أعتقد أنني أقدم أفضل مستوياتي عندما ألعب في مكان يساعدني على لمس الكرة كثيراً». وربما يكون أفضل مثال على ذلك هو المباراة التي فاز فيها برشلونة على الريال مؤخراً، وكذلك على أتلتيكو مدريد بأربعة أهداف مقابل هدفين، التي شهدت تقديم برشلونة أفضل أداء له هذا الموسم. لعب دي يونغ في هذه المباراة في خط الوسط، لكنه كان يعود إلى الخلف ليساعد في استخلاص الكرات وبناء الهجمات وللتغطية في المساحات الخالية خلف الظهير جوردي ألبا، كما كان يشارك بفاعلية في النواحي الهجومية. وقد تجلى ذلك من خلال تناقل الكرات بسلاسة مع اللاعب الشاب الرائع جافي في الكرة التي صنع فيها الهدف الرابع لداني ألفيش.
وكانت مباراة برشلونة ضد أتلتيكو مدريد لا تُنسى لأسباب عديدة، بما في ذلك تجاوز الجماهير في «كامب نو» 70 ألف متفرج للمرة الثالثة فقط منذ أوائل مارس (آذار) 2020، يقول دي يونغ: «لقد لعبنا لفترة طويلة في ملاعب خالية من الجماهير لدرجة أن الأمر أصبح يبدو طبيعياً. ومن المؤكد أن غياب الجماهير يجعل اللاعبين يلعبون بحماس أقل».
رغم عودة الجماهير بعد موسم لعبت فيه المباريات دون جمهور، فإنه تعين على برشلونة التكيف مع غياب مختلف تماماً، وهو غياب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي. يقول دي يونغ عن اللحظة التي سمع فيها في أغسطس (آب) الماضي أن ميسي في طريقه للرحيل: «في البداية، كنت أعتقد أن الأمر مجرد شائعات. كنت في طريقي لاستقبال والدي وأخي من المطار، ثم تلقيت رسالة تقول إن ميسي سيرحل عن برشلونة. وبعد ذلك بقليل كانت هناك بعض المؤشرات على أن هذا سيحدث بالفعل. في البداية، لم أكن أصدق ذلك، رغم وجود شائعات في هذا الصدد طوال الصيف. لكنني لم آخذ ذلك في الاعتبار بجدية، لذلك عندما حدث ذلك كان بمثابة صدمة».
لم يكن الأمر يتعلق برحيل أفضل لاعب في الفريق فحسب، لكنه كشف أيضاً عن الوضع المالي الصعب لبرشلونة. ويقول دي يونغ: «لقد كان رمزاً لبرشلونة، لذلك عندما رحل - بعد كل ما فعله للنادي - كانت ضربة قوية للجميع. وما زلنا نفتقده. عندما يرحل شخص مثله عن النادي، فمن المؤكد أن الأمور تختلف فجأة».
وأشار كومان إلى أن ميسي بقدراته الاستثنائية كان يجعل كل شيء يبدو أفضل مما هو عليه في الواقع. وكان يتعين على دي يونغ أن يعتاد على عدم وجود ميسي بجواره داخل الملعب. وعن ذلك يقول: «عندما يكون لديك مثل هذا اللاعب في فريقك، فما عليك سوى محاولة العثور عليه قدر الإمكان داخل الملعب، لذلك كانت كل الأمور تتكيف وفقاً له، وهذا أمر منطقي. لذلك عندما يرحل، يتعين عليك أن تتكيف مع الوضع الجديد، سواء كلاعب أو كفريق».
وكان ميسي أحد اللاعبين الذين رحبوا كثيراً بدي يونغ فور انضمامه لبرشلونة. ويشرح اللاعب البالغ من العمر 24 عاماً ما الذي يجعل ميسي لاعباً مميزاً للغاية، قائلاً: «أعتقد أنه الأفضل في جميع جوانب كرة القدم تقريباً، فقد كان الأفضل في كل شيء، سواء في التدريبات على كيفية إنهاء الهجمات، أو التدريبات على التمركز الصحيح داخل الملعب، أو أي تدريبات أخرى. لا توجد كلمات تصف هذا اللاعب، الذي أرى أنه الأفضل في تاريخ كرة القدم على الإطلاق».