الوداع الأخير لسبعة سينمائيين رحلوا في 2021

بينهم مخرجة تونسية ومدير تصوير إيطالي وكاتب فرنسي

مفيدة التلاتلي  -  جان - كلود كارييه  -   جوزيبي روتانو
مفيدة التلاتلي - جان - كلود كارييه - جوزيبي روتانو
TT

الوداع الأخير لسبعة سينمائيين رحلوا في 2021

مفيدة التلاتلي  -  جان - كلود كارييه  -   جوزيبي روتانو
مفيدة التلاتلي - جان - كلود كارييه - جوزيبي روتانو

شهد العام 2021 رحيل ما لا يقل عن 400 سينمائي من جميع المهن والأعمال ومن أنحاء مختلفة من العالم. و«يكيبيديا» اكتفت بـ310 أسماء، وغاب عنها ما لا يقل عن 40 اسماً آخر من العالم العربي ومن الهند ودول آسيوية ولاتينية وأوروبية. ولو كان هناك من يكشف عن كل أسماء الراحلين ممن عملوا في السينما العالمية لتجاوز الرقم أعلاه.
معظم من رحل هذا العام، كمعظم من رحل في الأعوام السابقة، من أصحاب الأسماء التي لم تشهد أي شهرة فعلية؛ أبناء صناعة فنية وإنتاجية في كل مجال من مجالاتها خدموا في هذه الرحلة وغابوا من دون أن يشعر بغيابهم أحد؛ كون شهرتهم لم تتجاوز عتبة مشروعات اشتركوا فيها. من يعرف، مثلاً فيرونيكا فوركوا، الممثلة الإسبانية التي رحلت في الثالث عشر من ديسمبر (كانون الأول)، أو فيليب غزال، المخرج المكسيكي الذي وافاه الموت في 18 أكتوبر (تشرين الأول)؟ في اليوم ذاته توفي ثلاثة آخرون أميركيون، إنما بلا شهرة. وأول الراحلين هذه السنة كان ممثلاً بريطانياً عاش 92 سنة، اسمه مارك إيدن، وظهر في بعض كلاسيكيات الموجة البريطانية الجديدة في الستينات ومنها The L‪ - ‬Shaped Room لبرايان فوربس.
الموت واحد، لكن النجاح والشهرة ليس متساوياً. على ذلك، لا يمنع فقدان هذا العدد من الراحلين من تسليط الضوء على بعض من حقق مكانة أعلى من سواه. التالي سبعة من هؤلاء.

1 - مفيدة التلاتلي
قبل أن تنجز المخرجة التونسية فيلمها الأول «صمت القصور» سنة 1994، لعبت دوراً بالغ الأهمية بالنسبة للحركة السينمائية العربية، إذ قامت بتوليف أفلام لمخرجين انتموا لجيل السبعينات والثمانينات، كحال فريد بوغدير وميشيل خليفي ومرزاق علواش. ففي سنة 1975، قامت بتوليف فيلم «عمر قتلاتو الرجولة» للجزائري مرزاق علواش. لاحقاً أمّت فيلم «ذاكرة خصبة» للفلسطيني ميشيل خليفي، وبعد ذلك اشتغلت أكثر في إطار السينما التونسية، وبنت إيقاع فيلم التونسي بوغدير «حلفاوين» (1990). ‬
«صمت القصور» الذي اعتُبر، بحق، أحد أفضل أفلام السينما العربية قاطبة، كان نتيجة ذكريات وملاحظات استقتها من والدتها المريضة. لم تكن تعلم شيئاً يُذكر عن حياة أمها في زمن مضى، وما استقته من معلومات كان مشجعاً لكي تقرر انتقالها إلى الإخراج. لكن «صمت القصور» لم يكن مجرد فيلم عن ذكريات مصوغة كما لو كانت حكاية مستقلة عن تاريخ أمها، بل رصد الفيلم وضع المرأة التونسية في فترة سابقة من حياة المجتمع التونسي. وعندما قررت تحقيق فيلمها التالي: «موسم الرجال»، تعرضت لمفهوم المجتمع الرجالي القامع لحقوق المرأة. تلا ذلك فيلم آخر هو «نادية وسارا» (2005). كان لديها مشروع آخر (أيام الرئيس بن علي) لكن الرقابة التونسية منعته.

