انقسام سياسي حيال أداء حكومة الدبيبة

البعض رأى أنها اعتمدت على المقربين... وآخرون تحدثوا عن تسجيل رضا شعبي

الدبيبة خلال زيارته إلى روما في 31 مايو الماضي (أ.ب)
الدبيبة خلال زيارته إلى روما في 31 مايو الماضي (أ.ب)
TT

انقسام سياسي حيال أداء حكومة الدبيبة

الدبيبة خلال زيارته إلى روما في 31 مايو الماضي (أ.ب)
الدبيبة خلال زيارته إلى روما في 31 مايو الماضي (أ.ب)

مع انتهاء عام 2021 الذي كان من المفترض أن يشهد أول انتخابات رئاسية في البلاد، قدم سياسيون ليبيون تقييماً لأداء حكومة الوحدة الوطنية، باعتبار ما أنيط بها من مهام بينها إجراء هذا الاستحقاق، بعد تسلمها السلطة منتصف مارس (آذار) الماضي، وعكست هذه الآراء انقساماً سياسياً حيال السلطة المؤقتة في البلاد.
واعتبر رئيس لجنة شؤون النازحين والمهجرين بمجلس النواب الليبي، جاب الله الشيباني، أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، اتبع نهجاً «عزز المركزية بالعاصمة وتفرد بإصدار القرارات»، ما ألقى بظلاله على أداء غالبية الوزراء منذ بداية عملها، لكنه لفت إلى تمتع بعضهم «بخبرة وحماس لإحداث تطوير في مجالهم»، وضرب مثلاً على ذلك «بما حققه وزير النفط محمد عون في وزارته».
ورأى الشيباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الجميع يعلم أن الدبيبة يستحوذ على صلاحيات وزرائه، فضلاً عن إصداره القرارات باسم مجلس الوزراء دون الرجوع له (…) وهذه الأسباب هي التي كشف عنها نائب رئيس الحكومة عن المنطقة الشرقية حسين القطراني، ومعه كافة وزراء إقليم (برقة) عندما أعلنوا انشقاقهم عن الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى جانب أسباب تتعلق بتهميش مطالب المنطقة الشرقية».
وقال أيضاً إن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي كانت في مقدمة الوزراء الذين عُلقت عليها الآمال الكبيرة مبكراً في إحداث قدر من التغيير الإيجابي، جاء أداء حقيبتها نهاية المطاف محبطاً لكثيرين «لعدم لمعالجة قضية تكدس الموظفين بالسفارات الليبية بالخارج، وتقليص حجم تلك السفارات، وعدم وضع سياسية خارجية تعبر عن أولويات البلاد».
ورأى الشيباني أن الحكومة لم تقدم أي شيء بشأن تحسين مستوى الأوضاع المعيشية للمواطنين، وخصوصاً فيما يتعلق بمشاكل انقطاع الكهرباء والسيولة وانعدام الأمن خصوصاً بالمنطقة الغربية حيث تسيطر الميلشيات، فضلاً عن «فضيحة عدم توفير الكتاب المدرسي، والتي انتهت بتقديم وزير التربية التعليم موسى المقريف، ككبش فداء وسجنه احتياطياً، رغم أن المسؤولية تضامنية بينه وبين رئيس الحكومة».
وانتهى إلى أن أغلب قرارات الدبيبة «اتسمت بالعشوائية ودون دراسة لأي تداعيات مستقبلية»، خصوصاً أن بعضها لم يتحقق كالإعلان عن تأسيس أربعة صناديق لإعادة إعمار كل من بنغازي ودرنة ومرزق وجنوب طرابلس، دون تسييل الأموال المطلوبة.
وأمام هذه الانتقادات التي وجهت لحكومة الدبيبة، قال عضو المجلس الأعلى للدولة محمد معزب، إن هناك «تحاملاً من قبل أطراف بعينها على الحكومة، وأدائها العام»، متابعاً أن «الجميع يعرف أن هناك كتلة بمجلس النواب وتحديداً المقربة من رئيسه، تسعى من فترة لإسقاط الحكومة، لغرض تشكيل حكومة موالية لهم تنفذ رغباتهم».
وفيما قال معزب إن هناك أيضاً «مجموعة شخصيات بعينهم يطمحون في أن تحل بدلاً من الدبيبة، وتحديداً من قائمة المرشحين المتنافسين على موقع الرئاسة»، سلط الكاتب والمحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير، الضوء على دور أعضاء مجلس النواب في عملية اختيار الوزراء خلال مفاوضات تشكيل الحكومة.
ورغم تأكيده أن عملية تقييم الوزراء يجب أن تستند لتقارير منهجية، اعتبر الكبير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض الوزراء اجتهدوا وحاولوا أن يحسنوا من أداء وزاراتهم، وإن بقيت المشكلة الرئيسية في صعوبات المرحلة وتأثير التجاذبات السياسية».
وذهب إلى أن «هناك رضاً شعبياً عاماً حول أداء الحكومة ورئيسها، وإن ظلت هناك أطراف رافضة لترشحه للرئاسة بسبب موقعه الحكومي»، منوهاً بأن «تقييمات بعض السياسيين لأداء الوزراء مع الأسف لا تستند إلا على مقدار ما يحصلون عليه من مصالح».
من جانبه، قدم عضو مجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط، تقييماً كلياً لتجربة حكومة «الوحدة الوطنية»، وقال إن هناك درجة كبيرة من عدم الرضا عن أدائها، رغم إشادته بما يحقق وزير الصحة الدكتور علي الزناتي، من جدية في التعامل مع ملف الصحة في ليبيا.
وقال قزيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن أداء الحكومة خلال الفترة الماضية كان ضعيفاً جداً، وهذا يعود للأسف لتفشي ظاهرة المحسوبية والاعتماد على المقربين من الأهل والأصدقاء لا على أهل الخبرة والكفاءة وذلك في غالبية مؤسسات البلاد وكذلك بالشركات والمصالح الخاصة».
وأشار إلى أن «ضعف الأداء ليس صفة تنحصر على عمل حكومة (الوحدة الوطنية) بمفردها، ولكنها تنسحب على كافة مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية بما في ذلك المجلس الرئاسي ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة».
واستبعد نجاح محاولات تشكيل حكومة بديلة خلال مدة زمنية قصيرة لتتسلم مهام المسؤولية، مرجحاً استمرار عمل الحكومة في تصريف الأعمال خلال المدة القادمة، لحين الإعلان عن إجراء الانتخابات.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان الشحومي، فرأى أن الحكومة عجزت عن تحقيق أهم الأهداف المحددة لها وهي توحيد المؤسسات وتهيئة وتحسين الوضع الاقتصادي بالبلاد.
وذهب الشحومي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سياسات الدبيبة الاقتصادية انحصرت ما بين «الاصطفاف مع محافظ المصرف المركزي في طرابلس الصديق الكبير، الذي قدم النفقات المطلوبة للحكومة في ظل امتناع البرلمان عن اعتماد ميزانيتها»، وبين التوسع في تدعيم العلاقات الخارجية عبر بوابة شراكات واتفاقيات التعاون الاقتصادي سواء مع دول جوار أو إقليمية، «حتى إن لم يستطع تنفيذ ما ورد بها من التزامات لقصر عمر حكومته الانتقالية، ولتطلبها لتدفقات مالية كبيرة».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.