نهاية مهلة تنفيذ قرار محكمة بريطانية تربك مصارف لبنان

مسؤول يخشى زيادة الدعاوى التي يرفعها المودعون

المقر الرئيسي لـ«بنك عودة» في بيروت (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«بنك عودة» في بيروت (رويترز)
TT

نهاية مهلة تنفيذ قرار محكمة بريطانية تربك مصارف لبنان

المقر الرئيسي لـ«بنك عودة» في بيروت (رويترز)
المقر الرئيسي لـ«بنك عودة» في بيروت (رويترز)

انتهت أمس، مهلة تنفيذ حكم صدر عن محكمة بريطانية يوم 25 فبراير (شباط) الماضي، وقضى بإلزام مصرفين لبنانيين هما «عودة» و«سوسيتيه جنرال» (SGBL) المرخصين في لبنان، بتمكين مودع لبناني لديهما من استرداد مدخرات بتحويلها إلى حساباته في الخارج، وتصل قيمتها الإجمالية إلى 4 ملايين دولار، وذلك خلافاً لأحكام سابقة في محاكم بريطانية وأوروبية قضت بإمكانية السداد بواسطة شيكات مُصدَّرة في بيروت.
وارتفع منسوب القلق في أوساط المصارف اللبنانية، مع انتهاء مهلة تنفيذ الحكم. وأقر مسؤول مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط»، بأن الحكم الصادر عن محكمة عليا (Queen's Bench Division) التابعة للمحكمة العليا في لندن، «يشكل سابقة حساسة ودقيقة»، حيث «يفتح نافذة لتوليد مشكلات صعبة إضافية بمواجهة البنوك اللبنانية التي تعاني من التدهور المريع الذي يضرب البلاد في المجالين النقدي والمالي»، إذ «يمكن أن يحفّز مودعين آخرين على الاستناد إليه في تقديم دعاوى مماثلة، مما يعرّض الوحدات المصرفية لضغوط شديدة في إدارة السيولة والتدفقات النقدية بالعملات الصعبة على حساب عمليات السداد التدريجي وفق نظام الحصص الشهرية المعتمد لكل فئات المودعين».
وأكد «بنك عودة» أنه «عازم على التقيّد بمضمون القرار، ضمن المهلة الممنوحة له للتنفيذ، إلاّ أنّه سيقيّم خياراته لجهة الطعن استئنافاً بالقرار، وبالحكم اللاحق، فور صدور هذا الأخير». فيما لم يفصح بنك «سوسيتيه جنرال» عن قراره في كيفية التعامل مع حكم تحويل الأموال إلى حساب المدعي واتشيه مانوكيان، في الخارج، علماً بأن المبلغ موزَّع بواقع 1.1 مليون دولار على البنك الأول، و2.9 مليون دولار على البنك الثاني.
وتخشى إدارات المصارف من تفشي عدوى لجوء المودعين، خصوصاً حاملي الجنسيات المزدوجة والمقيمين في الخارج، إلى المحاكم غير اللبنانية سعياً إلى استنساخ الحكم البريطاني، حيث إن إجمالي مبالغ بند ودائع غير المقيمين في المصارف اللبنانية يناهز حالياً 25 مليار دولار، وهي تعود إلى لبنانيين عاملين في الخارج ومغتربين، إضافةً إلى جنسيات عربية متنوعة.
ومن شأن إلزام المصارف بالسداد عبر التحويلات، حسب المسؤول، «إعادة ترتيب أولويات المدفوعات التي تجري حالياً بالتقنين القاسي للسيولة بالعملات الصعبة ووفق آليات منسقة مع البنك المركزي لصالح المودعين المقيمين وغير المقيمين»، بحيث إن عملية السداد التي تُلزم المصرفين المعنيين، بموجب الحكم الصادر عن المحكمة اللندنية، تغطي مبالغها حالياً الحصص المتاحة لنحو 10 آلاف مودع يحصلون على 400 دولار نقدي شهرياً و400 دولار يجري صرفها بالليرة وبسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، بينما توجب الحصص الموازية للصرف من حسابات الدولار التصريف بسعر 8 آلاف ليرة للدولار.
ومن المرتقب، حسب المسؤول المصرفي، أن تُفضي هذه الإشكاليات «إلى تسريع إقرار قانون تقييد الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) من المجلس النيابي بعد استخلاص الصياغة النهائية بناءً على الملاحظات التي أبداها فريق صندوق النقد الدولي المولج بإدارة المفاوضات مع لبنان، علماً بأن الدول، والأحدث بينها روسيا بعد قبرص واليونان، تعمد إلى إقرار القوانين الحمائية لقطاعها المالي، وفي مقدمها تنظيم السيولة والتحويلات بالعملات الأجنبية، خلال أيام وليس بعد نحو 30 شهراً من بدء مسلسل الانهيارات النقدية والمالية التي تضرب البلاد وتطيح بركائز القطاع المالي ومؤسساته».
ولاحظ مدير عام «فرست ناشيونال بنك» نجيب سمعان، أنه «بمعزل عن أحقية هذه القضايا داخلياً وخارجياً، ومع التقدير التام لما يعانيه المودعون، فإن إنشاء المظلة القانونية لتنظيم السحوبات والتحويلات في ظل الأزمة الحاضرة هو المَخرج الملحّ والأنسب لحماية حقوق كل المعنيين ولتمكين الكيانات المصرفية من الاستناد إلى مرتكزات قانونية في إدارة عمليات الإيفاء بالتزاماتها بالمساواة والعدالة تجاه أصحاب الحقوق وتدريجياً وضمن الإمكانات المتوفرة تباعاً».
وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن المصارف تستمر بالحدود الممكنة من أنشطتها وحفظ الحقوق للمستثمرين والمودعين والتزام القوانين الدولية والسيادية كافة ذات الصلة، رغم تفاقم الأزمات في البلد والارتفاع الحاد للمخاطر، بينما هي تتعرض في الوقت عينه لحملات تشويه وضغوط من الداخل والخارج قد يؤدي تراكمها إلى بعثرة ما تبذله من جهود وتوظفه من إمكانات ريثما تنخرط مع الحكومة وسائر السلطات بتنفيذ خطة الإنقاذ وإعادة هيكلة الدين العام عبر برنامج تمويلي نأمل تسريع مفاوضاته أيضاً وإيصالها إلى مرحلة إبرام الاتفاقية الموعودة مع صندوق النقد الدولي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.