2 - وحيد حامد
كاتب سيناريو مصري غني عن التعريف، عمد منذ البداية لتقديم مواضيع اجتماعية وقف معها لجانب المواطن المصري العادي. بدأ هذا المنحى في مطلع الثمانينات في أفلام مثل «العربجي» و«التخشيبة» و«ملف في الآداب» و«البريء»، ثم إثر نجاحه وتحقيقه شهرة في سياق الأفلام الناقدة، عمد إلى سلسلة أعمال قام عادل إمام ببطولتها، ومنها «اللعب مع الكبار» و«الإرهاب والكباب» و«المنسي»، وذلك في التسعينات.
أسلوب عمله كاتباً كان كلاسيكياً، خدم فيه أفكاره حول الأشخاص العاديين في ظروف اجتماعية واقتصادية غير عادية. كذلك تعرّض لـ«الإخوان المسلمين» في أكثر من فيلم، ولو أن «الإرهاب والكباب» هو نموذجي في هذا الشأن.

3 - عزّت العلايلي
قام الممثل، الذي رحل في الخامس من فبراير (شباط)، بالظهور في نحو 190 مسلسلاً وفيلماً ومسرحية. وُلد سنة 1934 ومثل أول فيلم سنة 1962، وهو «رسالة من امرأة مجهولة» للمخرج صلاح أبو سيف. في العام نفسه، ظهر في فيلم كبير آخر هو «بين القصرين». في تلك الفترة تعاون مع مخرج متميّز آخر هو توفيق صالح عبر فيلم «السيد البلطي» (1967). ومنذ ذلك الحين وجدناه في أفلام أخرى لمخرجين بارزين، من بينها «قنديل أم هاشم» لكمال عطية (1968)، و«الأرض» ليوسف شاهين (1970)، ثم «الاختيار» لشاهين أيضاً (1971)، كما ظهر في أفلام غير مصرية (ولو قليلة)، من بينها «طاحونة السيد فابر» للجزائري أحمد الراشدي (1973)، و«ذئاب لا تأكل اللحم» للبناني سمير خوري (في العام ذاته)، سنة 1975. وهي السنة التي بدأت فيها الحرب الأهلية في لبنان قام ببطولة «بيروت يا بيروت» لمارون بغدادي. بعد ذلك هو في أفلام أخرى لصلاح أبو سيف آخرها «المواطن مصري» (1991)، آخر فيلم له كان «تراب الماس» لمروان حامد (ابن وحيد حامد).

4 - جان - كلود كارييه
كاتب السيناريو الفرنسي وضع ستة أعمال، حقّقها المخرج الإسباني الأصل لوي بونييل من بينها «حسناء النهار» (1967)، و«السحر الخفي للبرجوازية». ولد في جنوب فرنسا (سنة 1931)، ثم انتقل ووالداه إلى ضواحي باريس. تعرّف على عبقري الكوميديا الفرنسية جاك تأتي الذي شجعه على دخول العمل السينمائي. اختيار كارييه للكتابة بدا طبيعياً، إذ عمد أولاً إلى تأليف الروايات. لجانب بونييل اشتغل مع التشيكي ميلوش فورمان على فيلمه الأول في الغرب «الإقلاع» Taking Off سنة 1971. و«أقلع» بعد ذلك في أعمال أخرى خارج فرنسا، من بينها «علاقات خطرة» للبريطاني ستيفن فريرز و«الخفة غير المحتملة للوجود» (The Unbearable Lightness of Being) لفيليب كوفمان (1988). أحد المخرجين الذين طلبه للعمل معه أكثر من مرّة الألماني فولكر شلندروف وذلك من سنة 1979 عبر «الطبل الصفيح». لاحقاً أسند إليه كتابة الفيلم الشائك «دائرة الخداع» الذي دارت أحداثه في الحرب اللبنانية (1981). في 2021 تم إنجاز فيلمين من أعماله، هما «الحملة الصليبية» للوي غارل و«أرض الأحلام» لشيرين نشأت.

5 - جوزيبي روتانو
كمدير تصوير، عرفت مهنة هذا الفنان الإيطالي آفاقاً لم يبلغها سوى قلة سواه. ليس أنه كان محط ثقة مخرجين كبار في أوروبا والولايات المتحدة فقط، بل نظراً لعلاقته الرومانسية مع التشكيل الفني للصورة. وُلد سنة 1929 ومارس التصوير الفوتوغرافي للأفلام ثم وقف وراء الكاميرا لأول مرّة عام 1943، في فيلم لروبرتو روسيلليني The Man With the Cross، وفي سنة 1952 أصبح مصوّراً ثم - بعد خمس سنوات - أصبح مدير التصوير. اشتغل مع عباقرة السينما الإيطالية بدءاً من لوكيانو ڤيسكونتي (بدءاً من «الليل الأبيض»، 1957) وامتداداً لماريو مونيشيللي وفيتوريو دي سيكا وفديريكو فيلليني. اعتمد عليه فيلليني في «ساتيريكون» و«أماركورد» و«كازانوفا» وسواها من بين أعماله المهمّة. بات روتانو مقصداً للمخرجين الآتين من خارج إيطاليا فصوّر لإدوارد دمتريك Anzio ولمايك نيكولز Carnal Knowledge ولبوب فوسي All That Jazz. بعد نحو 80 فيلماً كمدير تصوير توقف روتانو عن العمل سنة 1997، عندما أنجز «مارشيللو ماستروياني: أتذكر»، واكتفى لاحقاً بتصوير أفلام قصيرة حتى عام 2010.

