تشديد دولي على «الأولوية المطلقة» للحفاظ على الاستقرار في ليبيا

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا «كل الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة» (أ.ف.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا «كل الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة» (أ.ف.ب)
TT

تشديد دولي على «الأولوية المطلقة» للحفاظ على الاستقرار في ليبيا

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا «كل الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة» (أ.ف.ب)
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا «كل الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة» (أ.ف.ب)

وسط ترقب دولي لما يجري في ليبيا، مع تصاعد المخاوف من اندلاع اشتباكات مسلحة، أعربت مصر على لسان وزارة خارجيتها، عن ثقتها في الحكومة الليبية الجديدة، وقدرتها على «تحقيق الأمن ووحدة البلاد وسيادتها»، بالإضافة إلى تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات العامة. وجاء الموقف المصري في وقت دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة «كل الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة» بعدما بات في البلاد رئيسا وزراء متنافسان.
وذكر غوتيريش «كل المؤسسات بالهدف الأساسي المتمثل في تنظيم انتخابات وطنية في أسرع وقت ممكن لضمان احترام الإرادة السياسية لـ2.8 مليون مواطن ليبي مسجلين في القوائم الانتخابية»، في بيان اقتصر على «الإحاطة علماً» بتعيين رئيس وزراء جديد، متجنباً اتخاذ موقف حاسم من الاعتراف بفتحي باشاغا رئيساً جديداً للوزراء بدلاً من عبد الحميد الدبيبة.
وقال الناطق باسمه ستيفان دوجاريك في بيان إن الأمين العام «يتابع عن كثب» الوضع في ليبيا، مضيفاً أنه «أخذ علماً بالتصويت الذي أجراه مجلس النواب الخميس 10 فبراير (شباط) بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة لاعتماد التعديل الدستوري، الذي يرسم الطريق لمراجعة المسودة الدستورية لعام 2017 وللعملية الانتخابية». كما «أخذ علماً بتصويت مجلس النواب على تعيين رئيس وزراء جديد». ودعا كل الأطراف والمؤسسات إلى «الاستمرار في ضمان اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة بطريقة شفافة وتوافقية». وحض كل الأطراف أيضاً على «الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية قصوى».
وكان دوجاريك يرد على أسئلة الصحافيين في المقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك، إذ قال: «رأينا التقارير الصحافية حول (محاولة) الاغتيال (التي استهدفت الدبيبة أول من أمس في طرابلس) لكننا لم نتلق أي تأكيد. لذا سأترك الأمر عند هذا الحد في الوقت الحالي».
وسئل عن قيام مجلس النواب بتعيين وزير الداخلية السابق كرئيس للوزراء، فأشار إلى «وجود قدر كبير من الأخبار التي يتم الإبلاغ عنها من ليبيا»، مشدداً على دور المستشارة الخاصة ستيفاني ويليامز «الموجودة في الميدان، وهي تنخرط حالياً مع جميع المحاورين الرئيسيين للحصول على صورة أوضح لما تم الاتفاق عليه». وأوضح أنها وطاقمها على اتصال بعدد من المحاورين من أجل الحصول على بعض الإيضاح أيضاً بشأن ما تم تحديده في مجلس النواب. وقال: «رأينا تقارير عن تعيين رئيس وزراء آخر. هذا جزء من مشاورات ستيفاني ويليامز الجارية. موقفنا الذي أشرت إليه – كما أعتقد – من الواضح جداً أنه منذ (الخميس) لم يتغير. إنها في الميدان تحاول جمع المزيد من التفاصيل، وتحاول إبقاء العملية على المسار الصحيح، بصراحة». ورداً على سؤال يتعلق بما إذا كان موقف الأمم المتحدة لا يزال الاعتراف برئيس الوزراء المؤقت، عبد الحميد الدبيبة، قال دوجاريك: «الإجابة المختصرة هي نعم». وبشأن الطريقة التي تتعامل بها الأمم المتحدة إزاء هذا الأمر، أجاب دوجاريك: «بعناية فائقة وعلى نحو وثيق جداً. وهذا ما تفعله ستيفاني ويليامز، إنها في طرابلس وتجتمع بعدد من الأشخاص الرئيسيين في جهود لبحث ذلك». وشدد على أنه «في النهاية، سيتعين على القادة الليبيين أن يجتمعوا للاتفاق، أو إعادة الاتفاق، على مسار للمضي قدماً».
في غضون ذلك، تحدث شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» عن تحرك أرتال عسكرية من مدينة الزاوية باتجاه طرابلس، مما ينذر بوقوع اشتباكات في العاصمة الليبية، بينما نقل المركز الإعلامي «لشعبة مكافحة الإرهاب»، عن آمرها مختار الجحاوي، أنهم «سيظلون أوفياء للعهد الذي قطعوه على أنفسهم بحماية الوطن وأهله».
