المخرج جووَل كوون منفرداً يقارع ماكبث

تصدّى لرواية شكسبير الأعنف

‫دنزل واشنطن في «مأساة ماكبث»
‫دنزل واشنطن في «مأساة ماكبث»
TT

المخرج جووَل كوون منفرداً يقارع ماكبث

‫دنزل واشنطن في «مأساة ماكبث»
‫دنزل واشنطن في «مأساة ماكبث»

الصورة الأولى التي تظهر على شاشة «تراجيديا ماكبث» سوداء مصحوبة بدقات جرس بعيد. ثم يفتح الفيلم على سماء رمادية مع موسيقى خافتة وموحية لكارتر بورتَل. في السماء ثلاثة غربان (أو ربما عقبان) تحلق في شكل دائري. بعد قليل نشاهد ساحرة مجثية تتحدث إلى الكاميرا ثم الساحرات الثلاث اللواتي وردن في مطلع مسرحية ويليام شكسبير وخلال بعض فصولها.
هذه مقدمة آخر اقتباس سينمائي لمسرحية «ماكبث» التي قُدمت على المسرح أول مرة سنة 1606 ميلادية. ولو أحصينا عدد الاقتباسات التي أمتها السينما منذ العقد الأول من القرن الماضي فإن العدد يتجاوز 400 اقتباس مباشر من نحو 20 دولة، ونحو ذلك كاستيحاء بعناوين أخرى. بالنظر إلى أن هناك ألوفاً من الأفلام التي اقتبست عن كل مسرحيات شكسبير، فإن هذا الكاتب المسرحي الألمع ما زال أكثر رواجاً من كل كاتب مسرحي، أو روائي، آخر.
بناء مُحكم
لا يتوقع أحد أن تكون معظم هذه الاقتباسات جيدة. يمكن لمن يمضي نحو أسبوع من البحث أن يلتقط أفلاماً تنهل من المسرحية الحدث وتكتفي. قيمة الاكتفاء بنقل المسرحية كحكاية أقل من قيمة تلك الأفلام القليلة التي تقرأ جيداً مفادات ما وضعه شكسبير في دفتي عمله كالخيانة والجشع ودوافع الاغتيال ثم نتائجه. والتي تقرأ كذلك العلاقة الغريبة التي ربطت بين ماكبث وزوجته. تلك التي فسرها سيغموند فرويد بأن موضع غرابتها يكمن في أنهما بلا أولاد، مضيفاً أن هذه هي مأساة ماكبث الحقيقية.
لكن هذا تأويل لم يذهب إليه آخرون، وكذلك المتأثرون بعلم فرويد لم يتبنوه. مأساة ماكبث واضحة في مسرحية شكسبير وفحواها أن ماكبث سمع من الساحرات ما أزال ستاراً خافياً عن رغباته الدفينة في تحقيق ذلك النوع المدمر من الذات. قلن له إنه سيصبح «سيد أرض» (الكلمة Thane تُستخدم لوصف من ينعم بأرض يهديها إليه الملك وبذلك يرتقي من العموم إلى ما دون مرتبة النبلاء). تكمل الساحرات «… ثم سيصبح ملكاً».
في البداية لم يفكر ماكبث طويلاً في هذا الأمر لكن خروجه من المعركة ضد النرويجيين والآيرلنديين منتصراً دفع ملك اسكوتلندا دنكن لمنحه لقب «سيد الأرض» فعلاً ما دفع ماكبث للتفكير بذلك الجزء الثاني من النبوة. يخبر زوجته التي سيكون لها التأثير الفعلي لقيامه باغتيال الملك وتنصيب نفسه ملكاً عوضاً عنه. خصوصا أن الملك أعلن عن أن ابنه الأكبر مالكولم هو من سيخلفه. هذا الإعلان هز ماكبث. تستطيع أن ترى ذلك في مشهد موجز يعبر عنه بلمحة قصيرة على وجه دنزل واشنطن.
ردة فعل لحظية تمر ولا يمر أثرها. كل هذا هو البناء المُحكم لما سيلي في فيلم المخرج جووَل كووَن المنفذ بكاميرا فيلم (وليس ديجيتال) وبالأبيض والأسود (كما فعل أكيرا كوروساوا وأورسن وَلز حينما قاما باقتباس المسرحية كل لفيلمه). سيفضى بماكبث لنزعات الخوف وتأنيب الضمير. تحاربهما زوجته وهي تحثه على فعل القتل. وعندما يترك خنجره في غرفة الملك شاعراً بهول ما ارتكب، تركض صوب تلك الغرفة وتعود بالخنجر لكي تبعد عن زوجها الشبهات.
