ندى الحاج تستعيد ذكرى أبيها «الذي لم يكن أباً عادياً»

بعد ثماني سنوات على رحيل أنسي الحاج

ندى مع أبيها أنسي الحاج
ندى مع أبيها أنسي الحاج
TT

ندى الحاج تستعيد ذكرى أبيها «الذي لم يكن أباً عادياً»

ندى مع أبيها أنسي الحاج
ندى مع أبيها أنسي الحاج

يوم الثامن عشر من هذا الشهر، تكون قد مرت ثماني سنوات، على رحيل الشاعر اللبناني أنسي الحاج. وفي هذه المناسبة، ننشر هذا الحوار مع ابنته الشاعرة ندى الحاج، التي تتحدث فيه عن أنسي الحاج كأب، وعلاقته مع أسرته، وطقوسه اليومية في الكتابة، وتأثيره عليها كشاعرة.
وندى الحاج، المولودة في بيروت، درست الفلسفة في جامعة السوربون بباريس، وبعدها خاضت تجربة التمثيل المسرحي مع المخرج الراحل ريمون جبارة. وشاركت الأديبة اللبنانية مي منسّى في ترجمة ديوان الشاعرة نادية تويني «محفوظات عاطفية لحرب في لبنان» من الفرنسية إلى العربية، وكذلك كتبت في الصحافة الثقافية لمدة 25 عاماً. وقد أصدرت لحد الآن تسع مجموعات شعرية.
نسألها أولاً، هل تشعر كشاعرة بارتباط اسمها باسم أبيها... بمعنى آخر، هل يثقل إرث أبيها عليها، هل خرجت من سطوة هذا التأثير؟
تجيب: «لا يمكنني الفصل بين ندى الإنسانة والشاعرة وبين الهوية الاجتماعية والثقافية التي ولدتُ وتربيتُ فيها. لا أحد يختار جيناته ووالديه وبيئته، لكن يمكنه أن يطوّر خياراته ويصقل تجاربه ليكتشف ذاته وصيرورته ويفهم غاية وجوده ومروره العابر على الأرض. هذا السؤال ربما راود الجميع لدى إصداري دواويني الأولى منذ (صلاة في الريح)، كوني منبثقة من كنف والدي الشاعر الفائق الحضور والتوهّج. ولم يكن أمراً سهلاً أن أخطّ لنفسي اسماً وطريقاً شعرياً مستقلاً. واتضح أني منذ البداية تبعتُ نداء صوتي الداخلي الذي رسم شخصيتي ومساري المختلفين عن شخصية أبي ومساره. ثم، إنّ الهوية ليست مقولبة في إطار ولا تسميات وألقاب، بل تتبع مساراً يشبه حركة الأمواج المتعاقبة. بالنسبة إليها، لا موجة تشبه الأخرى ولا لحظة تتكرر، فـالحياة تقدّم لنا ذاتها لنكتشفها مع كل تجربة ولقاء وكل شمس وظلام. وأنا أتطلع إلى هويتي من خلال النور الداخلي الذي يضيء لي الدروب ويسعفني على التقدّم والتعرّف والفهم والحكمة».
بعد ثماني سنوات، هل لا تزال ندى الحاج تشعر بمرارة الرحيل هي التي اختبرت تجربة الفراق الأليمة لدى رحيل والدتها قبل غياب والدها بعشر سنوات؟ تردّ بأنها تشعر بهما يرافقانها في كل لحظة وهي على تواصل دائم معهما، وتتابع: «أؤمن بعمق أنّ الموت لا يحول دون حضور أرواح الذين سبقونا بجانبنا وفي كياننا بقوة. فلا يشكّل الغياب الجسدي حاجزاً، بل تكون الروح قد تحررت من قوالبها المادية وتعقيداتها لتسكن مدارات الصفاء. وكلما سعينا إلى تصفية أنفسنا، نحن الأحياء على هذه الفانية، كنا على استعداد للتواصل مع أحبائنا في الضفة الأخرى بشفافية وقبول. إيماني قوي بأنّ الرفقة لا تقتصر على من نراهم بأعيننا الجسدية، بل تشمل كذلك من نشعر بهم في قلوبنا».
