استبعد خبراء أن يسهم استئناف «الرحلات السياحية الدينية الإيرانية» إلى دمشق، في إحداث انفراجة اقتصادية ومالية بمناطق سيطرة الحكومة السورية، التي تعاني من ازدياد تفاقم الأزمة الاقتصادية وقتامتها، مع توقعات بأن تستفيد «نخب اقتصادية مرتبطة بها» ظهرت خلال سنوات الحرب. وأفيد بأن شركات أمن خاصة تابعة لـ«أثرياء الحرب» ستقوم بحماية الزوار من حدود العراق إلى جنوب دمشق.
وقال خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»، إن استئناف الرحلات «قد تكون له علاقة بحاجة النظام الاقتصادية؛ خصوصاً في ضوء انغلاق الآفاق الاقتصادية وقتامتها»، في إشارة إلى «تهالك الاقتصاد في مناطق سيطرة الحكومة السورية، والأزمات الحادة التي تعاني منها منذ سنوات، وازدياد حدتها مؤخراً؛ خصوصاً أزمات توفُّر الوقود والغاز والكهرباء والطحين والدواء (...) والعملة الأجنبية».
وأعلن رسمياً، الأحد الماضي، رئيس منظمة «الحج والزيارة» الإيرانية، علي رضا رشيديان، استئناف الرحلات الدينية إلى دمشق، التي وصلت إليها أول رحلة تحمل 25 «زائراً» للمواقع الدينية، تستمر 5 أيام، وذلك بعد الحصول على موافقات الجانب السوري بالكامل، مع ضمان اتخاذ الإجراءات الاحترازية ضد فيروس «كوفيد-19»، بينما ستبدأ الرحلة الثانية نهاية الأسبوع الجاري، والثالثة مطلع الأسبوع المقبل، وستحمل كل منها 25 «زائراً».
ولفت رشيديان إلى أن التكلفة التقديرية لإرسال «الزائر» 10 ملايين و500 ألف تومان (350 دولاراً)، وأن برنامج «الزوار» حالياً يقتصر على زيارة دمشق فقط.
ويقصد الزوار الإيرانيون مقام «السيدة زينب» في ريف دمشق الجنوبي؛ حيث تتركز أغلبية شيعية من عائلات وأسر مقاتلي الميليشيات التابعة لإيران. كما يقصدون مقامَي «السيدة رقية» في دمشق القديمة، و«السيدة سكينة» في مدينة داريا بريف العاصمة الغربي.
وذكر رشيديان أن استئناف الرحلات يأتي عقب أكثر من عامين على توقفها بسبب تفشي «كوفيد-19»؛ لكن مصادر في منطقة «السيدة زينب» سبق أن أكدت لـ«الشرق الأوسط» استمرار وفود أشخاص إيرانيين وعراقيين ولبنانيين إلى المنطقة، رغم إعلان إغلاق أماكن العبادة لمواجهة الفيروس.
ورأى الخبير الاقتصادي أن هذا الاستئناف «قد يكون مرتبطاً بحاجة إيران إلى العودة للمشهد السوري اقتصادياً، بعد غيابها عن الساحة جراء المزاحمة الروسية، أو التراجع الإيراني على خلفية عقوبات (الرئيس الأميركي الأسبق دونالد) ترمب، أو تداعيات انتشار (كوفيد-19)». وأضاف: «قد يكون التوقيت مرتبطاً بتراجع حدة الضغوط الأميركية على إيران في عهد الرئيس جوزيف بايدن، ومحاولة إدارته استكشاف مختلف السبل لتسهيل المفاوضات حول ملف إيران النووي الجارية في فيينا، وربما كانت نتاجاً لتفاهمات عُقدت على هامش المفاوضات».
وذكر أن إيران «قد تكون خططت لإعادة افتتاح خط (الحج) ضمن مسعاها لإثبات وجودها وقدرتها أمام بعض الذين لوَّحوا لدمشق مؤخراً بإعادة العلاقات والتطبيع».