الفيلم، في معظمه، نقل أمين لما قرأناه بقلم المؤلف. القليل المحذوف، بالمقارنة مع ما أبقاه من أحداث، كان بهدف توحيد سياق العمل وتنفيذ رؤيته الفنية لمسرحية تحتوي - كما «هاملت» و«الملك لير» وسواهما - على تلك الأزمات الإنسانية الناتجة عن الصراع مع الذات ومع الغير. وماكبث، كما يؤديه بجدارة دنزل واشنطن، نموذجي في هذا التوجه.
في نص شكسبير لا يتحول ماكبث إلى رجل واثق من نفسه وأقوى شأناً مما كان عليه قبل ارتكاب الجريمة بل تزوره الأشباح ويقع في هلوسات النفس، ولا يجد في النهاية بداً من الاندفاع نحو نهايته المأساوية كما يصفها العنوان. مما حذفه كووَن (في أول خطوة إخراج بلا شراكة شقيقه إيتان) تلك المناسبات التي التقطتها أفلام سواه. تحديداً المعارك العنيفة في مطلع الفيلم (الحرب ضد الآيرلنديين والنرويجيين) وتلك اللاحقة عندما يهجم جيش مالكولم الراغب في استعادة المُلك قصر ماكبث.
لمن يريد مشاهدة المعارك وضراوتها يستطيع اللجوء إلى نسخة الياباني كوروساوا (1957) ونسخة الفرنسي رومان بولانسكي (1971) ونسخة الأسترالي جوستين كورزال (2015). في الأفلام الثلاثة عمد مخرجوها إلى المعارك بفاعلية كبيرة. «ماكبث» كما كتبها شكسبير واحدة من أعنف أعماله. المعارك بين المقاتلين واردة في النص المُلقى لكنها المناسبة المُثالية لتحويلها لمشاهد فعلية تستعرض الحروب الطاحنة بأدواتها الدموية من سيوف وفؤوس ورماح.
لا يُعتبر ذلك خروجاً عن النص أو النيل منه، بل هو فعل مُبرر كون السينما لديها القدرة على استنفاد الفرص المتاحة لها لخلق الفاصل المناسب بين المسرحية والفيلم.
كوون
أين يضع هذا التوجه فيلم جووَل كووَن؟ هل كان عليه أن يطرق الباب ذاته ويصور المعارك الدموية كما فعل سواه؟
فيلم كووَن هو كل شيء باستثناء اقتناص مثل هذه الفرصة. الأمانة للنص واردة لا عبر التمسك بالحوار كما كُتب فقط، بل بالكيفية التي كُتبت بها المسرحية بكاملها. المساحة المكانية للأحداث تقع ضمن جدران القلعة وغرفها الخالية غالباً. هناك مشاهد خارجية مفتوحة بين الحين والآخر لكن المكان داخل القصر هو ما تقع فيه معظم الأحداث من دون أن يفتر الاهتمام بما يدور أو يثير الأمر أي داع للملل.
التزام المخرج بالنص وشروطه لا يعني أنه ألغى العنف لأن العنف موجود في شرايين العمل أصلاً. لكن بما أن كووَن لن يؤلف جيوشاً ويدير معارك لإرضاء نزعة الاختلاف عن النص، فإن عليه التعامل مع العنف الدائر بين ماكبث وذاته وبينه وبين صراعاته وأزماته النفسية وتفاعلاتها. في النهاية هناك معركة وحيدة وبين رجلين (دنزل واشنطن وكوري هوكينز الذي يؤدي دور الفارس ماكدوف).
مرة أخرى، عوض أن يختار المخرج لها مكاناً رحباً داخل القصر أو خارجه يضع المتحاربان في الممرات الضيقة التي عادة ما يستخدمها الجنود للدفاع عنها. كان ماكبث قتل زوجة ماكدوف وأطفالهما ما جعل الثاني يسعى للالتحاق بجيش مالكولم. المسألة شخصية بالنسبة إليه، أما بالنسبة لماكبث فهي قناعة بأنه سيواصل الحياة كونه خالداً، كما نبأته الساحرات. حتى عندما أدرك أنه ليس خالداً واجه ماكدوف بكل قوة.
