ماكرون يتمسك بمبادراته لتهدئة الذاكرة بعد 60 عاماً على انتهاء حرب الجزائر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مراسم بمناسبة مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مراسم بمناسبة مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يتمسك بمبادراته لتهدئة الذاكرة بعد 60 عاماً على انتهاء حرب الجزائر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مراسم بمناسبة مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مراسم بمناسبة مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان (أ.ف.ب)

شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم السبت، في مراسم بمناسبة ذكرى مرور ستين عاماً على توقيع اتفاقيات إيفيان، على المبادرات المتعلقة بذاكرة حرب الجزائر، التي اتخذها منذ بداية ولايته، مؤكداً اقتناعه بأنه «سيأتي يوم تسلك فيه الجزائر هذا الطريق».
وتحيي فرنسا ذكرى توقيع اتفاقيات إيفيان ووقف إطلاق النار في الجزائر، (السبت) في خضم حملة انتخابية قبل ثلاثة أسابيع من الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي.
وقال ماكرون إنه مقتنع بنهج «اليد الممدودة» للجزائر. وذكر بكل المبادرات التي اتخذت منذ 2017 لـ«تهدئة» ذاكرة هذه الحرب، معترفاً بأنها أثارت مشاعر استياء في فرنسا كما في الجزائر، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
ودعي نحو 200 شخصية إلى قاعة الحفلات في القصر الرئاسي في الإليزيه يمثلون الشهود على كل الوقائع المرتبطة بالحرب الجزائرية من مجندين ومقاتلين واستقلاليين وحركيين وعائدين إلى فرنسا. وصرّح أمام هؤلاء: «سيقول لي كثيرون: إنك تفعل كل هذا لكنك لست جدياً لأن الجزائر لا تتحرك... في كل مرة واجه كل من سبقوني الأمر نفسه». وأضاف: «أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تسلك فيه الجزائر هذا الطريق».
ولم يحضر المراسم في القصر الرئاسي أي مسؤول جزائري رغم دعوة السفير محمد عنتر داود بحسب الإليزيه.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1384274875079032844
وبعد ستين عاماً، ما زال التاسع عشر من مارس (آذار) 1962 يوم دخول وقف إطلاق النار الموقع قبل يوم بين الجيش الفرنسي والاستقلاليين الجزائريين حيز التنفيذ، موضع جدل في فرنسا.
وقد كرسه قانون صدر في 2012 «يوماً وطنياً للذكرى والتأمل في ذكرى الضحايا المدنيين والعسكريين للحرب الجزائرية والقتال في تونس والمغرب». لكن العائدين إلى فرنسا يعتقدون أن اتفاقيات إيفيان لا تمثل نهاية الحرب الجزائرية التي بدأت في 1954. بسبب العنف الذي استمر حتى استقلال الجزائر في الخامس من يوليو (تموز) 1962 وانتهى برحيل مئات الآلاف منهم إلى فرنسا.
ويؤيد هذا الموقف عدد من مرشحي اليمين واليمين القومي. فقد تعهدت فاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين، بإيجاد «تاريخ آخر» غير التاسع عشر من مارس (آذار) لإحياء ذكرى انتهاء هذه الحرب. وقالت (الجمعة) إن «ثمانين في المائة من الضحايا المدنيين سقطوا بعد اتفاقيات إيفيان».
وأشارت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن إلى أنها تعترض «منذ فترة طويلة» على 19 مارس لأن «عشرات الآلاف من الحركيين قُتلوا بوحشية» بعد ذلك التاريخ، في إشارة إلى المقاتلين الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي.
وفي مواجهة هذا الجدل، تقدم الرئاسة إحياء ذكرى 19 مارس على أنه «خطوة» على طريق الذاكرة «لكنها ليست النهاية».
وتشهد العلاقات بين البلدين تهدئة بعد عامين من التوتر. ويهدف إحياء هذه الذكرى إلى تحقيق «مصالحة» وإرساء «تهدئة» على غرار المناسبات السابقة التي تم تنظيمها منذ بداية السنوات الخمس حول حرب الجزائر. وذكّر الإليزيه بأن ماكرون سعى من خلال سلسلة من المبادرات إلى إرساء «مصالحة بين فرنسا والجزائر» وكذلك بين «الذاكرات المجزأة» في فرنسا.
وبتوصيات من المؤرخ بنجامان ستورا اعترف ماكرون بمسؤولية الجيش الفرنسي عن موت عالم الرياضيات موريس أودان والمحامي القومي علي بومنجل خلال معركة الجزائر العاصمة في 1957.
وأقيم في فرنسا في أمبواز (وسط) نصب في ذكرى عبد القادر البطل الوطني الجزائري في رفض الوجود الاستعماري الفرنسي، وأعيدت جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر إلى الجزائر.
لكن الجزائر التي تطالب فرنسا باعتذار رسمي عن الاستعمار لم تتابع هذا العمل المتعلق بالذاكرة. إلا أن الإليزيه قال: «إنها يد ممدودة وستظل ممدودة».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.