كيف كان أنسي الأب؟ أي «مزاج» شعري كان يُسقطه على علاقته بعائلته؟ كيف كانت تتعاطى مع أمزجته؟ ثم كيف كان يقضي الوقت بين أسرته؟ تجيبنا: «لطالما أحسستُ بأنه لم يكن والداً عادياً. وكان في الليل يعيش وسط كتبه وفي مكتبه في جريدة (النهار) التي شكّلت أسرته الثانية لنحو نصف قرن. اقتصر وقته معي ومع أخي في طفولتنا على القصص الخيالية والطريفة التي كان يختلقها ويرويها لنا خلال نصف ساعة يومياً قبل ذهابه إلى العمل. وكان يغذّي مخيلتنا باستمرار بالكتب التي يقتنيها لنا بوفرة، وبالأفلام السينمائية التي كان يصطحبنا لمشاهدتها مرة أسبوعياً في شارع الحمراء. لم نرتوِ من حضوره كحال الأولاد مع والد عادي يرافقهم في تفاصيل حياتهم اليومية، لكن هذا الجانب بالذات جعل مني ما أنا عليه اليوم، شاعرة تحيا حضور الغياب. لطالما أحسستُ بتواطؤ داخلي ورابط سرّي دفين يجمعني به. ربما هو رابط الشعر الذي تكوّن بداخلي منذ الطفولة، وبالتحديد منذ أن كتبتُ أحرف قصيدتي الأولى في سنّ السابعة، وكان جوّها ماورائياً يعكس بذور شخصيتي المنجذبة إلى العوالم اللامرئية والأسئلة الوجودية الكبرى، مما أثار تعجب أبي. وكنتُ أطرح عليه باستمرار سؤالاً حول حقيقة ظواهر الأمور، ويجيبني بضحكة لم تكن تروي فضولي المندهش. فصارت كتابة الشعر هي دليلي الباطني واستكشافي. لم يحاول أن يلعب دوراً في توجّهي الشعري، بل تركني أخطّ مساري لوحدي، حرصاً منه على استقلالية شخصيتي وعدم التأثير على صفائي الداخلي».
وتضيف ندى الحاج أنّ والدها كان أباً حنوناً ولم يكن متشدداً إلا حيال إبعاد عائلته عن أجواء عمله. وتذكر أنه «فصل تماماً بين حياته العائلية (إن كنا نستطيع أن نسميها حياة عائلية) وحياته (الأخرى). فالمهمة التربوية كانت من نصيب والدتي، كما اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية. كانت تراعي مزاج والدي الشعري وتحترم خصوصيته وتحرص على عدم إقحامه بكل ما يعكّر صفوه. ثم انتقل ذلك الأمر إليّ، فحرصتُ طوال حياته على احترام تلك المسافة معه، بخاصة أنني شاعرة أفهم حاجة الشاعر إليها».
نسألها: يبدو صعباً أن تكوني ابنة شاعر بحجم أنسي الحاج؟ فتجيب بالنقيضين: «نعم ولا». نعم، لأنّ حضور الأب الشاعر هو طاغٍ بلا شك. ولا، لأنني ببساطة اعتدتُ أن أكون نفسي من دون التشبّه به أو بسواه أو المقارنة. فكل صوت شعري متميّز يبتدع رؤيته وكيفية التعبير عنها وسبر أغوارها. الشاعر هو الرؤية والمسار».
يُحكى الكثير عن قرب البنات من الآباء، لكن سحر أنسي، إضافة إلى كونه شاعراً، هل جعلا ندى الحاج الأقرب إليه، حتى من الأم؟
«رغم هذه المقولة ومن كون أبي كما وصفتِه، لم يجعلني هذا الأمر أقرب إليه من أمي ليلى التي كانت تربطني بها علاقة صداقة قوية. قربي منها كان لصيقاً منذ طفولتي الأولى حتى غيابها، وقد لعبت دوراً مباشراً وأساسياً في تكوين ذائقتي الفنية والثقافية. فكانت ممثلة مسرحية انتمت إلى مدرسة الشعر الحديث طوال خمس سنوات، اصطحبتني خلالها وأنا طفلة إلى التدريبات على المسرحيات بإخراج منير أبو دبس وتمثيل أهم الوجوه التي طبعت المسرح اللبناني في أوج تألّقه، أمثال أنطوان كرباج وميشال نبعة ورضى خوري وريمون جبارة، الذي مثّلتُ تحت إدارته لاحقاً في مسرحية (محاكمة يسوع)، حيث جسّدتُ شخصية (مريم العذراء). إضافة لتشربّي تلك الأجواء، كانت أمي تقرأ لي الشعر بإصداراته الجديدة وتصطحبني لحضور الأمسيات الفنية العالمية في ربوع لبنان، من موسيقى وباليه وغناء. كانت ملهمتي وسندي، وقد زلزلني غيابها الصاعق وعمّق في كياني معنى الخسارة الفادحة وروّضني على تقبّل واقع الموت وهتكِ أول الحجب عن بصيرتي، فانعكس ذلك في شعري حيث بتّ أمسكُ ببداية خيط صوفي نسجتُه كتاباً بعد كتاب في ظلال تجربة حية».
هل أنتِ شاعرة لأنّ والدك شاعر؟ تجيب بالنقيضين أيضاً: «بالتأكيد أنّ البيئة والجوّ اللذين نشأتُ فيهما أثّرا في تكويني، بالإضافة إلى الجينات التي تلعب دورها. والأهم من ذلك أنّ الكتابة الشعرية كانت ولا تزال بالنسبة لي ملاذي وخلاصي ونفَسي الذي به أحيا وأفهم ذاتي والكون ومن فيه بأبعاده المحسوسة وغير المحسوسة».
ماذا عن طقوس ندى الحاج في الكتابة، وهل تتشابه مع طقوس والدها؟ هناك بعض التشابه، فالليل، كما كان الحال مع الاب، هو رفيقها، «لكن المهم أن أكون بمفردي حين أكتب. الكتابة طقسي الذي يختزل حياتي. أشترك مع أبي بالأرق لوقت متقدّم من الليل، وبالإحساس المرهف تجاه الجمال بكامل توهّجه وهشاشته، وبالحس الإنساني العميق في رؤية الحياة والاحتفاء بالحب حتى المطلق. ومع مرور الزمن، أشعر أكثر فأكثر أني أعيش غربة الشاعر كما عاشها هو، في عالم أراده وحلم به وكتبه، أرحم وأرحب».
عذراً على استدعاء الأيام الأخيرة للوالد وفترة مرضه، لكن ماذا يبقى في ندى الحاج من قسوتها وحرقتها؟ تشاء عدم التحدّث عن أيامه الأخيرة ويؤلمها تذكّر تلك المرحلة. وتحمد الله أنه رحل محاطاً بحب كبير وحضن عائلي دافئ. إنها تفضل أن تستذكره «بكتاباته الرؤيوية الإنسانية والشعرية وبما تركه من إرث فكري عميق في النفوس والقراء في لبنان والعالم العربي. كلماته تظل حَرّى وحُرّة، مدوّية تخرق الأزمان والقلوب والأذهان، بلغة تحفّز الإنسان على تخطي ذاته وتوسيع آفاقه وتذوّق اكتشافات أبعاد كونية جديدة».
لو أتيح لك الهمس إلى روحه، فماذا تقولين؟: «سأقول له كم أشتاق لأحاديثه وصوت ضحكته وحكمة فكره النيّر الذي قدّمه بسخاء، فلم تبقَ كلمة لديه ليكتبها بعد أن قال كل شيء وصمَتَ. لا أطالبه سوى أن يظل يرافقني من حيث هو ويظل ملهمي وسندي ويمدّني بالقوة. كلماتك هي الكلمات... أحبك أبي».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».