يجب التعامل مع كأس الأمم الأفريقية بالاحترام الذي تستحقه

البطولة العريقة ما زالت تناضل من أجل الاعتراف بها... ومطالبة دائماً بتبرير وجودها

لاعبو الكاميرون وضمان الفوز في المباراة الافتتاحية بعد الهدف الثاني في شباك بوركينا فاسو (رويترز)
لاعبو الكاميرون وضمان الفوز في المباراة الافتتاحية بعد الهدف الثاني في شباك بوركينا فاسو (رويترز)
TT

يجب التعامل مع كأس الأمم الأفريقية بالاحترام الذي تستحقه

لاعبو الكاميرون وضمان الفوز في المباراة الافتتاحية بعد الهدف الثاني في شباك بوركينا فاسو (رويترز)
لاعبو الكاميرون وضمان الفوز في المباراة الافتتاحية بعد الهدف الثاني في شباك بوركينا فاسو (رويترز)

من الناحية المثالية، كان من المفترض أن تركز المناقشات التي سبقت بطولة كأس الأمم الأفريقية الثالثة والثلاثين، والتي انطلقت يوم الأحد بالمباراة التي فازت فيها الكاميرون على بوركينا فاسو بهدفين مقابل هدف وحيد في ياوندي، على المرشحين للفوز باللقب والمفاجآت المحتملة واللاعبين المتميزين، وطرح أسئلة من قبيل: هل تستطيع الجزائر الحفاظ على اللقب؟ وهل يتمكن نجم ليفربول محمد صلاح من قيادة مصر لتحقيق المجد؟ وهل يمكن لمنتخب من شمال أفريقيا أن يفوز بالبطولة للمرة الثالثة فقط في في المسابقات التي تنظم في دول أفريقيا جنوب الصحراء؟ وهل تتمكن السنغال، التي تضم كوكبة من النجوم الرائعة، من الفوز بالبطولة للمرة الأولى في تاريخها؟ ولماذا يتولى القيادة الفنية لمنتخب نيجيريا مدير فني مؤقت؟
لكن بدلاً من ذلك، تركز النقاش، في إنجلترا على الأقل، على أندية الدوري الإنجليزي الممتاز التي ستتضرر بشكل أكبر بسبب مشاركة لاعبيها في كأس الأمم الأفريقية. قد تُسبب البطولات الدولية الكثيرة بعض المشاكل للأندية، لكن أصبح هناك شعور كأنه يتعين على كأس الأمم الأفريقية دائماً أن تبرر وجودها. في الحقيقة، ربما تعد كأس الأمم الأفريقية هي أبرز مثال على الصعوبات التي تواجه وضع توقيت مناسب لإحدى كبرى البطولات العالمية.
وعندما سُئل مهاجم أياكس أمستردام، سيباستيان هالر، عما إذا كان سينضم إلى منتخب بلاده ساحل العاج أم سيبقى مع ناديه، رد بغضب قائلاً: «هذا السؤال يُظهر عدم احترام لأفريقيا. هل يمكن أن يُطرح هذا السؤال على لاعب أوروبي قبل نهائيات كأس الأمم الأوروبية؟». إنه محق فيما يتعلق بعدم الاحترام لكأس الأمم الأفريقية، لكن يتعين عليه أن يدرك أيضاً أن نهائيات كأس الأمم الأوروبية لا تتعارض مع الدوريات الأوروبية. كان يبدو أن هذه المشكلة، من الناحية الظاهرية على الأقل، قد حُلت في عام 2017 عندما وافق الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بعد ثلاثة أشهر من انتهاء رئاسة عيسى حياتو التي استمرت 29 عاماً بهزيمته في الانتخابات أمام أحمد أحمد، على تغيير موعد البطولة لتقام في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز).
لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام التالي، وبسبب مشاكل تتعلق بالبنية التحتية وتمرد «بوكو حرام» وأزمة الناطقين باللغة الإنجليزية، انتقلت بطولة 2019 من الكاميرون إلى مصر، على أن تستضيف الكاميرون بطولة 2021 (ساحل العاج، التي كان من المقرر أن تستضيف البطولة في عام 2021، ستستضيفها الآن في عام 2023، في حين ستقام نسخة عام 2025 في غينيا). وعلى الرغم من تغيير موعد بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2019 لمدة أسبوع حتى لا تتزامن مع شهر رمضان، فإنها أقيمت، كما هو مخطط، في فترة توقف الدوريات الأوروبية. لكن في يناير (كانون الثاني) 2020، قرر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم العودة إلى إقامة البطولة في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) لعام 2021 بسبب «تحدي الظروف المناخية غير المواتية». لكن لم يتم توضيح سبب عدم اعتبار ذلك مشكلة في عام 2019!
ومع تأجيل البطولة من العام الماضي إلى هذا العام بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا، كان هذا يعني إقامة البطولة في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) أو إقامتها قبل أربعة أشهر فقط من انطلاق كأس العالم في قطر - على الرغم من أن ذلك يعني أن الأهلي المصري سيلعب مع مونتيري في كأس العالم للأندية في الخامس من فبراير (شباط)، وهو اليوم السابق لليوم الذي ستقام فيه المباراة النهائية لكأس الأمم الأفريقية، وهو الأمر الذي لا يبدو مثالياً على الأقل بالنسبة للاعبي الأهلي الستة في قائمة منتخب مصر.
