زيلينسكي الصامد في وجه الروس يتحوّل إلى «مفتاح قلوب» الأوكرانيين

وزير دفاعه بات أيضاً أحد نجوم قيادة المقاومة في كييف

لاعب التنس الأوكراني السابق سيرغي ستاخوفسكي في ساحة الاستقلال بكييف يوم الثلاثاء بعدما تطوع للانضمام إلى قوات الاحتياط والدفاع عن العاصمة (أ.ف.ب)
لاعب التنس الأوكراني السابق سيرغي ستاخوفسكي في ساحة الاستقلال بكييف يوم الثلاثاء بعدما تطوع للانضمام إلى قوات الاحتياط والدفاع عن العاصمة (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي الصامد في وجه الروس يتحوّل إلى «مفتاح قلوب» الأوكرانيين

لاعب التنس الأوكراني السابق سيرغي ستاخوفسكي في ساحة الاستقلال بكييف يوم الثلاثاء بعدما تطوع للانضمام إلى قوات الاحتياط والدفاع عن العاصمة (أ.ف.ب)
لاعب التنس الأوكراني السابق سيرغي ستاخوفسكي في ساحة الاستقلال بكييف يوم الثلاثاء بعدما تطوع للانضمام إلى قوات الاحتياط والدفاع عن العاصمة (أ.ف.ب)