6 - مايكل أبتد
لم يكن هذا المخرج البريطاني صاحب مدرسة ولا حتى ذا أسلوب فني لا يُضاهى، لكنه كان جيداً في معظم ما حققه من أفلام. في الثمانينات والتسعينات سجل نجاحاً تجارياً كبيراً في فيلم «العالم ليس كافياً» (The World is Not Enough) واحد من الأفلام الأربعة التي قام بيرس بروسنان فيها بإداء شخصية جيمس بوند، وذلك سنة 1999. وُلد أبتد في مدينة أليسبوري سنة 1941. في عام 1964، عمل مساعداً لمخرج تلفزيوني كندي اسمه بول ألموند على مشروع فيلم تسجيلي للتلفزيون بعنوان Seven Up الذي عمد إلى تصوير حياة 14 ولداً في سن السابعة. بعد ذلك قام أبتد بالعودة إلى هؤلاء الأولاد بعد سبع سنوات ثم كل سبع سنوات بعد ذلك متابعاً ما آل كل منهم إليه في ذلك الحين. أول فيلم روائي قام بتحقيقه هو «الصدى الثلاثي» (1972) ثم عرج على سلسلة أفلام بريطانية وأميركية من بينها «أغاثا» (1979) وحقق نجاحاً نقدياً وفنياً كبيراً عندما أخرج في الولايات المتحدة «ابنة عامل المنجم» (The Coal Miner‪’‬s Daughter‪ ‬) سنة 1980. وهذا كان تمهيداً لعدد آخر من الأفلام التي برزت المرأة فيها كبؤرة اهتمامه الأول. من بين الأفلام الأخرى «غوريللات في الضباب» (سيغورني ويفر، 1988) و«نل» (جودي فوستر، 1994) ثم «كفاية» (مع جنيفر لوبيز، 2002). آخر فيلم له هو «غير مُقفل» (Unlocked) من بطولة ناوومي راباس وذلك في 2017.

7 - برتران ترفنييه
مخرج فرنسي نوّع في أعماله منتقلاً من التاريخي إلى البوليسي والدرامي العاطفي والبيوغرافي وحقق في كل منها بعض أفضل ما شهدته السينما الفرنسية من أعمال. ولد سنة 1941، وهوى السينما وهو في الرابعة عشرة. ما أحبّه في ذلك السن المبكر هو أفلام جون فورد وويليام ولمان ثم بعض المخرجين الفرنسيين، مثل جاك بيكر وجان رنوار. اشتغل لاحقاً مع المخرج جان بيير ملفيل قبل أن يبدأ العمل على أفلامه الخاصّة، وأولها «صانع الساعات» سنة 1974. وافته الجوائز في كثير من أفلامه، وفي مقدّمتها من حيث العدد «يوم أحد في الريف» (1984) الذي نال عليه جائزة أفضل مخرج من كان وجائزة أفضل فيلم أجنبي من جمعية «لندن فيلم سيركل» وجائزة سيزار كأفضل سيناريو مقتبس لجانب نحو سبع جوائز أخرى. «راوند مدنايت» كان دراما موسيقية شارك فيه مارتن سكورسيزي وهيربي هانكوك. في سنة 1999 عاد إلى منوال الجوائز عبر فيلم «كل شيء بدأ اليوم»، هذا من دون أن يعني أنه لم يحظ بجوائز مهمّة عن أفلام أخرى. أحد أفضل أفلامه الأخيرة «أميرة مونبنسييه» عن حياة مدام لافاييت، وقامت بالدور ميلاني تييري، وتم عرضه في مهرجان «كان».
المجال هنا أضيق من أن يستوعب سينمائيين آخرين مشهود لهم بالإجادة والشهرة بينهم السيناريست المصري مصطفى محرّم والممثل الفرنسي جان - بول بلموندو والأميركي ند بيتي والمخرجين ملفن فون بيبلز ومونتي هلمان ورتشارد رَش ورتشارد دونر وآخرهم الكندي جان - مارك فالي.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.