وأضاف الجحاوي: «لن نخل باحترامنا لأخلاقيات وظيفتنا كقوة شرعية تحترم اختصاصاتها ولا تنجر وراء التجاذبات السياسية، ونعتبر هذا ترسيخاً لمبادئ الدولة المدنية التي قدمنا في سبيلها التضحيات».
لكنه قال: «وفاء لتضحيات شهدائنا وجرحانا ودمعات أمهاتنا، نطمئن أهلنا بأننا لن نسمح أن تطأ أقدام (القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة) حفتر، أرض طرابلس».
بموازاة ذلك، وبلغة متحفظة، قالت وزارة الخارجية الأميركية حسب وسائل إعلام محلية، أمس، إنها «تراقب الوضع في ليبيا، وتدعو إلى التهدئة»، مشيرة إلى أنها داعمة لعملية سياسية التي يقودها الليبيون، وتلبي مطالب الشعب بإجراء انتخابات.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي، تباحث مع نجلاء بودن رئيسة الوزراء التونسية، على هامش أعمال قمة «محيط واحد» في مدينة بريست الفرنسية أمس، وأكدا على تبادل الرؤى بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً تطورات الوضع في ليبيا. وأضاف المتحدث: «تم التوافق بشأن تكثيف التنسيق المشترك في هذا الإطار لدعم كافة الجهود الرامية لاستقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها والحفاظ على مؤسساتها الوطنية».
وقالت وزارة الخارجية المصرية، في هذا الإطار، إن القاهرة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في ليبيا، و«إنها تؤمن بأن مسار تسوية الأزمة يظل بيد الشعب وحده دون تدخلات أو إملاءات خارجية».
وأضاف السفير أحمد حافظ، المتحدث باسم الخارجية، أن مصر مستمرة في تواصلها مع جميع الأطراف الليبية «بهدف تقريب وجهات النظر بينهم، وضمان حفظ أمن واستقرار البلاد، ودعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة بين الأشقاء الليبيين، وتوحيد المؤسسات الليبية»، لافتاً إلى أنها تواصل أيضاً جهودها في إطار رئاستها المشتركة لمجموعة العمل الاقتصادية الليبية، وبما يحقق مصلحة الشعب الليبي في صون ثرواته ومقدراته.
وشدد حافظ على أن مصر «مستمرة كذلك في دعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) الرامية إلى تنفيذ مخرجات (قمة باريس)، و(مسار برلين)، وقرارات مجلس الأمن بشأن خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب و(المرتزقة) من ليبيا بدون استثناء وفي مدى زمني محدد».
وأعرب عن ثقة مصر في قدرة الحكومة الليبية الجديدة على تحقيق هذه الأهداف بما يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها على أراضيها ويحقق أمنها، إلى جانب ضبط الأوضاع الداخلية، وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات، وتنفيذ كافة استحقاقات خارطة الطريق التي أقرها الأشقاء الليبيون. وانتهت مصر إلى دعوة المؤسسات والقوى الوطنية والمكونات الاجتماعية الليبية كافة إلى «إعلاء المصلحة العليا للبلاد، والاحتكام إلى صوت العقل والحفاظ على الاستقرار الداخلي، وعدم الانسياق وراء أي دعوات للجوء إلى العنف أو القوة لإفساد الجهود السياسية الحالية».
من جهتها، بررت مارينا سيريني، نائبة وزير الخارجية في الحكومة الإيطالية، ما يحدث في ليبيا بأن «تأجيل الانتخابات هناك فتح مرحلة سياسية معقدة تفتقر حالياً إلى منظور انتخابي واضح، وتواجه الحكومة المؤقتة ضغوطاً متزايدة».
وقالت في تصريحات وفقاً لوكالة «أكي» الإيطالية، مساء أول من أمس، إن «عدم اليقين بشأن طريقة التصويت، دفع مجلس النواب، إلى تكليف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة».
وذهبت سيريني إلى أن بلادها «تواصل ضمان دعمها لعمل الأمم المتحدة والمستشارة الخاصة للأمين العام ستيفاني ويليامز، حتى لا نغفل عن الهدف الرئيسي المتمثل في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشاملة، لتجنب أن يؤدي التأجيل الطويل إلى تغذية المزيد من عدم اليقين».
وسبق للمتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، القول مساء أول من أمس، بأن الأمم المتحدة ما زالت تعترف بعبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة، مشيرة إلى أن ويليامز تسعى للحصول على إيضاحات من الأطراف الليبية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».