«نحن من حزب (فولوديمير) زيلينسكي». هكذا عرّف الشابان عن نفسيهما في كييف. كان يحملان بنادق ويضعان شارة التطوع على كتفيهما. يُفترض أن تكفي هذه العبارة كتعريف بهما، ولإيجاد الثقة مع المخاطب. فاسم الرئيس الأوكراني بات يشكل مفتاحاً للقلوب هنا، وربما هو الاسم الحركي لهذه الحرب، أو على الأقل للمجابهة والمقاومة الحالية للقوات الروسية المتقدمة.
في وسط العاصمة، يوزّع 3 شبان من المدنيين منشورات تعرض خدمات مدفوعة لمساعدة المراسلين الأجانب على القيام بعملهم. «نحن من حزب زيلينسكي»، يقول أحدهم قبل أن يتابع قائلاً: «نتقاضى المال لأننا توقفنا عن العمل منذ بداية الحرب، وبحاجة لتمويل أنفسنا».
تضخّم حزب زيلينسكي منذ بداية الحرب، ومن لم يسع إلى الاحتماء باسم الرئيس الأوكراني فقد اكتفى بتحبيذه وإبداء الإعجاب به وبشجاعته. ولكن الصورة هذه لم تكن نفسها قبل أن يخرج الرئيس الشاب محذراً من اجتياح روسي قادم، ولا كانت نفسها حين كان في أوكرانيا من لا يزال يعتقد أن هذه البلاد هي جزء صديق وربما متآخٍ مع روسيا، الشقيقة الكبرى. هذه الصورة والشعبية الحالية لزيلينسكي قدمها له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدية على طبق من فضة مع بدء التحضير للاجتياح الروسي لأوكرانيا.
كانت الشبهات في البداية تحوم حول حزب الرئيس الشاب الذي اتخذ اسمه «خادم الشعب» من المسلسل التلفزيوني الناجح الذي أداه زيلينسكي نفسه، كما كانت تحوم حول بعض شخصيات الحزب الشابة التي وصلت إلى السلطة مع فوز زيلينسكي وحزبه بالرئاسة والأغلبية البرلمانية في العام 2019. الحزب، الذي أتى إلى السلطة بشعارات مكافحة الفساد ومحاربة الأزمة الاقتصادية والاقتراب من الاتحاد الأوروبي أكثر، ودخول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، صار يتخبط في هذه الملفات الشائكة والصعبة ويواجه حقيقة حجم أوكرانيا بالنسبة للغرب ومطامع الرئيس بوتين في الشرق، وربما فقد كثيراً من وهجه في مقابل الأحزاب الأخرى المنافسة من الوسط الليبرالي واليمين المتطرف وغيرها.
ومع بداية الغزو الروسي، قدّم بوتين خدمة كبيرة للرئيس زيلينسكي. لقد سلط الضوء على هذا الممثل الشاب، وعلى فريقه المساعد من وزراء ومستشارين حتى نواب في البرلمان. كشفت الحرب عن قوتهم، وعن علاقتهم المباشرة بالناس. وكلما أظهر زيلينسكي إصراره على المقاومة وعلى البقاء في عاصمته كلما فرض على الأوكرانيين احترامه، وتراجعت شعبية خصومه، حتى بات نواب الأحزاب الأخرى يسعون إلى نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي حاملين الأسلحة الفردية أو مرتدين الزي العسكري «دفاعاً عن أوكرانيا المجيدة» لحجز مواقعهم في أي انتخابات مقبلة.
يقف أحد النواب «من حزب زيلينسكي» في الشارع وسط مجموعة من المتطوعين الناشطين في تعبئة المواد الغذائية، ويتحدث قائلاً ليس هذا وقت النقاش السياسي. الشاب المقرب من زيلينسكي، والذي أنشأ جزءاً مستقلاً من شبكة الدعم المحلية على أطراف العاصمة كييف، وصل إلى البرلمان العام 2019، ولم يتجاوز الثلاثين من العمر، إلا أنه بات مديراً ديناميكياً لعشرات المتطوعين معه. وهو رغم منصبه يتحرك بمفرده ما بين الشارع والشاحنة المحملة بالمواد الإغاثية وغرفة العمليات التي تضم أجهزة الكومبيوتر ووسائل الاتصال وجدرانها مغطاة بألواح بيضاء سُجّلت عليها معلومات وأرقام هواتف أو خرائط لبعض المناطق.
«هذا النائب الشاب كان من المشكوك بقدرتهم على القيام بدورهم في المجلس النيابي»، يقول إندريا (24 عاماً) الذي أنهى شهادة الماجستير في العلوم السياسية. ويشير إلى النائب الواقف على مقربة قائلاً: «انظر إليه الآن. الجميع يحبه، والناس تتجه إليه لتنسيق خروج النازحين أو توفير مساعدات لمراكز إيواء مؤقتة. لقد بدأ حياته السياسية من الصفر، واليوم فجأة أصبح قائداً شاباً».
ليس النائب الشاب وحده من أصبح نجماً محلياً. وزير الدفاع أولسكي رزنيكوف تحوّل أيضاً إلى أحد النجوم الكبار في الصمود وقيادة المقاومة الأوكرانية. يلتقط الصور إلى جانب صديقه زيلينسكي في كل مناسبة، ويتحرك بين جنود الجيش. إنه رجل آخر لمع نجمه، وفاجأ كثيراً من الأوكرانيين، كما يبدو.
اليمين المتطرف، بمجموعاته القتالية وبعقيدته العنصرية، يبدو أنه لا يخيف أحداً هنا. كلما سألت أحدهم عنهم، يقولون إنهم لا يشكلون نسبة كبيرة من السكان. البعض يقول إنهم ليسوا أكثر من رفاقهم الموجودين في أي دولة أوروبية. شابان في العشرينات يقارنان بين نفوذ اليمين المتطرف في أوكرانيا وبين حجمه في فرنسا. وكلما سألت، تأتي الإجابة بأن صعود نجمهم مرتبط بالتصدي لـ«الانفصاليين» وبالحرب ضد التدخل الروسي.
«انتخابياً لن يكون لهم أي دور في المدى القريب. لقد حاز زيلينسكي على ثقة عالية في بقائه في العاصمة، ورفضه للخروج من البلاد، وقراره منذ اليوم الأول بالصمود بوجه الروس أعطاه تقديراً عالياً»، حسب ما قال سيرغي ونازا، الشابان الصغيران اللذان لم ينهيا بعد دراستهما الجامعية.
زيلينسكي لم يرفض فقط الخروج، لقد خاطب الشعور القومي الأوكراني بما هو أبعد من ذلك. لقد رفض الدخول في «الناتو» حين قال (في 8 مارس - آذار الحالي) إنه «لم يعد يهمنا الانضمام إلى حلف الناتو الذي يخشى مواجهة موسكو». وربما كان في رده على العرض الأميركي بإجلائه بالقول: «لا أبحث عن رحلة، ولكن عن أسلحة للدفاع عن أوكرانيا»، بعض الشعبوية، ولكن أصبح تجوله في العاصمة، ومروره بمعالم معروفة للجميع في وسط كييف، بلباسه الأخضر العسكري مع مرافقيه من فريقه، حاجة لكل الأوكرانيين، ليتأكدوا أن بلدهم صامد بمواجهة الدبابات الروسية.
«لن يدخلوا كييف، لن تسير الدبابات الروسية في ساحة الاستقلال، سنعيد بناء أوكرانيا التي كنا نحلم بها قبل الحرب»، يقول إندريا. «أنا أثق بالجيش، ونعم الآن، بت أصدّق زيلينسكي، أثبت لي أنه سيبقى معنا هنا».


مقالات ذات صلة

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».