شيخ الأزهر: تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم «فكر متشدد»

لقاء الطيب وفرنسيس عقب مشاركتهما في قمة «قادة الأديان بشأن تغير المناخ» أكتوبر الماضي (مشيخة الأزهر)
لقاء الطيب وفرنسيس عقب مشاركتهما في قمة «قادة الأديان بشأن تغير المناخ» أكتوبر الماضي (مشيخة الأزهر)
TT

شيخ الأزهر: تحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم «فكر متشدد»

لقاء الطيب وفرنسيس عقب مشاركتهما في قمة «قادة الأديان بشأن تغير المناخ» أكتوبر الماضي (مشيخة الأزهر)
لقاء الطيب وفرنسيس عقب مشاركتهما في قمة «قادة الأديان بشأن تغير المناخ» أكتوبر الماضي (مشيخة الأزهر)

أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن «تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم (فكر متشدد)»، فيما هنأ أمس بابا الفاتيكان فرنسيس، وبابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بمصر تواضروس الثاني، ورئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، وبطريرك القسطنطينية برثلماوس الأول، وقادة الكنائس، والمسيحيين في الشرق والغرب بمناسبة أعياد الميلاد. ودعا خلال تدوينه له على «فيسبوك» و«تويتر» أمس، لأن «يشمل العالم السلام والمحبة والأخوة، وأن يجنبنا ويلات الحروب و(الكراهية)».
واعتاد تواضروس على زيارة شيخ الأزهر في مقر مشيخة الأزهر بالدراسة وسط العاصمة في عيدَي «الفطر والأضحى»، كما يزور الطيب مقر الكاتدرائية المرقسية في ضاحية العباسية شرق القاهرة... ويؤكد الطيب في جميع مقابلاته مع بابا الأقباط «العلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى القائمة على الود والاحترام المتبادل». وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد افتتح مسجد «الفتاح العليم» وكنيسة «ميلاد المسيح»، في العاصمة الجديدة، عشية احتفال الأقباط الأرثوذكس بعيد الميلاد يناير (كانون ثاني) عام 2019، في رسالة رمزية للتسامح في البلد الذي يشكل المسلمون أغلبية سكانه، بنحو 90 في المائة... وتتسع كاتدرائية «ميلاد المسيح» لأكثر من ثمانية آلاف مصلٍّ، في حين يتسع مسجد «الفتاح العليم» لنحو ضعف هذا العدد.
من جهته، قال شيخ الأزهر إن «من يحرمون تهنئة المسيحيين بأعيادهم غير مطلعين على فلسفة الإسلام في التعامل مع الآخر بشكل عام، ومع المسيحيين بشكل خاص». وأضاف خلال تصريحات لصحيفة «صوت الأزهر» الصادرة عن مشيخة الأزهر، أن «تحريم تهنئة المسيحيين (فكر متشدد)، وهو فكر لم تعرفه مصر قبل سبعينات القرن الماضي؛ فمنذ السبعينات حدثت اختراقات للمجتمع المصري مست المسلمين والمسيحيين، وهيأت الأرض لأن تؤتى مصر من قبل الفتنة الطائفية، وتبع هذا أن أصبح المجتمع أسيرا لشكليات وتوجهات لأشخاص غير مؤهلين، فاقدين لثقافة الإسلام في هذا الجانب، وكانوا يسعون إلى نشر مذاهب يريدون من خلالها تحويل المسلمين إلى ما يمكن أن نسميه (شكليات فارغة) من جوهر الإسلام الحقيقي». وأكد شيخ الأزهر، أن «الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود؛ إلا من منظور المودة والأخوة الإنسانية، وهناك آيات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم - أياً كانت أديانهم أو مذاهبهم - هي علاقة البر والإنصاف»، مشدداً على أن «المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، ولا محل ولا مجال أن يطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة»، لافتاً إلى أن «مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفته، وأن مصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب، والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات».
في سياق مواز، يواصل شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان التأكيد على «مواصلة ما بدأوه معاً من حوار بناء وتعاون مشترك وتكاتف وتآخ أثمر وثيقة تاريخية هي وثيقة (الأخوة الإنسانية) التي تم إعلانها من أبوظبي عام 2019 لأهميتها وتأثيرها في تعزيز التآخي بين البشر جميعاً». ووقع شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان «وثيقة الأخوة الإنسانية والسلام العالمي والعيش المشترك» عام 2019، وهي الوثيقة التي «تحث الشعوب على نبذ التعصب». وفي ديسمبر (كانون أول) 2020، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قراراً عربياً قدمته «المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والبحرين»، للاحتفال بـ«اليوم الدولي للأخوة الإنسانية» في الرابع من فبراير (شباط) كل عام. وتم اعتماد القرار من قبل الأمم المتحدة بتوافق الآراء، ليجسد ذلك اليوم «الجهود المشتركة في مكافحة خطابات الكراهية، ونشر ثقافة التسامح».
ووفق وزارة الخارجية المصرية حينها، فإن «القرار جاء تقديراً لذكرى يوم توقيع وثيقة (الأخوة الإنسانية والسلام العالمي والعيش المشترك) في أبوظبي، وهي الوثيقة التي تمثل حدثاً تاريخياً يحمل رسالة سلام ومحبة وإخاء إلى العالم، وتحثّ الشعوب على التسامي بالقيم البشرية ونبذ التعصب».
وتركز الوثيقة على عدد من النقاط المهمة، من أبرزها «‏التأكيد على أن الأديان لم تكن قط مثيرة للعنف وإراقة الدماء». يشار إلى أن الإمارات أعلنت، في وقت سابق، تشكيل «لجنة عليا» لتحقيق أهداف وثيقة «الأخوة الإنسانية». وقال الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، حينها، إن «تشكيل اللجنة يأتي تنفيذاً لرؤية مشتركة لبلورة المبادرات والأفكار، الداعية إلى التسامح والتعاون والعيش المشترك». فيما أشاد شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في أكتوبر الماضي بجهود ومبادرات (اللجنة العليا للأخوة الإنسانية) في تفعيل وترسيخ قيم وثيقة (الأخوة الإنسانية) من أجل التعايش بين البشر. من جهته، ناقش الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية محمد عبد السلام قبل أيام مع سفير الولايات المتحدة الأميركية للحرية الدينية الدولية رشاد حسين «أهمية تفعيل مبادئ وثيقة (الأخوة الإنسانية)».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.