وأشار خبير اقتصادي آخر لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن ردود الفعل في الشارع الدمشقي لم تظهر بوضوح حتى الآن حول الأمر، وقال: «الناس آخر اهتماماتها (الحجاج) الإيرانيون وعودتهم، وغالباً ما ستكون نسبتهم قليلة وغير فاعلة اقتصادياً». واعتبر أن «المستفيد من عودة الزوار هي النخب الاقتصادية المرتبطة بها، والتي ظهرت خلال سنوات الحرب، ومنها على سبيل المثال، خضر طاهر، الشهير بـ(أبو علي خضر) الذي تتولى شركته الأمنية (القلعة) تأمين وحماية وتنظيم (الزيارات) العراقية إلى (السيدة زينب)، بعدما تولت قبل عامين تأمين وحماية قوافل (الزوار) الإيرانيين».
ولفت الخبير إلى أن شركة «ماهان» ستستفيد من حركة النقل الجوي بين البلدين، وربما ينعكس ذلك على «زيادة تدفق السلاح الإيراني إلى مناطق سيطرة الحكومة عبر طائرات الشركة؛ خصوصاً بعد أن ضربت إسرائيل مرفأ اللاذقية بذريعة وصول شحنات سلاح إيراني عبره، كاسرة للتوازن».
وأضاف: «ربما تعمل إيران من خلال هذه الخطوة للضغط على السياسة العراقية من خلال التلاعب بتدفق (الزوار) إلى بلاد الرافدين المجاورة، بما ينعكس سلباً على الاقتصاد العراقي المتراجع؛ خصوصاً أن العراق يقف أمام مخاض عسير لولادة حكومة، وتجهر قوى لها وزنها في عملية تشكيلها كـ(التيار الصدري) بأنها تريد حكومة لا شرقية ولا غربية، في إشارة لرفضها تبعية الحكومة لإيران أو للولايات المتحدة».
ويأتي استئناف الرحلات السياحية الدينية الإيرانية إلى دمشق، بعدما وقَّعت منظمة «الحج والزيارة» الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مذكرة تفاهم مع دمشق، تقضي بأن تقوم إيران في المرحلة الأولى بإرسال 100 ألف إيراني إلى سوريا لزيارة المواقع الدينية.
وبما يعكس حاجة الحكومة السورية الماسة لانفراجة اقتصادية وللأموال، وخصوصاً الدولار الأميركي، لم يجد وزير السياحة محمد رامي مرتيني حينها حرجاً في تأكيد رغبة دمشق في تسيير هذه الرحلات بشكل «سريع».
وكان يؤم المقامات الشيعية في دمشق وحدها سنوياً قبل سنوات الحرب، مئات آلاف «الزوار الشيعة» الأجانب؛ لكن هذا العدد شهد تراجعاً ملحوظاً مع اندلاع الحرب، وازداد التراجع إلى حد كبير بعد تمكن المعارضة المسلحة في عام 2012، من أسر 48 إيرانياً في الغوطة الشرقية، إثر استدراج حافلتهم على طريق مطار دمشق الدولي في اتجاه المقامات التي يزورونها.
وعقب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية لمواجهة «كوفيد-19» قبل عامين، بات الوفود العلني لـ«الزوار» الشيعة الأجانب إلى البلاد شبه معدوم.
وتلقى قطاع السياحة في سوريا ضربة مؤلمة جراء الحرب، إذ نقل موقع «المونيتور» في سبتمبر (أيلول) 2016 عن مصادر في وزارة السياحة، أن أعداد السياح تراجعت من 5 ملايين في عام 2010 إلى أقل من 400 ألف في 2015، وبالتالي تراجعت إيرادات القطاع بنحو 98 في المائة، وبلغت خسائره نحو 3 مليارات دولار، بينما كان هذا القطاع يشكِّل 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغِّل 13 في المائة من القوى العاملة، ويرفد اقتصاد البلاد بنحو 5 مليارات دولار سنوياً (الدولار الأميركي يساوي حالياً أكثر من 3500 ليرة سورية).
شركات «أثرياء الحرب» تواكب «الزوار الإيرانيين» من العراق إلى دمشق
بعد استئناف الرحلات إلى العاصمة السورية
شركات «أثرياء الحرب» تواكب «الزوار الإيرانيين» من العراق إلى دمشق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة