التوتر في القدس يمتد للضفة ويهدد هدوء غزة

بن غفير يعود للشيخ جراح مدعوماً من الليكود... والحكومة تهاجمه

آثار المواجهات حول الخيمة التي أقامها النائب المتطرف بن غفير في حي الشيخ جراح (رويترز)
آثار المواجهات حول الخيمة التي أقامها النائب المتطرف بن غفير في حي الشيخ جراح (رويترز)
TT

التوتر في القدس يمتد للضفة ويهدد هدوء غزة

آثار المواجهات حول الخيمة التي أقامها النائب المتطرف بن غفير في حي الشيخ جراح (رويترز)
آثار المواجهات حول الخيمة التي أقامها النائب المتطرف بن غفير في حي الشيخ جراح (رويترز)

عاد عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير إلى مكتبه المنصوب في الهواء الطلق في حي الشيخ جراح في القدس، متحدياً ومستفزاً الفلسطينيين، الذين ردوا عليه بمكتب آخر في شوارع الحي الذي تحول إلى ساحة كر وفر، وراح يسخن باقي الضفة الغربية ويثير مخاوف من تبديد الهدوء على جبهة قطاع غزة كذلك.
واقتحم بن غفير الحي المحاصر من قبل القوات الإسرائيلية، مرتين يوم الاثنين، في الصباح وبعد الظهر، مدعوماً بمسؤولين وأعضاء كنيست آخرين وجمع من المستوطنين وحراسات مشددة، معلناً أنه سيبقى في الحي حتى تؤمن الشرطة الإسرائيلية «الحماية لليهود» هناك.
وفي الصباح، توجه إلى البؤرة الاستيطانية في قلب الحي، ثم إلى طاولة وسط أرض عائلة سالم المهددة بالإخلاء، معلناً أنه سيتابع أعماله البرلمانية من الحي، في ظل «تقاعس» الحكومة عن حماية اليهود، ثم غادر إلى جلسة برلمانية لمناقشة التوتر في الشيخ جراح، وعاد بعد الظهر، ليقول، إنه باقٍ حتى يأمر رئيس الوزراء بتوفير الحماية للسكان الإسرائيليين، مهاجماً وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، واصفاً إياه بـ«الكاذب» و«الفاشل».
وأخذت اقتحامات بن غفير هذه المرة غطاءً أوسع من مسؤولين متضامنين معه، إذا اقتحم الحي إلى جواره أو بدونه، أمس فقط، نائب رئيس البلدية أريه كينج، والوزير السابق أمير أوحانا، ووزير التعليم الإسرائيلي الأسبق يواف غالانت، وأعضاء كنيست من حزب الليكود، لكن الحكومة الإسرائيلية وقفت ضده. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، قبل توجهه للبحرين، أمس، منتقداً بن غفير وجميع أعضاء الكنيست الذين وصلوا إلى الشيخ جراح بمن فيهم العرب: «لسنا بحاجة لمحرضين لإشعال الوضع بهدف تحقيق مكاسب سياسية».
كما هاجم وزير الدفاع بيني غانتس، تصرفات بن غفير، في تصريح جاء فيه: «أقول لأعضاء الكنيست الذين يحاولون ركوب الموجة حول الوضع في الشيخ جراح، بمن فيهم عضو الكنيست إيتمار بن غفير، أنتم تعملون ضد المصالح الأمنية والسياسية والاجتماعية لهذا البلد، لا تحرضوا على العنف». وانضم وزير الخارجية يائير لبيد، لمهاجمي بن غفير، وقال إنه يحاول إشعال المنطقة كما فعل في الماضي، مضيفاً «نحن ضد العنف».
وجاءت اقتحامات بن غفير للحي وعودته إلى طاولته رغم إخلائه قبل يوم من قبل الشرطة الإسرائيلية. وزعم بن غفير أنه تعرض للضرب، وأغمي عليه بعد سجال عنيف مع الشرطة وتم نقله إلى مستشفى هداسا عين كارم للمعالجة، قبل أن يعود ويقتحم الحي مجدداً.
ورداً على مكتب بن غفير، قام الناشط المقدسي محمد أبو الحمص، بوضع مكتب في الهواء الطلق كذلك في شارع عائلة سالم الذي عزلته إسرائيل بالكامل.
وتجددت المواجهات أمس في حي الشيخ جراح الذي تحول إلى ساحة كر وفر. ووزع ناشطون في القدس بيانات ووجهت دعوات من أجل إسناد أهالي الشيخ جراح، كما تنادى المستوطنون من أجل ردع الفلسطينيين.
والمواجهات كانت الاثنين، أقل حدة من يوم الأحد الذي خلف عشرات المصابين والمعتقلين وأضراراً في الممتلكات.
ودخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الخط بشكل مباشر، واتصل بالمقدسية فاطمة سالم المهدد منزلها بالإخلاء والتي تعرضت للضرب على يد مستوطنين، وقال لها إنه يقف معهم بشكل كامل. وأضاف: «نقف معكم قلباً وقالباً، وقلوبنا وعقولنا معكم، وسينتهي الاحتلال عن قريب، ولن يطول طويلاً». وحذر عباس من تداعيات ما يحدث في الشيخ جراح، وطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
وأعاد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل، لوقف عمليات القتل والتنكيل وهدم البيوت وترويع الآمنين في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية. وجاء نداؤه بعد ليلة ساخنة شهدت توسع التوتر إلى الضفة الغربية. فقد قتل الجيش الإسرائيلي، فلسطينياً في جنين شمال الضفة خلال اشتباكات اندلعت هناك. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية «استشهاد الفتى محمد أكرم أبو صلاح (17 عاماً) من بلدة اليامون متأثراً بإصابته الحرجة برصاص الاحتلال الحي في الرأس».
وأصيب 20 فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال خلال مواجهات اندلعت في بلدة السيلة الحارثية، غرب جنين بعد اقتحام القوات للبلدة من أجل هدم منزل أحد الأسرى الفلسطينيين. وقال الجيش الإسرائيلي، إنه هوجم أثناء هدمه أحد المنازل. وانتقد صحافيون إسرائيليون، الوقت الذي اختاره الجيش لتنفيذ هدم المنزل في جنين. وكتب المحلل العسكري عاموس هارئيل، إلى جانب آخرين، بأن على الحكومة أن تطفئ النيران في ظل التحذيرات من تصعيد في الضفة.
لكن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي، لا تتعلق فقط بتصعيد في الضفة، بل في قطاع غزة كذلك. ويقولون في الأروقة الأمنية الإسرائيلية، إن حماس، تعمل على تحسين قدرات قذائفها الصاروخية وترميم شبكة الأنفاق وتحسين جودة الحياة، وتفضل التركيز على ذلك في هذا الوقت. لكن دروس الماضي تلزم حماس بخط متشدد مع إسرائيل، وبالتالي فإن التوتر إذا ما استمر في القدس، فقد يقود إلى توتر في قطاع غزة.
وكانت حماس قد هددت تل أبيب من «اللعب بالنار»، إلى جانب الجهاد الإسلامي، التي أعلنت أمس أنها «تدرس دعم المقدسيين بكل الطرق».
لكن مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن اتصالات مصرية مكثفة تجري مع كل الأطراف في محاولة لسحب فتيل الانفجار.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.