لا يزال من المقرر إقامة بطولة كأس الأمم الأفريقية 2023 في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) على الرغم من أن متوسط هطول الأمطار في أبيدجان في يونيو (حزيران) يزيد قليلاً على ضعف متوسط هطول الأمطار في ياوندي. فهل يمكن إقامة مباريات كرة القدم عندما تهطل الأمطار بمعدل 270 ملم في اليوم؟
أما الشكوى المعتادة الأخرى للأندية الأوروبية فتتمثل في أن كأس الأمم الأفريقية تقام كل عامين، لكن أسباب ذلك تاريخية ومالية في المقام الأول. فهذه هي ثاني أقدم بطولة قارية، بل وأقدم من بطولة اليورو نفسها، حيث تأسست عام 1957 وسط موجة الاستقلال عبر القارة. فازت مصر بأول بطولتين (فازت بالبطولة الثانية باسم الجمهورية العربية المتحدة بعد الاتحاد مع سوريا)، حيث كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر يتبنى أجندة مناهضة للاستعمار بشكل جذري. وكان أقوى منتخبات القارة في فترة الستينات من القرن الماضي هو غانا، التي نالت استقلالها عن بريطانيا عام 1957؛ ووضع المنتخب الغاني نجمة سوداء على العلم وعلى قمصان اللاعبين، في إشارة إلى الناشط الجامايكي ماركوس غارفي.
ودائماً ما كانت كأس الأمم الأفريقية تواجه معركة شرسة للاعتراف بها سياسياً وكروياً. لقد تم تخصيص مقعد واحد فقط من أصل 16 مقعداً في كأس العالم 1958 للبلدان الأفريقية والآسيوية مجتمعة (وانتهى الأمر بذهاب هذا المقعد إلى ويلز، بسبب رفض كثير من البلدان اللعب أمام إسرائيل، التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم؛ وكانت المباراة الفاصلة بين ويلز وإسرائيل هي التي تعني أن جيمي مورفي، الذي جمع بين عمله كمدير فني لمنتخب ويلز وكمدير فني لمانشستر يونايتد، لم يستقل الطائرة التي تحطمت في ميونيخ). وفي عام 1970، وبعد مقاطعة أفريقية لمونديال عام 1966، تم تخصيص مقعد لأفريقيا وآخر لآسيا في كأس العالم.
لقد كانت حجة حياتو في اختيار توقيت كأس الأمم الأفريقية تتمثل في أن البطولة انطلقت في وقت لم تكن فيه الأندية الأوروبية تضم لاعبين من أفريقيا، بل وتجاهل الإشارة إلى الإيرادات المالية التي تجعل إقامة البطولة ضرورية، وقال إنه لم يكن هناك سبب لتغيير موعد إقامة كأس الأمم الأفريقية لمجرد أن الأندية الأوروبية أصبحت تشتري اللاعبين الأفارقة بأعداد كبيرة. ربما تكون هذه هي أفضل نقطة للتفاوض بشأن إيجاد حل لهذه المشكلة، لكن في عالم المصلحة الذاتية كان ذلك يعني أن حياتو يدافع عن الصالح العام لكرة القدم الأفريقية. أما باتريس موتسيبي، الذي خلف أحمد أحمد كرئيس للاتحاد الأفريقي لكرة القدم في مارس (آذار) الماضي، فهو شخصية مؤيدة للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بشكل غريزي.
لكن أياً كان المسؤول، تظل المشكلة كما هي. وتتمثل الحقيقة الواضحة الآن في أن كرة القدم الأوروبية تمثل قمة اللعبة على مستوى الأندية، وأن إقامة بطولة كأس الأمم الأفريقية في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) تعني أنه يتعين على مجموعة من أفضل اللاعبين الأفارقة ترك أنديتهم كل عامين - وهو ما لا يمكن أن يكون مفيداً لمسيرتهم الكروية مع هذه الأندية. لكن متى يمكن إقامة البطولة؟ قد لا يكون من الممكن التوفيق بين شتاء أوروبا الشمالية وموسم الأمطار في غرب أفريقيا، وهذا هو الحل الأفضل. لكن الصورة ستكون أوضح بكثير إذا أقيمت نسخة 2023 التي ستستضيفها ساحل العاج في شهر يونيو (حزيران).
وتعد المطالبات الأخيرة بإقامة كأس العالم كل سنتين جزءاً من المناقشات الأوسع بشأن مواعيد إقامة البطولات الكبرى. ومع استمرار هذه المفاوضات، فإن الأمل الوحيد - ربما كان عبثاً - يتمثل في إعطاء أولوية للمصالح الكروية وليس للمصالح التجارية أو السياسية، وأن يتم التعامل مع كأس الأمم الأفريقية بالاحترام الذي تستحقه.
وتجب الإشارة إلى أن الكاميرون، على عكس كثير من المضيفين الجدد، لديها ثقافة الذهاب إلى الملاعب لمشاهدة المباريات، ما لم يتأثر الأمر بتداعيات تفشي فيروس كورونا، وهو ما يعني أن النسخة الحالية قد تكون واحدة من أفضل بطولات كأس الأمم الأفريقية، وهو ما ينبغي أن يكون موضع التركيز الأساسي، بدلاً من الحديث عن إحباطات مشجعي أندية الدوري الإنجليزي الممتاز!



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».