تصوير المعركة بينهما في مساحة تفصل جدراناً ضيقة رائع. نلاحظ أن المساحة الممنوحة لهما أضيق من أن تمنحهما حرية الحركة. لكن هذا هو وضع الكاميرا (تحت إدارة برونو دلبونل المحكمة) أيضاً. مساحتها المحدودة، لمن يراقب بإمعان، تزيد من توتر المشهد برمته.
اللحظة التي يقطع بها ماكليف رأس ماكبث تتم بتوال مدهش وسريع. ما زال العنف سيد الموقف لكنه ليس العنف للعنف بل يعد تجسيداً لذلك الذي يجيش بصدور المتحاربين.
واشنطن
في الوهلة الأولى اختيار الأفرو أميركي دنزل واشنطن للعب دور الاسكوتلندي ماكبث (وهوكينز للعب دور ماكليف) يبدو غريباً. لا نتحدث هنا عن شخصية عطيل (التي أداها الأبيض أورسن وَلز) لكن ما يبدو مثيراً لبعض الدهشة يتلاشى مع أسلوب واشنطن المدهم والواثق. هذا ممثل تستطيع تصديقه يؤدي شخصية شكسبيرية بعيدة عن لون بشرته لكنها ملتصقة بفنه. حتى فرنسيس ماكدورمند، في دور زوجته، توفر جهداً مماثلاً لإتقان دور صعب. العلاقة الدرامية بين الاثنين هي بؤرة العمل بأسره. يتجاوب كل منهما حيال الآخر على نحو طبيعي. يلتحمان في بعض المشاهد ويعكسان حنان المصير المشترك. كلا الممثلين من مدرسة مختلفة. بالنسبة إليها إلقاؤها مباشرة كمن يلقي درسه. جيدة في تعابير الوجه وجيدة في التزام السير ضمن خطين محددين لكنها تركز على الكلمات.
دنزل أكثر تحرراً. هو الممعن في تجسيد معنى الكلمات وليس فقط نطقها. ويستطيع دنزل اختصار مراحل نفسية متعددة ويفعل ذلك بالفعل. النقاط المرسومة بين كل تحول في شخصيته، يمر هذا الممثل عليها بثقة وإقناع.
النقطة الأولى هي تلك التي نتعرف فيها عليه في المشاهد الأولى. شخص واثق من نفسه. معتد من دون فخر ويميل إلى البساطة. متعب (كونه عائدا من قتال) لكنه مرتاح. من تلك النقطة هو في صعود مع تصاعد وتيرة الدراما التي يؤديها. قلق. نتابعه واثقاً ثم قلقاً ثم مجنوناً. وهو إذ ينتقل بين هذه المواقع يجسد في كل مرة قدراً من انهيار الأخلاقيات ويمنح كل فترة ما تحتاجه من موقف يعبر عنها تعبيراً أو حواراً.
على ذلك، أحياناً ما ندرك بأن واشنطن ينتمي إلى الحاضر بسبب صياغته للكلمات. وهناك مرحلة منتصفة من الفيلم فارغة من التوتر المسبق والمقبل. لكن كل هذا لا يتعدى الملاحظات في كينونتها الفردية. ما يطغي من المشهد الأول إلى الأخير هو نتاج فني لم يسبق لأي «ماكبث» سينمائي آخر أن حققه على هذا النحو.
هذا ليس لتقليل أهمية «تاج من الدم» لكوروساوا أو المنحى التجريبي لوَلز، ولا حتى وصم نسختي كورزال وبولانسكي المهمتين بشوائب النقد، لكن لا أحد من هذه الأفلام الجيدة وضع فن السينما ليخدم فن النص على هذا النحو. لا أحد التزم بجغرافية المكان وبتفاصيل الزمان وخلق منهما عملاً لا يعبأ بالتنازل عن جدية الاقتباس لإرضاء أحد. لا السوق ولا أعضاء لجان المناسبات السينمائية المقبلة.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.