60 سنة على مأساة {مترو شارون}... مطلب {سلام الجزائر} رمز للقمع في فرنسا

جرحى في المواجهات مع الشرطة خلال تظاهرة من أجل السلام في الجزائر عام 1962 أمام محطة مترو شارون في باريس (أ.ف.ب)
جرحى في المواجهات مع الشرطة خلال تظاهرة من أجل السلام في الجزائر عام 1962 أمام محطة مترو شارون في باريس (أ.ف.ب)
TT

60 سنة على مأساة {مترو شارون}... مطلب {سلام الجزائر} رمز للقمع في فرنسا

جرحى في المواجهات مع الشرطة خلال تظاهرة من أجل السلام في الجزائر عام 1962 أمام محطة مترو شارون في باريس (أ.ف.ب)
جرحى في المواجهات مع الشرطة خلال تظاهرة من أجل السلام في الجزائر عام 1962 أمام محطة مترو شارون في باريس (أ.ف.ب)

في الثامن من فبراير (شباط) 1962، أسفرت تظاهرة من أجل السلام في الجزائر عن مقتل تسعة أشخاص في محطة مترو شارون في باريس، فأصبحت قبل وقت قصير من انتهاء حرب الجزائر، رمزاً دموياً لقمع الدولة، حسب ما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من باريس أمس.
وقبل ذلك بأيام نفذت المنظمة المسلحة السرية، الرافضة لاستقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي، عمليات تفجير عدة أسفرت عن سقوط العديد من الجرحى، وقد استهدف أحد هذه التفجيرات وزير الثقافة أندريه مالرو وتسبب بتشويه وجه طفلة تبلغ 4 سنوات.
حدث ذلك رغم أن غالبية الفرنسيين أعلنوا بالفعل تأييدهم لحق الجزائر في تقرير مصيرها، وهو ما تحقق بفضل توقيع اتفاقيات إيفيان في 18 مارس (آذار) وإعلان وقف إطلاق النار ما فتح الطريق أمام الاستقلال. وحظر محافظ باريس، موريس بابون، بموجب حالة الطوارئ السارية منذ أبريل (نيسان) 1961، تجمعاً سلمياً دعا إلى تنظيمه في 8 فبراير في ساحة لاباستي الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي الموحد ونقابات ومنظمات يسارية، لكن المنظمين طالبوا «العمال وكل المناهضين للفاشية في منطقة باريس بإعلان سخطهم ورغبتهم في هزيمة الفاشية وفرض السلام في الجزائر»، حسب ما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية.
وكان من المقرر أن تصل خمسة مواكب من المتظاهرين من محطات مترو مختلفة إلى ساحة لاباستي للاستماع إلى خطابات المنظمين، لكن الشرطة تلقت أوامر بتفريق التجمعات مهما كان الثمن.
ومع ذلك، نجح الكثيرون من الوصول إلى مكان التجمع، بعد اشتباكات عنيفة مع الشرطة، وتمت قراءة خطاب، لكن المأساة وقعت في طريق العودة.
وفي شارع فولتير، أسفرت اشتباكات بين قوات الشرطة التي استخدمت «الهراوات» و«المتظاهرين الذين وضعوا أقفاص الخضار لحماية رؤوسهم» و«رموا الشرطة بالحجارة» عن سقوط عدد من الجرحى، بحسب ما أفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت. وحاول بعض المتظاهرين الفرار من الشرطة نحو محطة مترو شارون. وتبع ذلك تدافع مميت، حيث لاحقهم رجال شرطة لضربهم، بينما رموا على أولئك الذين حاولوا الخروج شبكات حديدية ثقيلة كانت تحيط بالأشجار.
وتعرض الأشخاص الذين لم يتمكنوا من المرور عبر البوابات المغلقة للاختناق، ومات آخرون وتحطمت جماجمهم بسبب الضربات التي تلقوها. والحصيلة كانت ثمانية قتلى، بينهم ثلاث سيدات وفتى يبلغ من العمر 15 عاماً. كما مات رجل آخر بعد ثمانية أسابيع متأثراً بجروحه. وجميعهم منتسبون إلى نقابة الكونفيدرالية العامة للعمال وأعضاء في الحزب الشيوعي، باستثناء ضحية واحدة.
ووصفت جاكلين غيشار في عام 2002 ذلك اليوم بعد نهاية عملها في البريد قائلة: «اندفاع داخل المترو والبوابات مغلقة، ثم ثقب أسود كبير». وأضافت هذه الناشطة في الحزب الشيوعي آنذاك: «غادرنا مع 7 أو8 صديقات» من بينهن آن كلود جودو، 24 عاماً، التي ماتت في الحادثة. وتابعت: «كنا نسير في مظاهرة والليل اقترب، ونحن نصرخ (السلم في الجزائر). لقد كان احتجاجاً مطلبياً ولا شيء أكثر. وفي محطة شارون، أعطانا قائد المظاهرة الأمر بالتفرق (...) وفجأة، هاجم رجال الشرطة مسلحين بالخوذات والهراوات الحشد فتدافع الجميع نحو المترو». وتساءلت: «لماذا دخلنا هذا المترو؟ لا أعرف. لماذا تعرضت آن كلود للضرب؟ لم هي وليس أنا؟ لا أعرف أيضاً».
وفقدت جاكلين رفاقها ووجدت نفسها عالقة أمام البوابات. وبدأ أول الضحايا في السقوط، ثم تمكنت من العودة إلى المنزل نحو الساعة التاسعة مساءً. وتضيف «لقد فهمت ما حصل من خلال الاستماع إلى الراديو».
وبالنسبة للمؤرخ بيار فيدال ناكي الذي توفي في 2006 فإن ما حصل كان «قمة العبث. من الصعب أن نفهم عنف الشرطة بينما الحكومة كانت في خضم مفاوضات مع ممثلي الجزائريين من أجل اتفاق تم توقيعه بعد شهر. ومع ذلك فما حدث هو قمع دولة»، كما قال في الذكرى الـ40 للمأساة.
واعتبر المؤرخ أوليفييه لو كور غراندمايسون أنه «لا شك في أن (الرئيس شارل ديغول) أراد أن يبرهن أن سلطته قائمة» كما لم يكن «من مصلحته أن يبدو الحزب الشيوعي قوياً». وبحسب المؤرخ آلان دويرب، فإن «المجزرة التي ارتكبتها الدولة» الفرنسية تبعها في 13 فبراير مشاركة ما بين 100 ألف و200 ألف شخص في تشييع جنازة الضحايا.
وغطت هذه المأساة لوقت طويل في الذاكرة الجماعية، على أحداث دموية أخرى، مثل القمع البوليسي لتظاهرة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961 التي مات خلالها عشرات الجزائريين عندما خرجوا للاحتجاج بدعوة من الفرع الفرنسي لجبهة التحرير الوطني ضد قرار حظر التجول الذي أصدره موريس بابون نفسه.
وهذا الإغفال فسره المؤرخ جيل مانسيرون من خلال الصمت الذي فرضته السلطات الفرنسية حول مجزرة 1961 واهتمام أقل لليسار الفرنسي، الذي لم يكن منظم التظاهرة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.