أحزاب تونسية تحذّر من «انفجار اجتماعي» بسبب زيادة الأسعار

الحكومة تخوض حرباً ضد المحتكرين في ظل تقلص المواد الأساسية

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
TT

أحزاب تونسية تحذّر من «انفجار اجتماعي» بسبب زيادة الأسعار

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

حذرت أحزاب ومنظمات من انفجار اجتماعي وشيك في تونس، مع زيادة الأسعار بشكل لافت بالنسبة للمواد المفقودة، في وقت بدأ فيه التونسيون يفتقدون عدة مواد أساسية مدعمة بشكل كبير في الأسواق منذ أسابيع، مثل الزيت والسكر والأرز والطحين والدقيق، ما تسبب في تقلص أعمال المخابز وظهور طوابير للحصول على الخبز.
ويتناقل متصفحون على مواقع التواصل الاجتماعي صور مواطنين وهم يتدافعون في المساحات التجارية، وعلى مسارات التوزيع للحصول على أكياس السميد (الطحين)، وهي مادة أساسية في بيوت الآلاف من العائلات التونسية لصناعة الخبز المنزلي وللطبخ. كما تحتاج المحلات الصغيرة المنتشرة في الأحياء الشعبية، هذه المادة لصناعة رغيف «الملاوي» المخصص للسندويتشات الرخيصة.
وقالت بائعة سندويتشات في الستين من عمرها داخل محلها الصغير في حي التحرير، قرب العاصمة، لوكالة الأنباء الألمانية أمس: «أشعر بالتعب الشديد وأنا أجوب محال البقالين بحثاً عن السميد. المادة التي لدي لا تكفي لنصف يوم عمل، والدولة لا تقوم بدورها في مراقبة الحيتان الكبيرة والجشعة من المضاربين».
ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات البعيدة عن العاصمة، لا سيما في المناطق الريفية، حيث تعتمد العائلات بشكل كبير على السميد في صناعة الرغيف المنزلي. ويمكن أن يفضي إطالة أمد الأزمة إلى تهديد فعلي لقوت الآلاف من الفقراء، في بلد اقترنت فيه جل الاضطرابات الاجتماعية تاريخياً بفقدان مادة الخبز.
وتكشف الأجهزة الأمنية بشكل يومي عن عمليات ضبط لآلاف من الأطنان من المواد الغذائية المدعمة في مخازن، أو أثناء تهريبها إلى دول الجوار. وقد هددت الحكومة بفرض عقوبات قاسية على المخالفين.
ولمح الرئيس سعيد في كثير من خطاباته إلى نظرية المؤامرة في فقدان المواد الأساسية، رداً على الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية الصيف الماضي، وتجميد البرلمان وتعليق العمل بالدستور، ومن ثم عرضه لخريطة طريق لإصلاحات سياسية يتوقع أن تذهب بالبلاد إلى نظام رئاسي.
لكن رمضان بن عمر، عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، قال إنه «ليس من الصواب اختزال الأزمة في المؤامرات. فالاحتكار والمضاربة ممارسات قديمة عجزت الدولة عن التصدي لها. وهذه الحرب مطلوبة، ويتعين أن نوفر الآليات الضرورية لها».
وتُضاف هذه الأزمة إلى أزمة الإمدادات المرتبطة بالحرب الروسية - الأوكرانية، في وقت تعاني فيه تونس من أزمة مالية حادة يتوقع أن تلقي بظلالها على التزود بأسعار أعلى في الأسواق الخارجية.
وفي محاولة لتهدئة مخاوف الشارع، قالت وزارة التجارة إن لديها مخزوناً كافياً من المواد الأساسية المدعمة والمواد الموردة، بما يغطي حاجيات الاستهلاك خلال الفترة الحالية وشهر رمضان، غير أن بن عمر أكد أن «الأزمة هي أعمق من ذلك، لأنها ترتبط بالسياسات الاقتصادية الفاسدة، التي ساعدت المحتكرين على التمادي. أعتقد أن توفير المواد الأساسية حل ظرفي الآن لأن ارتفاع الأسعار عالمياً ستكون له تداعيات على القدرة الشرائية للمواطنين لاحقاً، إذا ما قررت الدولة زيادة الأسعار».
ولطمأنة مخاوف المواطنين، أعلنت الحكومة التونسية بدء حملات مشددة لملاحقة المضاربين، وكشف مخازن المحتكرين، في وقت تشهد فيه السوق شحاً لعدة مواد أساسية. وقالت وزارة التجارة إنها أعدت خطة بمشاركة ست وزارات، من بينها وزارة الداخلية، لمكافحة الممارسات الاحتكارية، التي تسببت في اضطراب عمليات تزويد الأسواق.
وفي وقت سابق، طالب الرئيس سعيد بشن «حرب بلا هوادة» ضد المحتكرين، ومن «يريدون تجويع التونسيين»، و«تهديد السلم الأهلي». وحدد في كلمة له «ساعة الصفر» لهذه الحرب.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.