مرحلة جديدة من النفوذ الصيني في باكستان بمشاريع قيمتها 46 مليار دولار

الرئيس الصيني يهدف إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط بكين بالمحيط الهندي

الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الباكستاني ممنون حسين ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لدى وصوله إلى مطار إسلام آباد أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الباكستاني ممنون حسين ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لدى وصوله إلى مطار إسلام آباد أمس (إ.ب.أ)
TT

مرحلة جديدة من النفوذ الصيني في باكستان بمشاريع قيمتها 46 مليار دولار

الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الباكستاني ممنون حسين ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لدى وصوله إلى مطار إسلام آباد أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الباكستاني ممنون حسين ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لدى وصوله إلى مطار إسلام آباد أمس (إ.ب.أ)

وصل الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس إلى إسلام آباد للإعلان عن مشاريع استثمارية بقيمة 46 مليار دولار تهدف إلى تحويل النمط الاقتصادي للحليفة الاستراتيجية في آسيا. ووصل الرئيس الصيني صباح أمس إلى مطار إسلام آباد حيث كان في استقباله رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف وكبار الشخصيات السياسية والعسكرية في زيارة تستمر يومين وسط إجراءات أمنية مشددة. والزيارة التي تحمل بُعدا استراتيجيا مهمّا هي الأولى لرئيس صيني إلى باكستان منذ 9 أعوام. وتقيم الصين وباكستان علاقات «ودية» منذ عقود، لكن التبادل التجاري بينهما بدأ فعليا يتحسن في السنوات الأخيرة وتجاوزت قيمته 12 مليار دولار السنة الماضية، مقابل نحو مليارين قبل عقد.
وأجرى رئيس الوزراء الباكستاني أمس محادثات مع رؤساء شركات صينية ضمنهم مديرو أكبر مصرف صيني «آي سي بي سي» ومجموعة هوانينغ التي تعد بين كبرى الشركات المنتجة للكهرباء في العالم وزونيرجي التي تشارك في مشروع للطاقة الشمسية في باكستان.
وتضاعف بكين استثماراتها في باكستان البلد الذي يبلغ عدد سكانه أقل من 200 مليون نسمة ويعاني من أزمة في الطاقة تعرقل نموه الاقتصادي الذي يتوقع أن يبلغ 4,3 في المائة في 2015 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
وقال الوزير المكلف مشاريع التنمية إحسان إقبال لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هذا المبلغ 46 مليار دولار يشكل كل أموال المشاريع» التي ينفذ بعضها بينما هناك مشاريع أخرى لا تزال في مرحلة التخطيط. وأضاف أن «البلدين يعولان على مشاريع في قطاع الطاقة، الغاز والفحم والطاقة الشمسية.. لإنتاج 16 ألفا و400 ميغاواط، أي ما يعادل طاقة باكستان حاليا، وعلى مشاريع للبنى التحتية بقيمة 11 مليار دولار».
ويتجاوز التعاون بين البلدين مشاريع البنى التحتية ويهدف في الواقع إلى إنشاء «ممر اقتصادي» يربط بين مرفأ غوادار الباكستاني على بحر العرب بمناطق غرب الصين في شيغيانغ المحاذية لباكستان. وستوفر المشاريع الضخمة بين البلدين للصين مدخلا مباشرا إلى المحيط الهندي وما وراءه.
ونقلت باكستان في 2013 إدارة المرفأ في المياه العميقة في إقليم بلوشستان المضطرب، إلى شركة عامة صينية. وبعد إصلاح الطريق، يمكن لهذا المرفأ أن يقلص المسافة التي يقطعها نفط الشرق الأوسط إلى غرب الصين آلاف الكيلومترات، عبر الالتفاف على الهند.
وكما يفكر البلدان في بناء أنبوب للغاز بين غوادار ومدينة نواب شاه الباكستانية من أجل توزيع الغاز الطبيعي المسال المستورد من الشرق الأوسط في جنوب باكستان.
وكانت زيارة شي مقررة في سبتمبر (أيلول) الماضي لكنها أرجئت بسبب المظاهرات المعادية للحكومة التي أخفقت في إبعاد شريف عن السلطة.
وإلى جانب التجارة الثنائية، ستبحث القضايا الأمنية خلال هذه الزيارة النادرة لرئيس دولة أجنبي إلى باكستان. وتخشى الصين تسلل متمردين من باكستان المجاورة إلى إقليم شينغيانغ الحدودي الذي يشهد أعمال عنف متقطعة. وقال الجنرال الباكستاني السابق طلعت مسعود إن «الصين تريد ضمان أمن حدودها وترغب في أن تتأكد باكستان من عدم حدوث تسلل لمتمردين».
وقد يتطرق شي أيضا خلال زيارته إلى قضية أفغانستان الواقعة على حدود باكستان والصين، وخصوصا قضية المصالحة بين حركة طالبان الأفغانية والسلطة في كابل.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».